إيجابيات اقتصادية "حذِرة" للبنان من وراء اتفاق ترسيم الحدود البحرية: لا ثقة بالمنظومة

27 أكتوبر 2022
مخاوف من الفساد على ثروات لبنان الكامنة في البحر (فرانس برس)
+ الخط -

تدخل اتفاقية ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان ودولة الاحتلال الإسرائيلي المُصاغة أميركياً حيز التنفيذ الخميس، بعد الموافقة عليها رسمياً من قبل الطرفين وإتمام الإجراءات النهائية اللازمة في الناقورة مقرّ قوة الأمم المتحدة المؤقتة جنوباً.

ويأمل المسؤولون اللبنانيون أن تنعكس هذه الاتفاقية إيجاباً لإنعاش الاقتصاد اللبناني، في وقتٍ تمرّ فيه البلاد بأزمة حادة لم تعرفها في تاريخها وسط تدهور كبير غير مسبوق لقيمة العملة الوطنية، وتراجع حاد في قدرة المواطنين الشرائية، علماً أن قسماً كبيراً من اللبنانيين يخشون من إدارة المنظومة نفسها، المسؤولة عن الانهيار الشامل، ملف النفط، وبالتالي وضع يدها على ثروات لبنان وحرمان الشعب اللبناني منها.

وأمل الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين، بعد جولة قام بها الخميس على المسؤولين اللبنانيين قبيل انتقاله إلى الناقورة، أن يشكل الاتفاق نقطة تحوّل في الاقتصاد اللبناني، سيشعر بها المواطن اللبناني قريباً، مؤكداً أن "الاتفاق يسمح ببدء العمل في حقل قانا، وحق الشعب اللبناني مضمون في بنود الاتفاق".

وشدد هوكشتاين على أن "لا شي في الاتفاق سيعيق العمل من الجانب اللبناني، وسيسمح ببدء الأعمال من قبل شركة توتال للتطوير والاستكشاف، ولا شيء سيأخذ عائدات النفط والغاز من اللبنانيين".

كذلك، لفت هوكشتاين إلى أن "أهم ما في اتفاق الترسيم هو أنه يخدم الفريقين، اللذين يربحان بتطبيقه والمضي قدماً به، ولا مصلحة للطرفين في خرق بنوده، علماً أنه إذا خرق أحدهما الاتفاق فهذا لن يكون لصالحهما، إذ سيخسر الطرفان معاً، من هنا لا خشية لدي من أي خرق والولايات المتحدة ستعمل بكل الأحوال على الجانبين عند الحاجة".

من جهته، أمل رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي أن "يكون ما تحقق خطوة أساسية على طريق الإفادة من ثروات لبنان من الغاز والنفط، بما يساهم في حل الأزمات المالية والاقتصادية التي يمر بها لبنان، ويساعد الدولة اللبنانية على النهوض من جديد".

وتقدمت، الخميس، جمعية الدفاع عن حقوق لبنان البرية والبحرية، التي تضم محامين وخبراء اقتصاديين ونفط وضباط متقاعدين، بشكوى لدى النيابة العامة التمييزية بجرم الخيانة العظمى ضد كل من يظهره التحقيق متنازلاً عن الخط 29 كحدود لبنان البحرية، ومعتمداً الخط 23.

ويقول المحامي جاد طعمة، أحد أعضاء هذه الجمعية، إن "منظومة الفساد والسلطة تقوم بجرم جديد بحق المواطنين، والغريب أن الكل ساكت على الجريمة التي تقترف، بمعنى أن الجميع يتقاسم هذه الجبنة".

ويشير في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أن "السلطة الحاكمة في لبنان لا تؤتمن على دكانة، فكيف بنا نأتمنها على دولة ذات حقوق نفطية".

ويلفت إلى أن "هناك جريمة كبرى ترتكب بحق الثروة الوطنية، وهي باعتماد الخط 23، علماً أن المنطقة الاقتصادية اللبنانية حسب مصلحة الهيدروغرافيا بالجيش اللبناني طلبت اعتماد الخط 29، وهذا الرأي الفني يتقاطع مع عدة وثائق تاريخية موجودة ومع خرائط موقعة بين الجانبين، لبنان والكيان الغاصب، وهذه الوثائق تؤكد أن الخط 29 هو خط المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، بالتالي، هناك تنازل عن حقوق لبنان بحقل كاريش، وداخل الخط 23 يبدو أننا تنازلنا عن حقوقنا بطريقة غير مباشرة".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

على المقلب الآخر، يقول خبير اقتصاديات النفط والغاز فادي جواد، لـ"العربي الجديد"، إن "المطلوب اليوم بعد توقيع الاتفاق النظر إلى الزاوية الإيجابية منه بدخول لبنان الدول المنتجة للنفط والغاز، وذلك بعد مسار طويل من المفاوضات التي مرّ عليها 12 عاماً".

ويلفت جواد إلى أنه "صحيح أن مرحلة الإنتاج والتصدير تتطلب سنوات إلى الامام بين 3 و4 في حال كان النشاط سريعاً، بيد أن حالة انتعاش ستطاول الاقتصاد في لبنان، وتخلق ما يعرف بثلاثة اقتصادات ممكن أن تظهر خلال أسابيع قادمة، بالتزامن مع بدء مهام تحالف الشركات البترولية، الفرنسية توتال، الإيطالية إيني، وقطر بتروليوم التي نالت حصة نوفاتيك الروسية، أي العشرين في المائة، الأمر الذي من شأنه أن يخلق حركة اقتصادية تنعكس بضخ ملايين الدولارات في الدورة الاقتصادية اللبنانية".

ويشرح جواد هذه الاقتصادات الثلاثة بأنه بمجرد توقيع الاتفاقية وبدء الشركات البترولية نشاطها، فإن هناك حركة اقتصادية ستنطلق بالتوازي من شأنها أن تضخ ملايين الدولارات إلى الاقتصاد اللبناني، كما سيستفيد لبنان اقتصادياً من شركات الخدمات التي ستتعاون مع الشركات المشغلة في لبنان، وستفتح مكاتب ومستودعات للمعدات وقطع الغيار والماكينات وغيرها، مع ما ستحتاجه من يد عاملة، الأمر الذي يترجم بضخ أموال يحرك الدورة الاقتصادية، إلى جانب الاقتصاد الثالث وهو الموازي الذي ستخلقه الصناعات النفطية.

ويرى جواد أن الوقت حان للنظر إلى النواحي الإيجابية من الترسيم وقراءته بنظرة تفاؤل إلى المستقبل، لكن في المقابل، إن مردود الاتفاق اقتصادياً يتطلب إدارة لبنانية ناجحة متميزة ذات خبرات متراكمة في مجال النفط، وصندوقا سياديا مستقلا مفصولا عن مصرف لبنان المركزي وأي جهة رسمية سياسية، كي لا يلقى مصير صناديق مثل الجنوب والمهجرين ومجلس الإنماء والإعمار وغيرها التي تضع المنظومة السياسية يدها عليها وتتعاطى معها بأسلوب جرف البلاد نحو الانهيار الراهن. 

من ناحية ثانية مرتبطة بثروة لبنان النفطية في أعماق مياهه الاقتصادية، يلفت جواد إلى أن كل الأرقام التي يجرى التداول بها غير دقيقة وتصبّ في خانة التوقعات، إذ إن الأرقام الحقيقية لحقل قانا، أو غيره من الحقول التي تدخل ضمن النطاق اللبناني البحري، لا تمكن معرفتها إلا عند حفر البلوكات اللبنانية من قبل تحالف الشركات.

ويعتبر خبير اقتصاديات النفط والغاز فادي جواد أن أبرز الموجبات غير المعلنة في الاتفاقية تتمثل في الحفاظ على الأمن والهدوء على طول الحدود البحرية، من أجل توفير المناخ المناسب لعمل الشركات الدولية البترولية، باعتبار أن المستثمر جبان ولا يعمل في مناطق ذات مخاطر أمنية، الأمر الذي يفترض أن ينعكس ايجاباً على الصعيد الأمني لأعوام طويلة قادمة.

في المقابل، يتوقف جواد عند عدم تطرق الاتفاق إلى عملية الإيقاف في البلوك رقم 4 وموعد عودة الحفر به، من هنا كان من الأفضل أن يضع الطرف اللبناني بنداً بأن بقية البلوكات اللبنانية لا تخضع لتأثيرات هذا الاتفاق في حال فشله، على أن تتعهد جميع الأطراف، يتقدمها الأميركي، بألا تعيق بدورها تسهيلات عمل المشغلين في المستقبل.

كما يلفت إلى أنه ثمة نقاط تركت مبهمة في نص الاتفاقية، منها القول إن "الطرفين يتفهمان أنه رهناً ببدء تنفيذ الاتفاقية المالية، أي بين إسرائيل وتوتال، سيقوم مشغل البلوك رقم 9، أي توتال، بتطوير كامل المكمن المحتمل حصرياً لصالح لبنان، واللغط هنا أنه في حال تأخر الوصول إلى اتفاق مالي بين الشركة الفرنسية واسرائيل أو حصل خلاف في المستقبل، فهل سيكون للأخيرة الحق بتجميد العمل في حقل قانا؟".

وعلى صعيد شركات التحالف، أعطى لبنان موافقة "استثنائية" على قرار يقضي بالتنازل عن حصة شركة "توتال" البالغة أربعين في المائة لصالح شركة "DAJA 216" المملوكة من توتال الفرنسية، لإجراء عمليات الاستكشاف في الرقعتين 4 و9. 

وقال مصدرٌ في وزارة الطاقة اللبنانية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الموافقة التي أعطيت بداية هي استثنائية، باعتبار أنّ الحكومة في حالة تصريف أعمال، كذلك إنّ قانون البترول والاتفاقية التي ستوقع يسمحان لصاحب الحق بالتنازل عن حقه البترولي لشركة مؤهلة بعد دراسة ملفها، وهذا التنازل يخضع لموافقة مجلس الوزراء".

وأضاف: "التنازل حصل من شركة توتال إلى شركة داجا، لكن بشكل مؤقت لمدة 3 أشهر فقط، وفي حال لم تؤمن الشركة انتقال حصتها إلى شركة عالمية للقيام بالأنشطة البترولية ذات سمعة جيدة ومؤهلة وغير خاضعة للعقوبات الأميركية، فستعود عندها الملكية للدولة، كذلك الأمر على صعيد تنازل الدولة اللبنانية عن حصتها البالغة 20% التي انتقلت إليها عقب انسحاب شركة نوفاتيك الروسية بفعل العقوبات الأميركية عليها، وذلك إلى شركة جديدة".

ولفت المصدر إلى أنّ "الدولة اللبنانية لا يمكنها أن تكلّف شركة لبنانية القيام بعمليات التنقيب، وهذا شرط من الشروط الواردة في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية وفق الصيغة الأميركية، والأمر نفسه ينطبق على الجانب الإسرائيلي، من هنا نقلت الدولة اللبنانية أسهمها إلى شركة غير لبنانية، وهي قطرية، وسيعلن عن حصتها في وقتٍ لاحق، وهذا التحالف إلى جانب شركة إيني الإيطالية مرتقب ألا يتأخر في مباشرة أنشطته عند دخول الاتفاق حيز التنفيذ".

المساهمون