لبنان يعوّل على مليون سائح بعائدات 4 مليارات دولار

21 يونيو 2022
يجذب طقس لبنان العديد من السياح (ليزا تايلور/ Getty)
+ الخط -

يعوِّل لبنان على موسم الصيف لينتعش اقتصادياً ويخرج من نفقٍ مظلمٍ عالق فيه منذ أكثر من عامَيْن مستغلاً هذه المرّة الأزمة النقدية التي تجعل منه الأرخص مقارنة مع دولٍ كثيرة بالنسبة إلى حَمَلةِ الدولار. إذ لا يزال لبنان على الرغم من ارتفاعات الأسعار من الدول قليلة الكلفة بالنسبة إلى السياح الذي يحملون الدولار، أما المقيمون الذين يتقاضون الرواتب بالعملة الوطنية فهم محرومون من متعةٍ الترفيه التي ما عادوا قادرين على تحمّل نفقتها.

واعتاد لبنان في فترات استقراره أمنياً واقتصادياً أن يكون وجهة سياحية أساسية عند المغتربين والأجانب والعرب نسبةً إلى طبيعته وفرادة مناخه ومطبخه الشهير ومجمّعاته التجارية والسياحية العصرية وأنشطته الترفيهية، علماً أنه كان يعد من أغلى البلدان في العالم، بيد أن ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء التي باتت المقصد الأول لكل زائر، عربيا كان أم أجنبيا أم مغتربا، بمجرد أن تطأ قدماه بيروت جعل من لبنان مكاناً مناسباً للسياحة، وفق النقابات العاملة في القطاع.

وبات مبلغ مائة دولار يكفي عند صرفه لتناول الطعام في أفخم المطاعم على سبيل المثال بينما كان هذا المبلغ يساوي قبل الأزمة قيمة طبق أساسي واحد. مع العلم أن أسعار لبنان هذا الصيف بالدولار سجلت ارتفاعاً لافتاً مقارنة مع الموسم الماضي ما أدخله من جديد مرمى الانتقادات، ودفع لبنانيين إلى التفكير بوجهات أخرى للسياحة خصوصاً تركيا التي تبقى أرخص من لبنان، كما أن السائح سيشعر بالفرق بين هذا العام والسنة الماضية بعدما أصبحت غالبية السلع والخدمات تسعّر بالدولار وتحتسب وفق سعر الصرف في السوق السوداء، عدا عن الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات.

ويعد لبنان وفق أحدث تقرير صادر عن منظمة الفاو وبرنامج الأغذية العالمي ضمن قائمة البلدان ذات البؤر الساخنة للجوع، كما لا يزال يعاني من أزمات على مستوى الأدوية، والاستشفاء، والطحين والخبز، وانقطاع التيار الكهربائي وغيرها من المشاكل الداخلية.

ومن التدابير الاستثنائية التي لجأ إليها لبنان هذا الموسم وخلال الفترة الممتدة من 2 يونيو/حزيران إلى نهاية شهر سبتمبر/أيلول المقبل، سماح وزارة السياحة اللبنانية وبشكل اختياري للمؤسسات السياحية كافة بإعلان لوائح أسعارها بالدولار الأميركي على أن تصدر الفاتورة النهائية مسعَّرة بالليرة والدولار، مع العلم أن معظم المؤسسات تعتمد هذا الأسلوب منذ العام الماضي من دون أن تنتظر أي تعميم رسمي، بينما يشهد القطاع فوضى من ناحية التسعير.

يتوقع نقيب أصحاب المجمعات السياحية البحرية والأمين العام لاتحاد المؤسسات السياحية في لبنان جان بيروتي في حديثه مع "العربي الجديد" موسم صيفٍ واعدا ومجيء أكثر من مليون وافدٍ ما من شأنه أن يدخلَ إلى القطاع بين 3 و4 مليارات دولار، وذلك تبعاً للحجوزات سواء السفر أو الفنادق وغيرها.

ويتوقف بيروتي عند الانتقادات التي تطاول الكثير من المجمعات التي تضع تسعيرات مرتفعة جداً تفوق تلك التي تعتمد في دول أوروبية وعربية وخليجية بأشواطٍ، معتبراً أن الكلام ليس دقيقاً، وغير مبني على أرقام أو معرفة ملموسة، ومن يرفع من تسعيرته هو غير خاضع للرقابة كبيوت الضيافة على البحر التي لا تملك سوى 10 غرف مثلاً وتريد أن تربح بها، أو بيوت مخصصة للعطلات بأسلوب أجنبي على سبيل المثال.

ويتابع: "لنكن واقعيين، الأسعار بالدولار باتت أقل بكثير من السابق، سواء على صعيد النارجيلة أو الطعام أو حجوزات غرف الفنادق، التي منها ما كانت تبلغ ليلتها 220 دولاراً وأصبحت اليوم بـ100 دولار". ويلفت بيروتي إلى هناك تكاليف زادت بحوالي 32 في المائة على صعيد الطاقة، مشيراً إلى أن لبنان بات أرخص دولة للسياحة مقارنة مع باقي الدول.

ولا ينكر بيروتي أن السياحة اليوم تستقطب أكثر الذين يقبضون بالدولار الأميركي أو المغتربين والوافدين من حملة العملة الخضراء، إذ "لا يمكن لمن يتراوح راتبه بين مليونين أو ثلاثة صراحةً أن يكون زبوناً"، آملاً أن تتحسن الأوضاع وتعود لما كانت عليه بحيث إن ما نحتاج إليه هو الاستقرار المستدام.

ويشير نقيب أصحاب المجمعات السياحية البحرية والأمين العام لاتحاد المؤسسات السياحية في لبنان إلى أنه بجانب اللبنانيين المقيمين في دول عربية وخليجية يأتون كل فترة إلى لبنان، ومن يقصده تلبية لمناسبات اجتماعية وأعراس في هذه الفترة من السنة، هناك أعداد كبيرة يأتون من دول الاغتراب ومن الأجيال الثالثة والرابعة سواء من السويد أو الأرجنتين أو اسبانيا والبرازيل وغيرها، أما من غير اللبنانيين فالحركة لافتة على صعيد العراقيين والمصريين والأردنيين.

ولجهة المشاكل التي يواجهها القطاع السياحي خصوصاً على صعيد الكهرباء، يؤكد بيروتي أن الأزمة حُلَّت ولكن على مستوى كل مؤسسة أما الحلول العامة من قبل الدولة فهي غائبة. من جهته، يقول نائب نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان خالد نزهة لـ"العربي الجديد" إن أعداداً كبيرة من السياح بدأت تصل بالآلاف إلى لبنان، مشيراً إلى أننا "موعودون بأكثر من مليون و200 ألف وافد خلال موسم الصيف بين مغتربين لبنانيين وعرب وأجانب، وهذا أمرٌ مهمٌّ جداً بعد سنتين من الكوارث الاقتصادية والسياسية والصحية والاجتماعية".

ويأمل نزهة أن "يحرك هؤلاء كل القطاعات في مختلف المناطق اللبنانية وبيوت الضيافة في القرى لأننا بحاجة إلى النهوض من جديد خصوصاً المطاعم التي تعد أكبر قطاع مستثمر ويدفع للدولة الضرائب، مع العلم أن القطاع الذي بات منكوباً في لبنان، هو من أكبر مصدّري المطاعم للخارج وينافس الماركات العالمية وهناك هجمة على المقاهي والملاهي والباتيسري اللبنانية في الخارج، الأمر الذي خلق أيضاً فرص عمل للبنانيين خصوصاً أن المطبخ اللبناني يحتاج إلى يد عاملة لبنانية عدا عن المواد والسلع الغذائية التي يؤتى بها من لبنان فتدخل إليه بالتالي الأموال".

ويلفت نزهة إلى أن 75 في المائة من الوافدين إلى لبنان هم من اللبنانيين والبقية من جنسيات عربية وأجانب، مشيراً إلى أن الكلفة التشيغلية كبيرة جداً في لبنان خصوصاً على مستوى الكهرباء والغاز والمازوت، الأمر الذي ينعكس حكماً على الأسعار المعتمدة في المؤسسات السياحية، من دون أن ننسى أن لبنان يأتي بكل مواده وسلعه من الخارج حتى أن صاحب المطعم يضطر إلى شراء المياه سواء للطبخ أو الشرب أو حتى لمكعبات الثلج باعتبار أن مياهنا غير صالحة لهذه الاستخدامات.

ويشير نائب نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري إلى أن المطاعم وأماكن السهر باتت من الكماليات بالنسبة إلى اللبناني الذي بات همّه شراء الدواء والطعام والحاجيات الأساسية، وهناك بين 5 إلى 7 في المائة مرتاحون مادياً يحرّكون القطاع إضافة إلى القادمين من الخارج.

في المقابل، يقول نزهة "صحيح هناك مطاعم تشهد حركة كثيفة ومكتظة رغم الأزمة، لكن هذا المشهد يقتصر على بعض المناطق في بيروت، الجميزة، بدارو، مار مخايل، والمتن والبترون وأعالي فاريا وكفرذبيان وبعض أماكن الجبل في بحمدون وعاليه لكنها معدومة في غالبية مناطق البقاع والجنوب والشمال، عدا أن الكثير من المطاعم لا تزال أبوابها مقفلة نهائياً".

المساهمون