لماذا افتعلت الحكومة المصرية أزمة الأرز في الأسواق؟

21 نوفمبر 2022
الوزارة رفعت أيديها عن دعم الفلاحين منذ عقدين (Getty)
+ الخط -

هل يواجه المستهلك المصري مشكلة في وجود الأرز بالأسواق؟ 
إذا سألت أياً من عشاق الأرز، من الأغلبية الساحقة في البلاد، فستكون إجابته: الأرز موجود، وإن شح في بعض المناطق، فهناك عشرات الطرق يمكنك توفيره من خلالها، في الريف والمدن.  

لم تحدث أزمة، فالأرز متوافر، لأسباب عديدة، اعترف المهندس أيمن حسام، رئيس جهاز حماية المستهلك، بذلك في حوارات بالفضائيات المدارة أمنيا.

يقول حسام: بلغت مساحة الأرز خلال موسم الزراعة، المنتهي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، 1.5 مليون فدان، أنتجت حوالي 6 ملايين طن أرزا شعيرا، توفر نحو 3 ملايين طن أرزا أبيض، يتراوح حجم الاستهلاك الشهري للمواطنين ما بين 250 و270 ألف طن شهريا.  

المسؤول ظهر في الفضائيات على أنه مساعد لوزير التموين، بما يخالف قوانين المنافسة والاحتكار، لتعارض صفته الرقابية، مع كونه موظفا عاما، يحمي مصالح جهة محتكرة للسلع، مع ذلك، تبقى كلماته أقرب للواقع. فقد حددت وزارة الزراعة المساحة المنزرعة بالأرز بمليون و74 ألف فدان، في إطار خطة مستمرة منذ عام 2008 بتخفيض مساحة الأرز سنويا. 

 تعلم وزارة الزراعة وجود مخالفات، خاصة في أكبر المحافظات إقبالا على زراعته. تأتي محافظة الدقهلية على رأس المنتجين بنحو 280 ألف فدان وكفر الشيخ 250 ألفاً ومثلهم بالشرقية والبحيرة، لتعلق المستهلكين بالأرز في وجباتهم اليومية، وغسل التربة من ملوحة مياه البحيرات الشمالية والبحر المتوسط.  

لا تجرؤ وزارة الزراعة على ذكر المساحات الحقيقية المزروعة بالأرز، والدولة تتفاوض على زيادة حصة مصر من مياه نهر النيل. رغم إعلانها تطبيق غرامات فادحة على المزارعين المخالفين، فبعضهم يزرع الأرز مضطرا، لوقوع أرضه بين حيازات زراعية صغيرة، ما يجعلها غير قادرة على إنتاج أي محصول صيفي آخر.

الوزارة رفعت أيديها عن دعم الفلاحين منذ عقدين، وبالكاد يتحصل قلة من الملاك على دعم لأربعة شكائر نترات البوتاسيوم، يتحمل المزارع التكلفة بالكامل. 

لم يعد الأرز ولا أي محصول إستراتيجي مصدرا كبيرا للدخل، مع ارتفاع سعر الأسمدة والوقود والكهرباء والنقل والعمالة

متوسط حيازة زراعات الأرز لا تزيد عن فدانين للأسرة، فالأرض الزراعية تفتتت منذ نصف قرن بطريقة ترفع تكاليف الإنتاج، وتدفع الفلاح للاحتفاظ بأغلبية المنتج. من يبيع الأرز، إما لرد الديون التي اقترضها خلال زراعته، أو لشراء بديل آخر يعينه على متطلباته اليومية، في سوق تتراجع فيه معدلات الاستهلاك سنويا بسبب الغلاء.  

لم يعد الأرز ولا أي محصول استراتيجي مصدرا كبيرا للدخل، مع ارتفاع سعر الأسمدة والوقود والكهرباء والنقل والعمالة. اختفت ظاهرة الزواج في الريف في مواسم بيع المحاصيل، بعدما كانت الزيجات تعلق لحين جمع القطن أو حصد الأرز أو القمح.

تراجع دور الزراعة من 65% إلى 17% في الناتج القومي، فلا فرق يحدث إلا لأصحاب المساحات الكبيرة، ومزارعي الفواكه والخضر والمحاصيل غير التقليدية اللازمة للعطور والأدوية والعطارة والتصدير للخارج.  

سعد الفلاحون بموسم إنتاج وفير، فالعائد من الفدان يبلغ 3.5 أطنان أرزاً أبيض.  

عادة ما تحدث وفرة في الناتج الإجمالي للدولة يقدر بنحو 300 ألف طن، يصدر إلى ليبيا والخليج، وجاء حظر التصدير ليضمن وجود المحصول طوال العام. 

 لم يصنع الفلاحون الأزمة ولا المنتجون، بل فعلتها وزارة التموين عندما أصدرت قرارا يجبر الفلاحين على تسليم طن من الأرز عن كل فدان بسعر زهيد لا يزيد عن 7 آلاف جنيه للطن (نحو 285 دولارا). 

 اعتبر الفلاحون القرار ظالما، لأنه يهدر حقهم في تكلفة تصل إلى 12 ألف جنيه للطن، وبعضهم يعتبر حيازة الأرز "ستراً لأهل البيت" لا يمكن التفريط به مهما غلا ثمنه.  

تهرب الفلاحون من قرار وزارة تجمع أموالهم منهم بالباطل لتدلي بها إلى الحكام، وتُرضي غرور سلطة تريد أن ينصاع الناس لقبضة أمنية ظالمة. اختفى الأرز من البيوت، فبرز دور التجار الذين زايدوا بالسعر لجمعه بشتى الطرق، فمنهم من تمكن من ذلك، وكثير فشلوا في شرائه من المخازن.  

شح المحصول من المضارب الخاصة، ولم تجد المضارب المملوكة للحكومة المال اللازم لجمعه من الفلاحين ومنافسة القطاع الخاص على رفع الأسعار، وهنا تجددت الضربة الأمنية، بفرض الحكومة سعرا إجباريا لتتولى بيعه بسعر 10 جنيهات ونصف الجنيه، على بطاقات التموين و15 جنيه - بطريقة استعراضية- في معارض القطاع العام والجيش والشرطة.

تراجع دور الزراعة من 65% إلى 17% بالناتج القومي، فلا فرق يحدث إلا لأصحاب المساحات الكبيرة، ومزارعي الفواكه والخضر والمحاصيل غير التقليدية

لم تستمع الوزارة إلى مطالبة الفلاحين والتجار بالعدالة، لذلك يتسرب الأرز إلى الأسواق بأسعار تتراوح ما بين 18 و21 جنيها، في حين ظلت مخازن الحكومة خاوية، ومن هنا افتعلت الأزمة الكبرى.  

فَعّلت الحكومة لأول مرة العمل بالمادة 8 من قانون حماية المستهلك، كإعلان لحالة الطوارئ رسميا على تجارة السلع. تستخدم المادة أثناء حالة الحرب ومواجهة المجاعات.

تتيح المادة لرئيس الوزراء تحديد سعر جبري والتوريد القسري للسلع التي يراها استراتيجية، ومن يخالف ذلك، فالعقوبة بالسجن مدة تتراوح ما بين عام وعامين والغرامة من 100 ألف إلى مليوني جنيه، والمصادرة والغرامة بضعف قيمة المضبوطات.  

أصبح كل حائز للأرز مطالب اليوم بأن يقدم تقريرا عما بحوزته، لضباط المباحث والتموين والبلدية، من أرز ولو كان لأهل بيته، وعلى قدر حاجته طوال العام، خلال 3 أيام من تنفيذ القرار الذي صدر الأربعاء 16 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وإلا فإن احتفاظه بأي كمية غير معروضة للبيع العلني بالسعر المحدد، وفقا للقرار بسعر 15 إلى 18 جنيها، يعرضه للسجن والمصادرة.  

الأرز موجود في الأسواق، رغم توقف كثير من التجار عن التعامل به خوفا من وقوعهم في مشكلة من دون منطق ولا داع، ويباع علنا بسعر 18 جنيها للعبوة العادية و20 جنيها للأبيض الممتاز، وهي الأسعار التي يعتبرها المزارعون والتجار عادلة لقيمة التكلفة، وتحقق هامشا معقولا من البيع.

الأزمة المفتعلة دفعت رجب شحاته، رئيس شعبة الأرز باتحاد الصناعات، لأن يقول على الفضائيات: كان على الحكومة التشاور مع كل الأطراف المعنية قبل اتخاذ قرار.

الناس تعلم أن الحكومة أرادت الانتقام من فلاحين لم يوردوا "الإتاوة" التي طلبتها من محصولهم، ووظفت جهاز حماية المستهلك في الإساءة للتجار، بينما أضافت تلك الحرب عبئا على مواطن، كان بمقدوره الاستمتاع بسعر منخفض للأرز طوال العام.  

المساهمون