"لساها ثورة"

24 يناير 2021
الأسباب التي دفعت المصريين للخروج يوم 25 يناير 2011 لا تزال مستمرة (فرانس برس)
+ الخط -

في يناير 2011 خرج ملايين المصريين في ثورة شعبية عظيمة، باحثين عن العيش والحرية والحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية، ومطالبين بتحسين الأجور، ومكافحة الفساد والفقر والبطالة والفوارق الاجتماعية ووقف بيع المال العام، والتوزيع العادل للثروة، ووقف احتكار قلة من رجال الأعمال المرتبطين بالسلطة الحاكمة للأنشطة الاقتصادية المختلفة.

وكذا المطالبة بالقضاء على التداخل الكبير بين المال والسلطة، ووأد ظاهرة "توزير" كبار المستثمرين وتوليهم رئاسة الوزارات الاقتصادية، والحد من ظاهرة سيطرة أصحاب المال والنفوذ على مجلسي الشعب والشورى ورئاسة اللجان المهمة فيهما. 

ورغم الزخم المحلي والعالمي الذي حظيت به ثورة 25 يناير والنظر إليها من قبل البعض على أنها أعظم ثورة في التاريخ الحديث، إلا أن الثورة المضادة والانقلاب العسكري المحكم نجحا خلال فترة قصيرة في وأد مطالب وأهداف الثورة وتوزيع رموزها ما بين القبور والسجون والمنفى والاختفاء القسري والعيادات النفسية، كما نجحا في تخويف المصريين عبر القبضة الأمنية والقتل والاعتقال وإقامة السجون الجديدة.  

وعلى الرغم من الوعود التي قطعها نظام ما بعد يوليو 2013 على نفسه بتحقيق الرفاهية ورغد العيش للمصريين وتحسين الأحوال المعيشية والدخول وخفض أسعار السلع الرئيسية، وتطوير الخدمات وفي مقدمتها الصحة والتعليم، وإحداث طفرات في القطاعات الإنتاجية والتصدير وأنشطة السياحة والصناعة والزراعة والبنية التحتية والاستثمارات الأجنبية، وخفض الدين العام، إلا أن معظم هذه الوعود تبخرت وتحولت إلى سراب.  

فأحوال المصريين المعيشية تراجعت بشدة بعد 10 سنوات من ثورة 25 يناير لأسباب كثيرة منها القفزات المتواصلة في أسعار السلع الرئيسة والخدمات مثل البنزين والسولار والغاز والكهرباء والمياه والمواصلات العامة، وخفض الدعم الحكومي خاصة المقدم للوقود، وزيادة الضرائب والرسوم، وتعويم الجنيه، وهو ما أدى إلى تدهور قيمته مقابل الدولار وحدوث قفزات في معدل التضخم وتآكل في المدخرات المحلية. 

كما تم إهمال قطاعات مهمة منها الصناعة والإنتاج والزراعة، وإهدار المال العام، وتوجيه ما هو متاح من إيرادات الدولة لمشروعات لا تمثل أولوية لغالبية المواطنين وآخرها مشروع القطار الكهربائي السريع، وقبلها تفريعة قناة السويس البالغة تكلفتها 8 مليارات دولار وتسببت في تهاوي قيمة الجنيه. 

والنتيجة النهائية حدوث زيادات في معدلات الديون والبطالة والفقر وكساد الأسواق والتعثر المالي وغلق آلاف المصانع وتشريد آلاف العمال، والقضاء على الطبقة الوسطى، وتدحرج ملايين المصريين نحو الفقر المدقع، وصعوبة الحصول على سرير في المستشفى أو كرسي في فصل مدرسي.  

الآن، هل ماتت ثورة 25 يناير وتم معها دفن مطالبها؟ وهل رضي المصريون بالواقع الصعب الذي يعيشونه؟  

الإجابة بالطبع لا، فالتغيير حتمي، والأسباب التي دفعت المصريين للخروج يوم 25 يناير 2011 لا تزال مستمرة، بل وتعمقت بالغلاء الفاحش والبطالة والنيوليبرالية الجديدة المتوحشة والفوارق الاجتماعية وعودة الاحتكارات للأنشطة الاقتصادية، واغراق البلاد في الديون الداخلية والخارجية، وصغار السن الذين شاركوا في ثورة يناير باتوا الآن شبابا لديهم إدراك شديد بواقعهم.  

وإذا كانت السلطة الحاكمة قد نجحت في تشويه ثورة يناير والنكاية برموزها وشبابها، لكنها لم تنجح مع كل المصريين الذين خرج الآلاف منهم للتظاهر في سبتمبر 2019 و2020. 

المساهمون