استهلت حكومة الوحدة الوطنية الجديدة عملها، بقرارات متلاحقة اعتبرها خبراء اقتصاد ضرورية لملاحقة الفساد ووقف إهدار المال العام ضمن إجراءات لإصلاح الاقتصاد، لتلقى ردود فعل متباينة بين الترحيب والتحوط، كون بعض ملفات الفساد مرتبطة بشخصيات نافذة في طرفي الصراع خلال الفترة الماضية.
وفي أول خطوة لها، أصدر رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، يوم السبت الماضي، قراراً نص على إيقاف حسابات الشركات العامة والصناديق الاستثمارية. ولم يخف القرار نية الحكومة في مجابهة الفساد، فقد قال الدبيبة إنه جاء "حرصاً من حكومة الوحدة الوطنية على الحفاظ على المال العام ومن أجل تلافي أية شبهات للفساد والتصرف في أموال الدولة بدون وجه حق".
ووفق القرار "يُطلب من جميع الصناديق الاستثمارية والشركات التابعة لها، بالإضافة إلى الشركات العامة إيقاف حركة حساباتها مؤقتا، إلى حين صدور ما يلغيه ويستثنى من ذلك ما يتعلق منها بمصروفات الباب الأول من الميزانية (النفقات)".
وغداة نيل الحكومة ثقة مجلس النواب، الأربعاء قبل الماضي، تقرر حل اللجنة العليا لمجابهة وباء كورونا، والتي جرى تشكيلها من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق السابقة، وتشكيل لجنة جديدة.
ديوان المحاسبة، كشف عن حجم كبير من الفساد المستشري في مفاصل الدولة، والذي طاول شخصيات بارزة.
وبحسب المكتب الإعلامي للحكومة، فإن الدبيبة أبدى استياءه من إدارة ملف كورونا، وقال إن اللجنة "لن تكون مقبولة بعد اليوم"، بعد أن اطلع على تقارير حجم الأموال التي تم إنفاقها بـ "دعوى التعامل مع كورونا دون وجود نتائج فعلية على الأرض".
وجاء قرار الدبيبة بحل لجنة مكافحة جائحة "كورونا"، بعد تخصيص حكومة الوفاق، ميزانية للجنة زادت عن المليار دينار ليبي، كميزانية طوارئ لمواجهة الجائحة، حيث أعلنت اللجنة عن تعاقدها مع أربع شركات عالمية لتوريد لقاحات مضادة للوباء، وقرب وصول أكثر من 292 ألف جرعة دون أن تحدد موعداً لذلك.
ويقول عبد السلام زيدان، خبير الاقتصاد، لـ"العربي الجديد" إن منهج حكومة الوحدة لمعالجة الملف الاقتصادي المنهار، يسير في اتجاهين، الأول غلق الطريق أمام استمرار عمليات الفساد وإهدار المال العام، والثاني إطلاق حزمة من القرارات المتعلقة بتحسين الوضع المعيشي.
ويرى زيدان أن إجراءات الدبيبة في ملف الفساد لن تتجاوز وقف استمراره، مضيفاً أن "ملاحقة رموز الفساد وتقديمهم للعدالة سيفتح أمامه باب الصراع مع شخصيات نافذة في مفاصل المؤسسات والدولة وقد تكون مرتبطة بالمجموعات المسلحة وإثارة تلك المشاكل في هذا التوقيت سيهدد الحكومة بالفشل في معالجة الأوضاع القائمة ووصول البلاد إلى استحقاق الانتخابات (في ديسمبر/ كانون الأول المقبل)".
وكشف تقرير لديوان المحاسبة، نشر الخميس الماضي، عن حجم كبير من الفساد المستشري في مفاصل الدولة، والذي طاول شخصيات بارزة في حكومة الوفاق في طرابلس المعترف بها دوليا، والحكومة الموازية شرق البلاد.
ويقول زيدان، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الخطوات التي أقدمت عليها الحكومة تظهر أنها تسير في طريق تحسين الظروف المعيشية للمواطن، خاصة ما يتعلق بمعالجة وضع الدينار مقابل العملات الأجنبية، لافتا إلى أن القرار الخاص بالدولار الجمركي، والذي يهدف إلى تحديد سعر الصرف الخاص بقيمة البضائع المستوردة واحتساب الرسوم الجمركية المستحقة عليها، خطوة في هذا الطريق.
وفي سياق قريب، كشفت تقارير إعلامية ليبية عن وجود مشاورات تجري بين مسؤولي البنك المركزي والدبيبة بشأن "تخفيض سعر صرف جديد للدولار"، مشيرة إلى قرب اجتماع لإدارة البنك لخفض سعر صرف الدولار إلى 3.5 دنانير، بدلا من السعر الحالي والمحدد بـ 4.48 دنانير للدولار الواحد.
ورغم خطوات الحد من الفساد، يرى نواب ومحللون أنه من الضروري توحيد ميزانية الدولة ودعم قطاع النفط الحيوي الذي يعد مصدر الدخل الرئيسي.
ويقول خليفة الحداد، الباحث في الشأن الليبي، "قبل الحديث عن الإجراءات في اتجاه وقف الفساد وحلحلة مشاكل المواطن الخدمية والمعيشية يتوجب على الدبيبة دعم قطاع النفط، فهو المورد الوحيد للدخل القومي".
والاثنين الماضي، أعلن رئيس مجلس إدارة مؤسسة النفط، مصطفى صنع الله، في بيان، عقب لقائه رئيس الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية، أن المؤسسة أنهت احتجاز عائدات تصدير الخام الذي استمر لأكثر من أربعة أشهر، وقررت إعادة تحويلها إلى المصرف المركزي، في خطوة من شأنها تقليص الصعوبات الاقتصادية التي واجهتها الدولة بسبب الانقسامات التي طاولت مؤسسات الدولة خلال الفترة الماضية.
ووفق صنع الله فإن "الإجمالي التراكمي للإيرادات النفطية المحتجزة منذ رفع حالة القوة القاهرة وحتى العاشر من مارس/ آذار 2021 بلغ 7.76 مليارات دولار متضمنة حقوق الشركاء وحقوق المؤسسة ولا تشتمل الإتاوات والضرائب".
لكن الحداد يرى أنه من الضروري أيضا توفير عامل الأمن الأساسي للنفط، مشيراً إلى أن "أغلب منابع النفط خارج سيطرة الدولة وبعضها تحرسها مليشيات تابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر وهو طرف مسلح لطالما هدد أوضاع السلم ولا يعرف وضعه حتى الآن في المشهد السياسي الجديد".