لبنان... شلل سوق السيارات المستعملة بعد العدوان الإسرائيلي

20 ديسمبر 2024
سيارات بجوار مبانٍ تضررت من العدوان في الضاحية الجنوبية لبيروت (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني قطاع السيارات المستعملة في لبنان من أزمة خانقة بسبب العدوان الإسرائيلي وتدهور الاقتصاد منذ 2019، مما أدى إلى شلل شبه كامل في القطاع.
- تعرضت السيارات المستوردة للقصف، مما أدى إلى خسائر تقدر بنحو 60 مليون دولار، وتأثرت المعارض بشكل كبير، حيث عجزت عن دفع رواتب الموظفين.
- يواجه القطاع أزمة وجودية مع تراجع المبيعات بنسبة 95%، وهناك أمل في دعم حكومي لتعويض الخسائر وتحقيق التعافي التدريجي.

 

يعاني قطاع السيارات المستعملة في لبنان من أزمة خانقة، تفاقمت بشكل كبير إثر العدوان الإسرائيلي على البلاد، ما أدى إلى شلل شبه كامل في هذا القطاع الحيوي.

وتأتي هذه الأزمة في ظل تدهور اقتصادي مستمر منذ عام 2019، حيث توقفت حركة المبيعات بشكل شبه تام، وازدادت الأعباء المالية على أصحاب المعارض، بسبب ارتفاع الرسوم الجمركية والكلفة التشغيلية وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وسط غياب أي دعم أو تعويضات حكومية.
هذه الأزمات المتراكمة جعلت القطاع عرضة لانهيار غير مسبوق، حيث تعطلت الأسواق بشكل شبه كامل، وتفاقمت الأعباء المالية على أصحاب المعارض والعاملين فيها، من دون أي تدخّل حكومي للتخفيف من التداعيات. ومع استمرار غياب الدعم، يواجه القطاع مستقبلاً غامضاً، ما يثير تساؤلات حول إمكانية صموده واستعادة عافيته في ظل هذه الظروف الصعبة.

القطاع معطل بالكامل

أفاد رئيس نقابة مستوردي السيارات المستعملة في لبنان، إيلي القزي، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أن قطاع السيارات معطل بالكامل، إذ إنه في حالة الحرب تتوقف السيارات عن الحركة ويتوقف الطلب عليها، خوفاً من شرائها وخسارتها جراء القصف، مشيراً إلى أن السيارات المستوردة تعرضت للقصف في مختلف المناطق اللبنانية، بما في ذلك الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية.
وأضاف القزي أن الخسائر التي لحقت بالسيارات المستعملة المستوردة بلغت نحو 60 مليون دولار، وهذه الأضرار لا تشمل السيارات المتوقفة على الطرقات. كما أوضح أن الأسواق تعطلت تماماً في عدد من المعارض المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية، حيث لا يوجد أي زبائن.

ولفت قزي إلى أنه "في جنوب لبنان، كان هناك نحو 300 معرض تضم تقريباً 10 آلاف سيارة، وقد جرى قصف البعض منها، فيما تمكنا من نقل السيارات الأخرى إلى أماكن آمنة. وفي الضاحية أيضاً تعرضت المعارض للقصف وأيضاً قمنا بنقل بعض السيارات إلى أماكن أخرى بعد أن تكبدنا خسائر هائلة".
وأوضح أن الأضرار لم تقتصر على القصف الإسرائيلي فحسب، بل شملت أيضاً عجز المعارض عن دفع رواتب موظفيها، حيث اضطرت بعض المعارض إلى دفع نصف رواتب العاملين لديها. وأشار إلى أن السيارات المستوردة تفقد قيمتها طالما بقيت معروضة من دون بيع.
ولفت إلى أن تأثير الأزمة طاول القطاعات المرتبطة بعمل السيارات المستوردة، التي توقف نشاطها بسبب توقف عمل المعارض. مؤكداً أن أصحاب المعارض لم يحصلوا على إعفاءات من دفع الإيجارات أو فواتير الكهرباء، مما زاد من صعوبة استمرارهم في العمل، خاصة أن أزمة هذا القطاع بدأت منذ عام 2019، من جراء الأزمة المالية في لبنان وجائحة كورونا وإقفال المصارف وانفجار المرفأ، وكانت كل هذه المحطات صعبة إلى حد كبير.

وقال إن القطاع واصل عمله على الرغم من أن هناك عددا من أصحاب المعارض هاجروا وسافروا وافتتحوا معارض خارج لبنان، ولكن هناك من بقي في البلد وهو يصرّ على المقاومة، وسط غياب كبير لدور الدولة في تقديم أي دعم.
وأشار القزي إلى أن عدد المعارض التي تضررت بالقصف كان محدوداً نسبياً، نظراً لأن أصحابها نقلوا السيارات إلى مناطق أكثر أماناً. وأضاف أن انتخاب رئيس للجمهورية من شأنه أن يساهم في النهوض بالقطاع، لكنه شدد على أن عودة البنوك إلى منح التسهيلات المالية تُعد شرطاً أساسياً لتعافي القطاع بشكل كامل. ولفت إلى أنه في ضوء الخسائر الكبيرة جداً، تبقى الآمال معلقة على تطورات إيجابية تتيح لنا النهوض بالقطاعات الاقتصادية.

خسائر المعارض في لبنان

في سياقٍ متصل، قال صاحب معرض في الجية، جهاد عبد الله، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه أسس شركته قبل 9 سنوات، وأن حجم الخسائر التي تعرّض لها المعرض جراء العدوان الإسرائيلي الأخير تجاوز 400 ألف دولار، موضحاً أن هذه الخسائر شملت السيارات والتجهيزات وقطع الغيار، بالإضافة إلى الأضرار الهيكلية التي لحقت بالمعرض.
وأكد عبد الله أنه رغم هذه الخسائر الكبيرة، لم يقم بصرف أي من العاملين في المعرض، وهم ما زالوا يتقاضون رواتبهم بشكل كامل، مشيراً إلى أن الحفاظ على العمال جزء من التزامه تجاه فريق العمل الذي ساهم في بناء الشركة.
وأضاف عبد الله أنه، رغم الظروف الصعبة، يعتزم إعادة فتح الشركة واستئناف العمل قريباً، على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهه. وأشار إلى أن البداية ستكون صعبة للغاية، في ظل غياب أي شكل من أشكال التعويضات الحكومية أو الدعم من الدولة، مما يزيد من الأعباء المالية ويعقّد جهود التعافي.

وشدد على أن القطاع بأكمله يواجه أزمة وجودية، حيث تركت الحرب آثاراً عميقة على أصحاب المعارض والعمال على حد سواء. وأعرب عن أمله في أن تتحرك الدولة لتقديم الدعم اللازم لهذا القطاع المتضرر، سواء عبر تعويضات مالية أو إعفاءات ضريبية ورسوم، لتخفيف الأعباء عن كاهل أصحاب المعارض وإعادة عجلة الاقتصاد إلى الدوران.

من جانبه، صرح نقيب أصحاب معارض السيارات المستعملة، وليد فرنسيس، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تراجع مبيعات هذا القطاع بنسبة 95% أدى إلى توقف النشاط بشكل كامل منذ بداية العدوان الإسرائيلي على لبنان، وأشار إلى أنه بعد أزمة 2019 الاقتصادية، التي أثرت بشدة على لبنان، بدأ هذا القطاع بالتعافي تدريجياً، ولكن منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حدث شلل لهذا القطاع.

وشبّه فرنسيس هذا القطاع "بالمسبحة"، موضحاً أن الأموال تنتقل من لبنان إلى الولايات المتحدة الأميركية لدفع تكلفة الشحن والجمارك، وصولاً إلى المعارض، حيث تُباع السيارات للزبائن. وأضاف أن العائدات الناتجة عن المبيعات تُعاد مجدداً إلى الولايات المتحدة ضمن دورة متكاملة، مؤكداً أن انخفاض المبيعات أدى إلى انخفاض الاستيراد، حيث توقفت السيارات التي تم تحويل الأموال لاستيرادها، وبعضها لا يزال عالقاً في مرفأ بيروت بسبب عجز أصحابها عن دفع الرسوم الجمركية.
وأشار فرنسيس إلى أن رسوم المرفأ في بيروت تُعتبر من الأعلى في العالم، حيث تصل إلى 350 دولاراً لكل سيارة لمدة ثلاثة أيام. وقال إن ارتفاع سعر صرف الدولار أدى إلى زيادة كبيرة في رسوم الجمارك، ونتيجة لذلك بقيت السيارات في المرفأ لفترات طويلة، فيما تم تحويل بعضها إلى دبي بدلاً من بيروت.
وأكد أن الدولة اللبنانية لم تتعامل بمرونة مع هذه الظروف الصعبة، حيث لم تقدم أي تسهيلات مثل السماح بإخراج السيارات من المرفأ مع تأجيل دفع الرسوم أو الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة. وأوضح أن أصحاب المعارض يتحملون أعباء ثقيلة تشمل 62% رسوما من سعر البيع، و50% رسوما جمركية على السيارات المستعملة، بالإضافة إلى رسوم التسجيل.
وشدد فرنسيس على أن القطاع يعيش حالة مزرية، حيث لا تغطي المبيعات حتى رواتب العمال، وأن عدداً من المعارض أُغلق بالكامل، خاصة في الجنوب والبقاع، فيما تعرضت معارض أخرى لأضرار كبيرة بسبب القصف.

المساهمون