أنهت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، احتجاز عائدات تصدير الخام الذي استمر لأكثر من أربعة أشهر، وقررت إعادة تحويلها إلى المصرف المركزي، بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي نالت الثقة مؤخراً، في خطوة من شأنها تقليص الصعوبات الاقتصادية التي واجهتها الدولة بسبب الانقسامات التي طاولت مؤسسات الدولة خلال الفترة الماضية، فيما يأمل الليبيون في تحسن الظروف المعيشية التي تضررت بشكل بالغ بسبب الصراع.
وأعلن رئيس مجلس إدارة مؤسسة النفط، مصطفى صنع الله، في منشور له، عقب لقائه رئيس الوزراء في حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد محمد الدبيّبة في طرابلس، يوم الاثنين، أن "الترتيبات الوقتية" التي اتخذتها المؤسسة بشأن إيداع عائدات النفط في حسابها بالمصرف الليبي الخارجي "انتهت بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية".
وقال إن "الإجمالي التراكمي للإيرادات النفطية المحتجزة منذ رفع حالة القوة القاهرة وحتى العاشر من مارس/ آذار 2021 بلغ 7.76 مليارات دولار متضمنة حقوق الشركاء وحقوق المؤسسة ولا تشتمل الإتاوات والضرائب".
وأعرب محللون في النفط والاقتصاد عن تفاؤلهم بهذه الخطوة، مشيرين إلى أن عودة إنتاج النفط إلى الارتفاع وصعود الأسعار العالمية أخيراً يعزز مالية الدولية ويساهم في تنفيذ المشروعات التنموية لتحسين الخدمات الأساسية.
وقال محمد أحمد، المحلل في قطاع النفط لـ"العربي الجديد" إن إنهاء الانقسام يعزز إنتاجية النفط التي يتوقع أن تصل إلى مليوني برميل يوميا في الفترة المقبلة، مشيرا إلى أن حجب الإيرادات كان قراراً غير صائب من قبل المؤسسة الوطنية للنفط.
ويسيطر قطاع النفط منذ ستينيات القرن الماضي على الأنشطة الاقتصادية المختلفة، حتى أصبح المصدر الرئيسي للدخل القومي في البلاد، إذ يوفر نحو 95% من الإيرادات المالية، حسب البيانات الحكومية، وكانت عائداته تتراوح سنوياً بين 40 مليار دولار و45 ملياراً قبل عام 2013 وفقًا لتقارير سابقة للبنك الدولي.
لكن العائدات هوت في السنوات الأخيرة، إذ رفعت المؤسسة الوطنية للنفط أخيراً توقعاتها لإيرادات العام الحالي في ظل ارتفاع الأسعار عالمياً إلى 30 مليار دولار، بدلا من 15 مليار دولار متوقعة سابقا، بمتوسط إنتاج متوقع يتراوح بين 1.3 مليون برميل يومياً إلى 1.5 مليون برميل، وصولا إلى مليوني برميل في 2023 من خلال تطوير بعض الحقول.
ووفق تقديرات صندوق النقد الدولي، فإن ليبيا تحتاج لأن يبلغ سعر برميل النفط 57 دولاراً لتحقيق التوازن المالي هذا العام، و70.3 دولاراً العام المقبل.
وتمتلك ليبيا أكبر احتياطيات مؤكدة من النفط الخام في أفريقيا، حيث تبلغ 48.4 مليار برميل. وكان رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، قد قال في تصريحات سابقة، إن خسائر الإنتاج والبنى التحتية للنفط والفرص الضائعة على الدولة بسبب الإقفالات غير القانونية للحقول والموانئ خلال السنوات التسع الماضية ناهزت 231 مليار دولار.
وقال المحلل الاقتصادي، علي عطية، إن انفراج أزمة الإيرادات النفطية خطوة جيدة تحسب لحكومة الوحدة الوطنية، مشيرا إلى ان من شأن توفير الموارد المالية تدبير احتياجات استيراد السلع الأساسية والأدوية والتي تصرف من احتياطيات ليبيا من النقد الأجنبي المتراجع بالأسس لمستويات غير مطمئنة.
ورغم تحسن الإنتاج في الأشهر الأخيرة، إلا أنه يظل أقل من مستوياته البالغة 1.6 مليون برميل قبل عام 2012، حيث بلغ مساء الاثنين الماضي 1.26 مليون برميل، وفقا لإدارة التسويق في المؤسسة الوطنية للنفط.
ولا يزال هناك الكثير من الانقسامات بين الفصائل المختلفة، التي يرى محللون أنها لن تُحل بسهولة قبل الانتخابات المقررة في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وستعمل الحكومة الجديدة بكل جهدها لاستعادة الخدمات الرئيسية بعد عِقد من الاضطرابات منذ الإطاحة بالرئيس السابق معمر القذافي.
ومع ذلك، تعزز حكومة الوحدة، التي تنهي انقسام المؤسسات بين الشرق والغرب الآمال، ومن شأنها أن تبث الاستقرار بقطاع النفط في ليبيا وأن تقلل احتمالات إشعال المليشيات للقتال، أو إغلاقها الموانئ والحقول، والمصافي مجدداً.
وبحسب تقرير حديث لمركز الدراسات الاستراتيجية والأمنية الأميركي "ستراتفور" فإن "إنتاج النفط الليبي سيظل على الأرجح مستقراً، وستظل احتمالات الصراع الأوسع منخفضة".
ووفق رئيس المؤسسة الوطنية للنفط، تخطط المؤسسة لتشغيل حقول بترول جديدة في الأشهر المقبلة في حوضي "سرت"، في وسط البلاد، و"غدامس" في الغرب، كما تعمل على إعادة تشغيل الحقول المغلقة نتيجة الهجمات التي تعرضت لها، مشيرا إلى أن هذه الخطط الطموحة ستعتمد على استمرار السلام، وحصول المؤسسة الليبية للنفط على موازنة كافية من الحكومة لإصلاح البنية التحتية للطاقة.
وتعول مؤسسة النفط على شركات الطاقة الأجنبية مثل "توتال"، و"إيني"، و"ريسبول" لزيادة الإنتاج، فيما ينتظر أن تتلقى دعما من حكومة الوحدة الوطنية لتحقيق ذلك، حيث عينت الحكومة الانتقالية وزير بترول وغاز، وهو منصب لم يُشغل من سنوات، ليتولى ممثل ليبيا السابق في منظمة الدول المنتجة للنفط "أوبك"، محمد عون، الحقيبة الوزارية.
وتحت قيادة صنع الله، الذي تولى منصبه في 2014، كانت مؤسسة النفط الليبية واحدة من المؤسسات القليلة القادرة على العمل عبر انقسامات ليبيا السياسية، وتمكنت من إحكام سيطرتها على صادرات البترول برغم محاولات المقاتلين السيطرة على الحقول، وخطوط الأنابيب والموانئ في مناطقهم.
وقال صنع الله إن المؤسسة مستعدة للعمل مع الحكومة الجديدة، وستظل محايدة سياسياً، مضيفا أن "الدور السيادي المتمثل في ترؤس وزير النفط والغاز محمد عون وفد دولة ليبيا لدى منظمة أوبك في الاجتماعات الوزارية وفي المحافل الدولية الأخرى أمر هام وحيوي، ويجب أن تكون ليبيا في مصاف الدول الرائدة في الصناعة النفطية".