مآلات تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل

13 فبراير 2024
تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل سيتسبب في زعزعة الثقة في اقتصادها (فرانس برس)
+ الخط -

في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ إسرائيل، خفّضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لدولة الاحتلال الصهيوني من A1 إلى A2 مع نظرة مستقبلية سلبية، الأمر الذي ينُمّ عن إمكانية خفض التصنيف مرّة أخرى.

وبرَّرت الوكالة ذلك بالمخاطر السياسية والمالية التي تتمخَّض عنها الحرب الدائرة مع المقاومة الفلسطينية والتي تُضعِف المؤسسات التنفيذية والتشريعية في إسرائيل وتقوِّض انضباطها المالي وقوّتها المالية في المستقبل المنظور.

وقد أثار هذا التخفيض استياء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي راح ينثر أوهامه على وسائل الإعلام، مقلِّلاً من أهمية هذا التخفيض ومتبجِّحاً بمتانة الاقتصاد الإسرائيلي الذي بات واضحاً للعيان أنّه على وشك الانزلاق في ركود غير معهود.

توقَّعت وكالة موديز ارتفاع أعباء الدين في إسرائيل بما يفوق التوقُّعات التي كانت مطروحة قبل اندلاع العدوان الإسرائيلي الجائر على قطاع غزة نظراً لعدم وجود اتِّفاق على إنهاء الأعمال العدائية بشكل دائم واستعادة الأمن بالكامل.

كما تترقَّب وكالة التصنيف العالمية وصول الإنفاق الدفاعي داخل دولة الاحتلال إلى ضعف مستوى عام 2022 تقريباً بحلول نهاية العام الجاري؛ وشدَّدت الوكالة أيضاً على مخاطر توسُّع رقعة الصراع في المنطقة وحدوث مواجهة مباشرة مع حزب الله في لبنان أو مع إيران، الأمر الذي بمقدوره سحب الاقتصاد الإسرائيلي المنهك نحو دوامة ركود يصعب الخروج منها.

إعلان الوكالة الأميركية للتصنيف الائتماني صدر مباشرة بعدما قدم الائتلاف الحاكم في إسرائيل مشروع قانون الميزانية المُنقَّحة لفترة الحرب لعام 2024 في القراءة الأولى والذي صادقت عليه الهيئة العامة للكنيست في 7 فبراير/ شباط 2024، في انتظار التصويت عليه بثلاث قراءات ليدخل حيِّز التنفيذ.

ولم يسلم مشروع قانون الميزانية من انتقادات زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد، الذي استنكر هروب نتنياهو خلال التصويت على مشروع الميزانية التي اعتبرها مهينة والأسوأ في تاريخ بلاده، وشدَّد على أنّها انعكاس لأسوأ حكومة لا ترى إلا أولوياتها ومصالحها، حيث تتضمَّن الميزانية المُقترحة التي تصل قيمتها إلى 724 مليار شيكل (197 مليار دولار)، اقتطاعاً شاملاً بنسبة 3 في المائة من جميع الوزارات الحكومية من أجل رفع الإنفاق الدفاعي بنحو 70 مليار شيكل (19 مليار دولار)، حيث تنطوي هذه الميزانية على إضافات سخية إلى أجهزة الأمن وإعادة بناء الجبهة الداخلية على حساب الخدمات الاجتماعية والتعليم الحكومي والزراعة.

بطبيعة الحال، سيتسبَّب تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل، من خلال زعزعة ثقة الأسواق في اقتصادها، برفع معدلات الفائدة وتكاليف الاقتراض، الأمر الذي سيؤدِّي لا محالة إلى زيادة مصروفات خدمة الديون الإسرائيلية التي ستكتوي بنارها جيوب الإسرائيليين؛ فكلّما انخفض التصنيف الائتماني لبلد ما، زاد ميل المستثمرين للحصول على سعر فائدة أعلى لشراء ديونها بغية التعويض عن المخاطر المرتفعة.

كما يساهم خفض التصنيف في تقليص الميزانية ورفع الضرائب لإبقاء عجز الميزانية تحت السيطرة، ويؤدِّي أيضاً إلى تراجع سعر صرف الشيكل الإسرائيلي مقابل العملات الأجنبية، وكذا انخفاض أسعار الأسهم في بورصة تل أبيب.

على الرغم من أنّ خفض تصنيف الاقتصاد الإسرائيلي كان متوقَّعاً، إلا أنّ التوقُّعات السلبية المصاحبة له كانت بمثابة مفاجأة غير سارة لمصمِّمي السياسات الاقتصادية الإسرائيليين الذين يعلمون بأنّ حكومتهم الحالية لن تزيد الأمور إلا سوءاً نظراً لضربها عرض الحائط بكل الانتقادات المُوجَّهة إليها ونفورها الشديد من خلق أفقٍ دبلوماسي.

وأكبر دليل على ذلك مشروع الميزانية الجديد غير المتوازن الذي يدعم مخصَّصات الائتلاف بدلاً من إلغائها وتحويلها إلى المجالات التي تدعم النمو والإنتاجية؛ ونظراً لكون الموازنة هي الأداة الرئيسية التي تؤثِّر من خلالها الحكومة على الاقتصاد، ستطول معاناة الاقتصاد الإسرائيلي وتستمرّ آلامه وتتواصل همومه، فلم تكترث الحكومة الإسرائيلية لتقديم موازنة يصل عجزها المُتوقَّع إلى 6.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ومنحازة بشكل مُشوَّه نحو الإنفاق العسكري، وغير مبالية تماماً بالنمو الذي يقوده القطاع الخاص وتشجيع الابتكار والإبداع.

عقب قرار وكالة موديز، لم يتردَّد قادة الأعمال الإسرائيليون بالإشارة بأصابع الاتِّهام إلى ميزانية 2024 المُنقَّحة التي تهدف بالدرجة الأولى إلى تمويل الصراع الذي يقود الاقتصاد الإسرائيلي نحو طريق مسدود ويكبِّده تكاليف لا يقوى على سدادها. وفي هذا الصدد، قدَّر بنك إسرائيل أنّ كلفة الحرب خلال الفترة الممتدّة من 2023 إلى 2025 ستبلغ حوالي 255 مليار شيكل (69.37 مليار دولار)، أي نحو 13% من الناتج المحلي الإجمالي بسبب ارتفاع الإنفاق الدفاعي والمدني واحتمالات انخفاض العائدات الضريبية.

سبق لمكسيم ريبنيكوف، مدير تصنيفات الديون السيادية والمالية العامة في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا لدى ستاندرد آند بورز، أن صرَّح لوكالة رويترز بأنّ هناك أكثر من فرصة لخفض تصنيف إسرائيل خلال العام أو العامين المقبلين نظراً لارتفاع المخاطر الجيوسياسية المرتبطة بالتصعيد مع حزب الله في لبنان أو مع إيران، والوضع الاقتصادي لإسرائيل بعد الحرب، لا سيَّما إذا لم يتمّ اتِّخاذ تدابير تعويضية للحيلولة دون تآكل الحيِّز المالي المتاح لإسرائيل للمناورة، حيث تتخبَّط دولة الاحتلال بين الإنفاق الدفاعي الذي يلتهم ما أمكنه من الميزانية والتأثير الأطول أمداً الذي تخلِّفه الحرب على تدفّقات الاستثمار الأجنبي المباشر ومعنويات المستثمرين.

ليس وحده التصنيف الائتماني لإسرائيل الذي تراجع، بل تدهورت مكانتها في مؤشِّر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية أيضاً، فقد انزلقت إسرائيل مرتبتين واحتلَّت المرتبة 33 في هذا المؤشِّر لعام 2023 نتيجة الصراع حول الإصلاحات القضائية التي فرضتها الحكومة لغاية في نفس نتنياهو، الذي يهدِّد استقلال النظام القضائي ويقيِّد هيئات الرقابة، إضافة إلى الحرب التي لم تضع أوزارها بعد في قطاع غزة، حيث يعكس هذا المؤشِّر آراء المواطنين والخبراء حول درجة الفساد في النظام السياسي في إسرائيل.

خلاصة القول، من المُتوقَّع أن تسير وكالات التصنيف العالمية الأخرى على خُطى وكالة موديز في ما يتعلَّق بقراراتها المُقبلة بشأن التصنيف الائتماني نظراً لعجز الحكومة عن إبقاء الاقتصاد الإسرائيلي واقفاً على قدميه متحمِّلاً المزيد من الديون لخفض التضخُّم ودفع فاتورة الحرب.

المساهمون