يعترف الصحافي والكاتب الأميركي، توماس فريدمان، بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي " بنيامين نتنياهو" قد أنجز الكثير اقتصادياً إبان فترات رئاسته. فهو الذي جعل إسرائيل تتمتع بالمركز التاسع عشر من بين الدول في العالم من حيث معدل ناتج الفرد الإجمالي، ومن حيث تطويره لتكنولوجيا الحراسة والأمن، وفي مجال التصدير الزراعي، والسياحة وغيرها.
لكن فريدمان يرى أن سعي حكومة " نتنياهو" لتعديل القوانين، ومنح صلاحيات نقض قرارات المحاكم بأغلبية بسيطة (50% +1) من أعضاء الكنيست قد يودي بكل هذه الإنجازات إلى الحضيض، ويفقد إسرائيل جاذبيتها كبلد آمن للاستثمار، وكملاذ سياحي، ومركز تجارة اقليمي ودولي.
وقد بدا واضحاً أن ما تقوم به هذه الحكومة من إلحاق الأذى والموت والدمار بالشخوص والممتلكات الفلسطينية، والأيقونات الدينية الإسلامية والمسيحية، يصل إلى درجة محمومة مقرفة، والهدف منها أن يقوم نتنياهو وحكومته المرفوضة بتصدير الأزمة الداخلية والاصطراع السياسي الذي خلقه داخل الجسم الإسرائيلي إلى الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة، وكأنه كُتِبَ على الفلسطينيين أن يدفعوا ضريبة دم كلما ألمّت ضائقة سياسية أو اقتصادية بإسرائيل.
ولا تنحصر المشكلة في إسرائيل حول بوادر التراجع الاقتصادي وسعي الكثير من الإسرائيليين اليهود للهجرة إلى دول أخرى، وخشية المستثمرين المحليين والأجانب من تغَّول المتدينين على الشؤون العامة بجهالة وعنصرية، بل إن الخشية تكمن في المظاهرات المستمرة منذ أسابيع ضد التعديلات القانونية التي تستهدف إخلال التوازن بين السلطتين القضائية والتشريعية، ووضع السلطة التنفيذية فوق السلطة القضائية والتشريعية مما يخل بأهم مبدأ من مبادئ الديمقراطية وهو توازن السلطات والإخلال بالضوابط بين هذه السلطات.
وكذلك، فقد سارع نتنياهو بتقديم مشروع قانون أقرته الحكومة المصغرة بالقراءة الأولى تسمح بإعدام كل من يتهم بقتل يهودي على أساس أمني. ولكن هذا القانون لن يطبق على الجنود من قتلة الأطفال والصحافيين والآمنين في بيوتهم من شعب فلسطين، ولكن على أي فلسطيني يجرؤ على المقاومة ضد الاحتلال والإجراءات أحادية الطرف، والاعتداء على الأطفال، وهدم المنازل وقتل الشباب عند نقاط التفتيش واقتحام بيوت الآمنين العُزَّل وهم رقود في بيوتهم عند ساعات الفجر.
هناك على ما يبدو من يخشى على مستقبل إسرائيل من نفسها، ولعل من المفيد أن نذكر هنا كتاب " اللوبي الاسرائيلي" أو " The Israel Lobby " الصادر عام 2006، والذي سبقه مقال بنفس العنوان طالب مؤلفاه جون ميرشايمر John Mearsheimer وستيفن وولت Stephen Walt مركز أيباك AIPAC تخفيف التعاطف مع إسرائيل لأن دعمها بدون شروط أدى إلى الضرر بها كما يقول المؤلفان، مما أغرى حكام إسرائيل بالتمادي والغلو ضد الشعب الفلسطيني.
وبالفعل، فقد هبَّ المتحمسون لإسرائيل ثائرين على المؤلفَيْن عندما نشرا المقال، ما دفع الكاتبين لتوسيع المقال إلى كتاب خفف من لهجة المقال وحدة انتقاده. وإسرائيل وصلت إلى مرحله من الصلف والاعتداد بنفسها إلى درجة أنها صارت تعلن نواياها، ولاسيما المُغالون منهم، والذين لا يأبهون بردة فعل " الجنتايلز والغوييم" أو "العزباء والآخرون" لأنهم يعتقدون أنهم سادة الأرض وأكثر خلق الله قوة وتأثيراً. ولا أحد ينكر انجازاتهم وقوتهم ونفوذهم الناعم ولكن وصل بهم الغرور إلى حد التهلكة. وقد بدأوا بعدما حصلوا على ثقة الكنيست في الحكومة الحالية بارتكاب ذلك الغرور حتى أنهم أحرجوا " بنيامين نتنياهو" والذي صار يبدو وكأنه معتدل قياساً إلى الآخرين مثل بن غفير، وسميريتش، وكوهين.
وقد تمادى هذا الوضع إلى حد صار أعضاء الحكومة الإسرائيلية يقولون علناً إنهم ليسوا مهتمين بعملية السلام وعودتها خاصة في غياب شريك فلسطيني مفاوض. وكذلك صاروا يستخدمون لغة جديدة ينعتون فيها كل مناضل فلسطيني بأنه " إرهابي" حتى يبرروا قتله بدم بارد.
وفي مقابلة مع المذيع الأميركي " جيك تابر" بتاريخ الأول من فبراير/ شباط من هذا العام ونشرته محطة " سي أن أن" الإخبارية، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بأشياء ترقى إلى حد التفاهة والسذاجة. فمن أقواله عبر المذيع الذي لم يجرؤ على تحديه في أي نقطه.. قال نيتنياهو إن "الفلسطينيين الذين عاشوا على أرض فلسطين كانوا بمثابة مستأجرين للأرض، ولما عاد أهلها إليها فمن حقهم أن يسكنوا مكان من استأجرها". وقوله لا فض فوه. "لقد تخلصنا من عقدة التصالح مع الفلسطينيين أولاً، مشيراً إلى نجاحه في المصالحة والتطبيع مع بعض الأنظمة العربية دون الحاجة إلى تقديم أي تنازلات".
إذا كانت قراءة نتنياهو للتاريخ بالشكل والمضمون الذي صرح به، فالرجل موهوم، فالفلسطينيون يعيشون على الأقل منذ خمسة آلاف سنة، والأنكى من ذلك أن كل ما ينسب إلى النبي سليمان ومن قبله والده داود في القدس ليس له أثر على الإطلاق. ونحن نصدق أن سليمان استخدم الجن والطير في النقل والانتقال كما ينص القرآن الكريم، ولكن كيف لأحد أن يصدق أن ملكاً يناكف ملكة أخرى ولا تكون جارته، فالأرجح أن سليمان الذي سبق النبي موسى عليه السلام قد عاش في أفريقيا قبالة اليمن، وقبل أن يفلق الله البحر لينقذ موسى ومن معه من بني إسرائيل.
والأنكى كذلك أن اثنين من قادة المسلمين الذين ساهموا في إعمار القدس والمسجد الأقصى كان اسمهما الأول سليمان. الأول هو الخليفة سليمان بن عبدالملك ومن بعده بقرون السلطان العثماني سليمان القانوني، وقد قاما ببناء أسوار وتكيات وبرك واسطبلات لخدمة الحجاج والمسافرين والأوقاف، فصار اليهود يقولون إن هذه من أيام الملك سليمان بن داود. ولذلك فإذا كان الفلسطينيون مستأجرين للقدس، فإن اليهود ليسوا هم من أجَّروهم. وإذا كان سليمان بن داود لم يدخل القدس ولم يرها، فكيف يكون قد بنى هيكلاً فيها؟
آن الأوان أن تعترف الحركة الصهيونية أن كل القصص التي ألفوها أو روجوا لها، وكل الأفلام السينمائية والخرافية التي باعوها للعالم لا تقدم أي دليل علمي على أن اليهود سكنوا فلسطين إلا من خلال ما ورد في الآيات القرآنية، لأن كثيراً من المؤلفين والباحثين ومن متحدثي اللغات القديمة كالآرامية والسيريانية لم يجدوا أي نص في القرآن فيه خطأ تاريخي، أو مبالغات رقمية، أو أبطال مخترعون.
لذلك، فإن المعركة مع هذه الفئة من حكام إسرائيل والتي ما تزال تعيش تحت الوهم أن أرض فلسطين لهم، بل وأن لهم الحق في حكم المشرق العربي كله من النيل إلى الفرات. هذه الخرافات هي التي جعلتهم يعتقدون أنها حقيقة، خاصة في ظل الانتصارات الدبلوماسية التي أنجزوها مؤخراً. ولذلك، فإن قيام الإدارة الأميركية بالطلب منهم حضور اجتماع العقبة يوم السادس والعشرين من هذا الشهر، لم تكن الحكومة الإسرائيلية لتقبل به لو أُعطيت ذلك الخيار، والدليل هو سرعة تصريحات وزراء نتنياهو المتطرفين بالقول إنهم لن يطبقوا نتائجها، كما قال بن غفير أن ما جرى في العقبة سيبقى في العقبة، وهو اصطلاح دارج عن مدينة القمار لاس فيغاس حيث اشتهر القول " ما يحصل في فيغاس يبقى في فيغاس".
وبالمقابل، نرى أن كثيراً من النقد قد وجه للسلطة الفلسطينية (وبخاصة الرئيس محمود عباس)؛ وللأردن الذي اتهمه بعض المعلقين في فلسطين بأنه يريد تدريب خمسة آلاف عنصر أمن فلسطيني لقمع المقاومة الفلسطينية في الأرض المحتلة.
ولكن الأردن الذي قبل استضافة هذه الدورة، والتي من المتوقع أن تعقبها دورة مباحثات أخرى قبل بداية شهر رمضان المبارك في شهر آذار/ مارس القادم، ستعقد في مدينة شرم الشيخ السياحية المصرية، سيعني أن خطوات دبلوماسية بدأت تأخذ طريقها نحو التفاوض.
وقد صرح الملك الأردني عبدالله الثاني بعد لقائه المنسق لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البيت الأبيض " بريت ماكفيرك" أن الجهود يجب أن تبذل من أجل التهدئة وإيقاف الإجراءات أحادية الجانب والمستفزة للفلسطينيين. وبعدها أكد الملك عبدالله على ضرورة العودة إلى مائدة المفاوضات لوضع لمسات الحل السلمي لهذه المشكلة الفلسطينية المعقدة وفق المرجعيات الدولية وبما يحقق آمال الشعب الفلسطيني وتطلعاته.
حتى لو تكررت اللقاءات، وبدأ التفاوض، فقد بات من الضروري الدعوة إلى مفاوضات جادة لحل نهائي في هذه المنطقة، وإقناع كل الأطراف بأن استمرار الأمور على هذا الحال هو من المحال، وان استبدال الحقوق السياسية برشوات مشاريعية أو مالية لن يجدي. فالشعب الفلسطيني هو الأقوى، وهو الذي لن يقبل بالاقتلاع أو التهجير، وعلى إسرائيل أن تدرك ذلك.