لبنان في مهب الكارثة: أزمات مالية وحرب ونزوح بلا أفق للحل

19 أكتوبر 2024
آثار القصف في منطقة البقاع في لبنان (حسين بيضون)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يواجه لبنان أزمة اقتصادية حادة منذ 2019، تفاقمت بسبب الحرب الإسرائيلية، مع انخفاض العملة الوطنية بأكثر من 90% وارتفاع معدلات الفقر إلى 47%. يعاني القطاع المصرفي من شلل، مما أدى إلى احتجاز ودائع اللبنانيين وزيادة معاناة النازحين.

- تسببت الحرب في أضرار للبنية التحتية والقطاعات الاقتصادية، مع خسائر تتجاوز 15 مليار دولار. تضررت قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة بشكل كبير، مما أدى إلى فقدان مئات الآلاف من الوظائف.

- يعتمد لبنان على الاستيراد لتلبية 90% من احتياجاته، مما يجعل الدولار ضرورياً. تسهم تحويلات المغتربين في سد العجز، لكن الأزمة المستمرة تهدد بانهيار كامل في مختلف القطاعات.

يقول أحمد إبراهيم، وهو من سكان الضاحية الجنوبية لبيروت: "بسبب القصف الإسرائيلي المكثف على المنطقة، اضطررت مع عائلتي إلى مغادرة منزلنا بشكل مفاجئ، حاملين معنا فقط بعض الملابس"، وكان يظن أن الحرب ستكون قصيرة، لكن الوضع ازداد سوءاً، مشيراً إلى أنه لا يملك سوى القليل من المال نقداً، بينما أمواله ومدخراته التي جمعها على مدار سنوات بقيت محتجزة في المصارف اللبنانية ولم يتمكن من سحبها، حيث كان يعوّل على هذه المدخرات التي لو استطاع سحبها لكانت سهلت عملية النزوح عليهم، ويعتبر إبراهيم أنهم تشردوا مرتين الأولى بخسارة أموالهم والثانية جراء الحرب، ويشير إلى أن المصارف أغلقت أبوابها أمامهم في أشد لحظات حاجتهم.

وترتبط تقديرات الخسائر التي ستخلّفها الحرب الإسرائيلية على لبنان بالأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية التي يعاني منها البلد منذ عام 2019. فقد واجه لبنان أزمة مالية وُصفت بأنها من بين الأخطر في العالم، وتشهد عملته الوطنية انحداراً بقيمة تفوق 90%، ويواجه تراكماً مستمراً للتضخم وارتفاعاً بأعداد الفقراء إلى نحو 47% من عدد سكانه، بينما قطاعه المصرفي الذي يحتجز ودائع اللبنانيين يعتبر شبه معطل.

ومنذ بداية الحرب في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ووصولاً إلى توسّع نطاقها في سبتمبر/ أيلول 2024، وقعت الأضرار المباشرة وغير المباشرة تدريجياً بدءاً من الجنوب ووصولاً إلى كل لبنان، لكن لا يوجد حتى اللحظة مسح جغرافي للأضرار، كما لا يمكن إجراء مسح دقيق، لا سيما أن وتيرة الحرب لا تزال تتصاعد، وفقاً للخبراء.

في هذا السياق، تؤكد ليلى الخطيب، وهي أم لثلاثة أطفال، أنها كانت تعيش في قرية بالقرب من الحدود الجنوبية عندما بدأت الطائرات الإسرائيلية تقصف المنازل، فلم يكن أمام عائلتها سوى الفرار باتجاه بيروت، وتقول إنهم تركوا خلفهم كل شيء، منزلهم، أرضهم، وحتى ذكرياتهم.

وتضيف أنهم كانوا يأملون بأن يتمكنوا من الاستعانة بمدخراتهم في المصارف اللبنانية لتغطية احتياجاتهم الأساسية، ولكن بعدما سرقت الدولة أموالهم فهم لا يستطيعون الحصول سوى على قسم لا يكفيهم بعدما خسروا أعمالهم، وتضيف أنها تشعر باليأس، فقد أصبحوا نازحين بلا مأوى ولا مال، يعتمدون على المساعدات في كل شيء بعدما كانوا يعيشون بكرامة.

يقول أحد الصرّافين في بيروت إنّ سوق الدولار مستقر، ولا يوجد عرض كبير للدولار، بل يقتصر التداول على العمليات اليومية، ويشير إلى أن هذا الاستقرار مرتبط بثبات سعر الصرف بـ90 ألف ليرة لبنانية، كما يؤكد أن العدوان الإسرائيلي الأخير ساهم في ثبات سعر الصرف، مع استمرار انخفاض حركة التداول بشكل عام، باستثناء الضرائب التي فرضتها وزارة المالية بالدولار.

لا مضاربات نقدية

حتى اليوم من جهته، يؤكد الخبير المالي عادل عكوش أن وضع مصرف لبنان قبل بداية العدوان الإسرائيلي كان مطمئناً نسبياً. في المقابل، كان لدى المصرف احتياطي من العملات الأجنبية يبلغ 10.8 مليارات دولار، ارتفعت ودائع القطاع العام لتصل إلى 530 ألف مليار ليرة لبنانية، مقارنة بـ100 ألف مليار ليرة فقط قبل الأزمة.

ويشير عكوش إلى أن زيادة احتياطي العملات الصعبة ساعدت على استقرار العملة المحلية، إذ بقيت الكتلة النقدية في الأسواق محدودة، وهو ما قلل فرص المضاربة على الليرة اللبنانية. بفضل هذا الاستقرار، يؤكد أن مصرف لبنان ما زال قادراً، في الحد الأدنى، على الصمود حتى نهاية العام الحالي. ويضيف عكوش أن بعض السلع شهدت زيادات في الأسعار بسبب انتقال الأسواق الاستهلاكية من مناطقها التقليدية، التي كانت تنتشر في الشمال والجنوب والبقاع إلى مناطق أخرى.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويشرح أن الأسعار ارتفعت بنسبة 100% في بعض المناطق، بينما تراوحت في مناطق أخرى بين 10% و50%، مشيراً إلى أنه من الصعب حالياً تحديد حجم الخسائر الناتجة عن العدوان، حيث لم تقتصر الأضرار على المباني، بل شملت أيضاً قطاعات اقتصادية، خدماتية، صناعية، وزراعية. لذلك، فإن المطالبة بأي دعم مالي دولي ليست ممكنة في الوقت الراهن.

تقدير الخسائر

وتشير التقديرات إلى ترجيح ارتفاع كلفة الحرب إلى ما يزيد عن 15 مليار دولار أو ما يفوق نصف الناتج المحلي، فالخسائر طاولت الغالبية الساحقة من القطاعات الاقتصادية المنتجة منها والخدماتية، وثمة خسائر مباشرة وأخرى غير مباشرة، تُضاف إلى الخسائر البشرية الهائلة.

وقد قدّرت بعض المؤسسات الدولية والمحلية الخسائر الزراعية منذ بداية الحرب حتى ما قبل توسّعها بنحو 17 مليون متر مربع من الأراضي الزراعية، كما تضرّرت مواسم الزيتون والتبغ وعموم الزراعات في الجنوب والبقاع ناهيك عن احتراق الآلاف من أشجار الزيتون. كما تشير التقديرات إلى انكماش القطاع الصناعي بما يزيد عن 50%، ما يوقع خسائر بمليارات الدولارات بين الزراعة والصناعة.

في حين أن القطاع السياحي خسر ما يقارب 90% من إيراداته، إضافة إلى الخسائر التي لحقت بسوق العمل والشركات والمصانع ومعها مئات الآلاف من اللبنانيين الذين خسروا وظائفهم، بالإضافة إلى عجز الدولة عن تأمين معيشة النازحين من مراكز للإيواء إلى الغذاء والتعليم والاتصالات والمياه وكافة مقوّمات الصمود.

وفي سياق متصل، يصرح خبير العلاقات الدولية والاقتصاد علي حمود قائلاً إن هناك فجوة واضحة بين طبقة ميسورة وأخرى فقيرة، مشيراً إلى أن الإدارات الرسمية فقط هي التي لا تزال تتعامل بالليرة اللبنانية، وهو ما ساهم في خفض الطلب على الدولار، مع قصر استخدامه في عمليات استيراد المشتقات النفطية والبترولية وغيرها من السلع الأساسية.

كما يوضح أن لبنان يعتمد على الاستيراد للحصول 90% من حاجياته، ما يجعل الحاجة إلى الدولار أساسية في ظل انعدام الإنتاج المحلي وانهيار القطاع المصرفي، والمصارف اللبنانية تعمل حالياً كصالات صيرفة فقط، في حين أن تحويلات المغتربين، التي تقدر بنحو سبعة مليارات دولار، تساهم في سد هذا العجز في السيولة الدولارية.

تنفيذ الإصلاحات

ويتابع حمود: مر لبنان بأزمات متعددة منذ عام 2019، وتفاقمت بسبب احتكار الحاجات والخدمات الأساسية، في ظل تجاوز عدد النازحين المليون شخص، وبعضهم يعمل في وظائف رسمية، مشيرا إلى أن المصرف المركزي سيواجه خيارين: إما طباعة المزيد من العملة، وهو ما قد يؤدي إلى انهيار إضافي، أو السحب من الاحتياطات للحفاظ على استقرار الليرة، وهو خيار محفوف بالمخاطر في حال استمرار الأزمة لفترة طويلة.

ويؤكد أن الحصول على دعم مالي خارجي بعد انتهاء الحرب سيؤدي إلى تعزيز قيمة الليرة اللبنانية، بينما سيؤدي غياب هذا الدعم إلى انهيار كامل في مختلف القطاعات، مؤكدا أن طول أمدها سيزيد تعقيد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ويعتبر أن الدولة اللبنانية تقف اليوم أمام كارثة متعدّدة الأبعاد من أزمة مالية إلى حرب تدميرية ونزوح جماعي وخسائر مالية لا تحصى، ومخاطر إغلاق المنفذ البحري بعد تعطيل نسبي للمنافذ الجوية والبرية، ولا تُدرك اليوم كيفية وتوقيت الخروج من هذه الحرب.

المساهمون