تدور تساؤلات حول المصالح الاستراتيجية التي تجنيها الدول الغربية من مواقفها الداعمة بقوة لإسرائيل في حرب الإبادة ضد قطاع غزة، على الرغم من أن هذه المواقف تتعارض مع مصالحها وجزء كبير من الرأي العام لديها بدليل التظاهرات الحاشدة التي تملأ عواصم غربية منددة بالحرب وداعمة لمواطني غزة.
لماذا هذا التناقض الصارخ بين الحكومات الغربية وبين شعوبها؟ سؤال حير العديد من المراقبين. في هذا الصدد لاحظ تقرير في صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، أن 77 دولة عضوا في الأمم المتحدة تؤيد حق الفلسطينيين في تقرير المصير، بينما لا يوجد عضو واحد في مجموعة السبع يؤيد ذلك. كما يقول إن ستة من أصل تسعة من كبار الشركاء التجاريين لإسرائيل هم أعضاء بمجموعة السبع، كما أن هذه الدول أكبر موردي الأسلحة إلى دولة الاحتلال.
يرى محللون في هذا الصدد، أن مصالح إسرائيل التوسعية تلتقي مع مصالح الدول الغربية في نقاط جوهرية وهي، أولاً الحفاظ على الهيمنة الغربية الحالية على "النظام العالمي" الذي يخدم المصالح المالية والاقتصادية للمؤسسات الغربية، والذي بات مهدداً بسبب الصعود الاقتصادي والتجاري للصين وتقارب بكين ـ موسكو والحرب الأوكرانية التي أرهقت اقتصاديات أوروبا، وتوسع منظومة بريكس التي باتت مظلة جديدة انضمت إليها دول عربية.
وبالتالي فإن لدى كل من تل أبيب والقوى الغربية مصلحة اقتصادية رئيسية في تمزيق المنطقة واستغلال ثرواتها والقضاء على أية مقاومة لخطة السيطرة على القرار العربي وعلى رأسها المقاومة الفلسطينية.
ويتمثل ثاني تلك النقاط في تقويض مبادرة "الحزام والطريق" الصينية التي باتت تهدد المصالح التجارية الغربية في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي أنشأت أميركا مع الهند تحالفاً تجارياً كانت أولى خططه إنشاء الممر التجاري بين الهند ومنطقة الخليج عبر ميناء حيفا في إسرائيل إلى أوروبا. وحسب تقرير نشرته قبل أيام وكالة رويترز، فإن وجود قطاع غزة يهدد هذا الممر.
كما يقول تحليل بصحيفة "إنديان أكسبريس" الهندية نشر أمس الخميس، بعد اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، إن التقدم في الممر التجاري أصبح مهمة انجازه أكثر صعوبة مما كان عليه عندما تم الإعلان الأولي عنه.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد روج لمشروع الشرق الأوسط الجديد في الدورة الأخيرة للأمم المتحدة الذي سيضم توسع إسرائيل الكبرى. وأهم أضلع هذه الإستراتيجية منع عدم الاستقرار في المنطقة العربية، وبالتالي تحويل الفلسطينيين إلى قوى عاملة رخيصة لخدمة أهداف النمو الاقتصادي الإسرائيلي، وتحويل الشعوب العربية كذلك إلى مستهلكين للبضائع الغربية وتسخيرهم كعمال بأجور بخسة لدعم تفوق البضائع والخدمات الإسرائيلية وتنافسيتها في العالم.
ويلاحظ في هذا الصدد، أن الاقتصاد الإسرائيلي يعتمد على النمو الهائل في شركات التقنية والأسلحة، حيث تمثل التقنية نسبة 40% من الناتج المحلي الإجمالي. أما بالنسبة لاقتصادات الدول الغربية، فإنها تتمثل في الاعتماد على تصدير موارد الطاقة ومداخيل هجرة الشباب للعمل في الخارج، خاصة أوروبا التي تعاني من أزمة الشيخوخة التي باتت تثقل كاهل ميزانياتها وتحتاج إلى قوى شابه تدفع الضرائب وتدعم "دولة الرفاه".
أما العامل الثاني والاستراتيجي بالنسبة للقوى الغربية، فهو قطع الطريق أمام الصين التي باتت علاقاتها الاقتصادية تتزايد مع دول المنطقة، خاصة بعد ظهور النفط الصخري في أميركا، وتحول صادرات النفط العربي إلى الصين، وما تبع ذلك من تنامي تجارة الشركات الصينية مع المنطقة وتراجع الصادرات الغربية، خاصة مع دول الخليج العربي.
في هذا الصدد يقول تقرير حديث لمعهد "أتلانتيك كاونسل" الأميركي أعده الخبيران جوزيف ويبستر وجوزي بيلايو، إن الاقتصاد الصيني نما بأكثر من 550 في المائة في الفترة من 2006 إلى 2022. وخلال تلك الفترة، ارتفعت واردات الصين من النفط الخام من 145 مليون طن في عام 2006 إلى أكثر من 508 ملايين طن في عام 2022.
ومن غير المستغرب أن النمو الاقتصادي السريع في الصين والطلب المتزايد على الطاقة دفعاها إلى استيراد المزيد من النفط الخام من دول مجلس التعاون الخليجي.
ومع انخفاض الطلب على واردات النفط الخام الأميركي بسبب زيادة الإنتاج المحلي، أعادت دول الخليج توجيه صادراتها إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك الصين؛ وصدرت دول مجلس التعاون ما يزيد قليلاً عن 210 ملايين طن إلى الصين في عام 2022، أي أكثر من ضعف شحناتها في عام 2014.
وقال المعهد في هذا الشأن، إن السعودية، إلى حد بعيد، أكبر مصدر في المنطقة إلى الصين، قامت بشحن ما يقرب من 88 ملايين طن إلى الصين في عام 2022، وبالتالي فإن مصالح الطاقة العربية مع الصين تتزايد بينما تكاد تكون شبه معدومة مع أميركا ونسبة ضئيلة جداً مع أوروبا.
وتعد منطقة الشرق الأوسط ذات الموقع الاستراتيجي الأهم في العالم للتجارة العالمية والطاقة والموارد الأخرى. وبالتالي فإن وجود إسرائيل ككيان مستعمر سيساهم تلقائياً في دعم الاقتصاديات الغربية، عبر ابتزاز المنطقة اقتصادياً ويمكنها من الهيمنة على الممرات المائية المهمة للتجارة والتي من بينها قناة السويس ومضيق هرمز ومضيق باب المندب وخليج البسفور. وهذه الممرات تعد رئيسية لمرور السفن التجارية بين أوروبا وآسيا.وهذا الهدف يتفق تماماً مع الاستراتيجية الإسرائيلية لبناء إسرائيل الكبرى.
على صعيد محاصرة مشاريع الحزام والطريق، يقول معهد لاوي للدراسات الاستراتيجية في أستراليا، إنه في العقود القليلة الماضية، أدت شراكة الهند المتنامية مع الولايات المتحدة، وتضاؤل قيمة إسلام أباد لمصالح واشنطن بعد الانسحاب من أفغانستان، إلى تغيير المشهد الإقليمي. ووفق تقرير حديث صادر عن المعهد، فإن زيادة الثقة بين الهند والولايات المتحدة تساعد نيودلهي على التخلص من الموانع التاريخية المتعلقة بالارتباط الاستراتيجي مع الخليج. وفي ظل هذا المشهد، نمت علاقات الهند مع منطقة الخليج.
ولاحظ تحليل بصحيفة "ذا غارديان"، أن إسرائيل تدعم عالمياً النظم القمعية في أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، وهي نفس سياسات الدول الغربية الاستعمارية قبل حروب التحرر في أفريقيا.
ويقول التقرير إنه بالنسبة للوضع في أميركا اللاتينية، فقد زودت إسرائيل حكومة غواتيمالا في أميركا الوسطى بالأسلحة خلال الإبادة الجماعية التي ارتكبتها بحق شعب المايا في أواخر السبعينيات، وكانت المورد الرئيسي للأسلحة إلى ديكتاتورية بينوشيه في تشيلي، كما سلحت دكتاتورية سوموزا في نيكاراغوا، ودعمت القمع العسكري في السلفادور والأرجنتين، وزودت الحكومة المكسيكية في حربها ضد تمرد زاباتيستا الأصليين.