يشهد لبنان حدثاً بارزاً يتمثل في "استقبال" شواطئه أول سفينة حبوب تأتي من أوكرانيا بعد عبورها مضيق البوسفور، وعلى متنها نحو 26 ألف طن من الذرة وفق ما أشارت الأمم المتحدة، وذلك بعد فحص شحنتها والموافقة عليها.
ويتصل هذا الحدث بتوقيع وثيقة مبادرة الشحن الآمن للحبوب والمواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية بين تركيا وروسيا وأوكرانيا والأمم المتحدة التي جرت مراسمها في إسطنبول بتاريخ 22 يوليو/تموز الماضي.
ويقول أكثر من مسؤول لبناني إن "تفاصيل هذه الشحنة غير معروفة لديهم، ولا معطيات كثيرة عندهم حول محتوياتها، لكنهم يتمنون أن تكون وجهتها مرفأ طرابلس في لبنان، في ظل الأزمة الغذائية التي تعاني منها البلاد".
ويشير مدير عام الحبوب والشمندر السكري في وزارة الاقتصاد اللبنانية جرجس برباري لـ"العربي الجديد" إلى أن "أي جهة في لبنان لم تعلن أنه سيأتيها شحنة حبوب، ولم يتم إبلاغنا بمحتواها والمصدر الذي تصل إليه"، لافتاً إلى أن "الشحنة قد تكون آيلة للتجار، لا نعرف".
ويضيف برباري: "نترقب دائماً المستجدات على صعيد الأزمة الأوكرانية خصوصاً أننا نأتي بالبضائع عبر مرفأ صغير ويتطلب النقل فترة طويلة أكثر من شهر ونصف الشهر، من هنا فإن بدء خروج سفن من ميناء أوديسا والموانئ الأوكرانية من شأنه أن يخفف الضغط وينسحب بالتالي إيجاباً على عمليات النقل وسرعتها".
من جانبه، يقول مدير مرفأ طرابلس أحمد تامر لـ"العربي الجديد" إن السفينة "رازوني" يفترض أن تصل إلى المرفأ خلال يومين على أبعد تقدير.
ويلفت إلى أنه لم يصلنا أي شيء مرتبط بالسفينة، ونحن نبلَّغ بوصول السفن قبل التاريخ بـ48 ساعة، مشيراً إلى أننا سمعنا كما غيرنا بأن السفينة تحمل شحنة من الذرة والحبوب بنحو 26 ألف طن، وقد غادرت ميناء أوديسا وهي ترفع علم دولة سيراليون، وهي أول سفينة تبحر من أوكرانيا منذ اندلاع الحرب.
ويلفت تامر إلى أن "هناك بواخر كانت ستأتي إلى لبنان بيد أنها احتجزت عند اندلاع الحرب في فبراير/شباط الماضي ومفترض أن تستأنف العملية".
ويقول مصدر في وزارة الاقتصاد لـ"العربي الجديد"، إنّ هذه السفينة تحمل الذرة وغير مرتبطة بوزارة الاقتصاد، ومن يأتي بها هو تاجر خاص، ليست عبارة عن هبة أو شحنة مرتبطة بجهة رسمية.
من جهته، ينظر رئيس نقابة المزارعين في البقاع إبراهيم ترشيشي بإيجابية إلى وصول الباخرة إلى لبنان واستئناف حركة الشحن عامةً التي من شأنها أن تنعكس بتخفيض الأسعار العالمية.
ويقول "لبنان يستورد الأعلاف والقمح والذرة من الخارج، وعملية الشراء لم تتوقف في فترة الحرب، ولكن اختلف المصدر ولم يعد أوكرانيا، والأذى الأكبر كان بارتفاع الأسعار، التي كوت أصحاب المواشي والأبقار، بحيث أن مبيع المنتج لم يعد كافياً ليأتي بكلفة الإنتاج".
ويشير ترشيشي إلى أن الذرة في لبنان تستخدم أكثر للأعلاف التي تعدّ أسعارها مفتوحة عالمياً، وليس لدينا إنتاج ذرة كما يجب، ونحن في هذا الإطار نحتاج إلى دعم من قبل الدولة، لكنها للأسف غائبة، ورأينا ملف الدعم كيف اتجه مساره وآل إلى النهب والسرقة والمحسوبيات وغير ذلك، معتبراً أن هذه الباخرة في حال أنزلت بضائعها في لبنان، حتماً سترتد بانخفاض أسعار الأعلاف ويستفيد من ذلك مربي المواشي وأصحاب مزارع البقر والأغنام وغيرهم.
بدوره، يقول نقيب مزارعي القمح والحبوب في البقاع نجيب فارس لـ"العربي الجديد" إن استئناف عمليات الشحن أمر مهم جداً، لكن في لبنان للأسف كل البضائع التي تصل يهرب الجزء الأكبر منها إلى الخارج، خصوصاً إلى سورية، ويحتكر التجار المواد، في وقتٍ يُحرم اللبنانيون من الاستفادة منها، ويُذلّون على الطوابير.
ويشير إلى أن المشكلة في لبنان أيضاً ألا وجود لسياسة زراعية لاستغلال الوضع الحاصل وسدّ حاجاتنا، فلا دراسات ولا مساعدات من قبل الدولة ولا إرشاد زراعي، حتى على صعيد القمح مثلاً فإن الدولة لا تعطينا البذار الطري للطحين بل القاسي، وتعمد إلى بيع المدعوم للخارج للحصول على الفرش دولار.
على صعيد ثانٍ، قال وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن بعد اجتماع لجنة الأمن الغذائي برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الجمعة إن "هناك اتفاقاً بعد النقاش في اللجنة مع الرئيس ميشال عون وميقاتي على الانطلاق فوراً بشراء القمح من قبل وزارة الاقتصاد، وهذا الأمر إيجابي جداً".
وأضاف: "إننا اليوم أمام رسالة إيجابية للداخل اللبناني ولمزارعي القمح الطري والصلب والشعير تؤكد بأننا سنشتري، وستتحدد الآلية إن شاء الله خلال الساعات المقبلة، وهذا ما أكده وزير الاقتصاد".
ولفت إلى أن موضوع زراعة القمح وتشجيع زراعة القمح وشراء المحصول لهذا العام قد تم، وفي ما خصّ العام المقبل فنحن نعمل لتأمين البذور المؤصلة لمزارعينا وتكبير وتوسيع المساحات المزروعة التي نطمح أن تتجاوز 200 ألف دوام فقط للقمح الطري. هذا الأمر يؤسس لأن يكون هناك استدامة في القطاع الزراعي عموماً، ويخفف من حاجة لبنان الاستراتيجية لاستيراد القمح الذي هو قوتنا اليومي".