لبنان أمام امتحان محاسبة رياض سلامة: سيناريوهات صعبة

18 مايو 2023
تضييق الخناق على رياض سلامة (فرانس برس)
+ الخط -

يخوض لبنان امتحاناً كبيراً في مسار المساءلة والإصلاح المراقب دولياً من قبل الجهات المانحة التي ترفض تقديم أي دعم مالي لمؤسسات الدولة قبل تنفيذ السلطات الخطط الإنقاذية، وتلوّح بفرض عقوبات مباشرة على المسؤولين اللبنانيين رداً على تقاعسهم في انتشال البلاد من الانهيار.
وتتجه الأنظار إلى طريقة تعاطي الدولة اللبنانية مع مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة من قبل القاضية الفرنسية أود بوروسي، بعد تخلفه أول من أمس الثلاثاء، عن حضور جلسة التحقيق في باريس، بتهم احتيال وغسل أموال، وما إذا كانت ستواصل سياسة الإفلات من العقاب التي تنتهجها على مرّ عقودٍ من الزمن.

وعلم "العربي الجديد" من مصادر مطلعة، أن "هناك حركة سياسية مكثفة من قبل كبار المسؤولين اللبنانيين للتشاور حول طريقة التعاطي مع المذكرة الصادرة بحق سلامة، والإجراءات التي قد تتخذ بحقه، بحيث إن حماية سلامة لم تعد ممكنة بعد القرار الدولي، والذي له تبعات مالية ومصرفية على لبنان، من هنا البحث إما بإقالته بعد دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد قريباً، أو التشاور معه في إمكانية تقديم استقالته، علماً أن هناك خلافات حول الشخص الذي سيخلفه مؤقتاً عند انتهاء ولايته في تموز/يوليو المقبل، إلى حين انتخاب رئيس جديد للبلاد".

ويترافق ذلك أيضاً مع خروج دعوات من قبل بعض النواب لاستقالة سلامة من منصبه أو اقالته لما لبقائه على رأس الحاكمية (محافظ البنك المركزي) من مخاطر كبيرة على البلاد، نقدياً واقتصادياً، وفي تعاملاته مع المصارف الأجنبية، والجهات الدولية المانحة.

وأصدرت القاضية الفرنسية أود بوروسي أول من أمس، مذكرة توقيف دولية بحق سلامة، بعد تخلفه عن المثول أمامها، فكان ردّه عليها سريعاً، بإعلان طعنه بالقرار، باعتبار أنه يشكل خرقاً لأبسط القوانين، متوقفاً عند تجاوزات ارتكبتها القاضية الفرنسية، على صعيد المهل القانونية وسرية التحقيقات وغيرها من الاتهامات التي ألقاها عليها.

وكان وكلاء سلامة القانونيون، تقدموا أيضاً بدفوع شكلية أمام النيابة العامة التمييزية لتعليق التعاون مع التحقيقات الأوروبية، والاكتفاء بالتحقيق المحلي، وذلك في وقتٍ تتهم السلطة القضائية في لبنان بأنها ملوّنة سياسياً، وتحمي أركان المنظومة، وتعرقل العدالة، وكان آخر مشاهد ذلك، فشل الأجهزة اللبنانية في تبليغ سلامة مرات عدّة بالجلسة الباريسية، وهو ما تذرع به لعدم الحضور.

من الناحية القانونية التقنية والإجرائية، تقول الباحثة في القوانين المصرفية والمالية سابين الكك لـ"العربي الجديد"، إن "الدولة اللبنانية ستتبلغ مذكرة التوقيف الدولية والطلب من الإنتربول بعد أن يكون القضاء الفرنسي عمّم المذكرة بحق سلامة على الإنتربول الدولي لتطبق على جميع الحدود والمعابر، وتبليغها بالتالي إلى السلطات الدولية، ما سيعطل حكماً حركته في التنقل عبر المطارات والدول".

وترى الكك أن "الدولة اللبنانية ستتمسّك بالمبدأ المنصوص عليه في قانون العقوبات في لبنان، لناحية أن الحكومة اللبنانية لا تنفذ طلبات الاسترداد إذا كان الملاحق أو المطلوب من رعاياها، أو لديها صلاحية إقليمية على الجُرم المُرتكَب، وبالتالي، عملياً، سيُحال طلب الاسترداد إليها، ولكن الدولة اللبنانية ستطبق قاعدة عدم تسليم رعاياها".

في المقابل، تقول الكك "تذرّع أو تمسّك الدولة اللبنانية بهذا المبدأ القانوني لعدم تسليمه، لا يعني ألا تتخذ إجراءات داخلية وطنية سيادية بحقه، وأن يبقى الملاحقون أو المطلوبون فارون من وجه العدالة لمجرد أنهم لبنانيون ويعيشون في بلدهم، فهل ستتعاطى الدولة اللبنانية مع مذكرة التوقيف على محمل الجدّ الوطني والسيادي وتعتبر أن استمراره بالحاكمية وعدم ملاحقته بطريقة جدية أمام القضاء اللبناني وإفساح المجال للقضاة المحليين بالذهاب بإجراءاتهم القضائية للنهاية، أمرٌ يسيء إلى الدولة اللبنانية؟ هنا السؤال".

لذلك، تقول الكك، "يجب التمييز بين نقطتين، الأولى التي ترتبط، بذريعة الدولة بعدم تسليم سلامة كمواطن لبناني إلى الدولة الفرنسية، (علماً أنه يملك الجنسية الفرنسية أيضاً، لكن جنسية الولادة هي اللبنانية)، والثانية، طريقة تعاطي الدولة اللبنانية مع المذكرة، سواء لناحية ترك القضاة يعملون باستقلالية بالملف، والمظهر الذي ستظهر به أمام صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي ككل، فهل ستظهر أنها دولة فعلاً على طريق الإصلاح والمحاسبة والمساءلة أم أنها لا تزال تغطي الملاحقين وتتواطأ معهم؟".

وترى الكك أن نظام لبنان المالي أصبح اليوم وأكثر من أي وقتٍ مضى بخطر، وسمعة البلد باتت على المحكّ.

وتلفت الكك إلى أن صلاحية إقالة سلامة من منصبه تعود إلى مجلس الوزراء، مشددة على أنه لا يمكن التذرع بحالة الحكومة كتصريف الأعمال لعدم اتخاذ هذه الخطوة.

من جهته، يحذر الاقتصادي روي بدارو، من خطورة الإبقاء على حاكم البنك المركزي رياض سلامة في منصبه حتى انتهاء ولايته في يوليو/تموز المقبل، وتقاعس مجلس الوزراء عن أداء دوره، في إقالته أو الطلب منه تقديم استقالته، لما لاستمرار سلامة في مهامه بعد إصدار مذكرة التوقيف الدولية بحقه، من تداعيات كبيرة على نظام لبنان المصرفي والمالي، وتعاطي الجهات الدولية المانحة معه.

ويلفت بدارو في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أنه لا حلّ ثالثا أمام لبنان، فإما على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أن يطلب من سلامة الاستقالة فوراً، أو يقيله مجلس الوزراء، فالمنظومة السياسية لم يعدّ بإمكانها تغطيته أو الاختباء خلف إصبعها، مشيراً إلى أن خطوة الثانية تكون، باستلام وسيم منصوري، نائب حاكم البنك المركزي الأول، مكانه مؤقتاً لحين انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

ويشدد بدارو على أنه في حال لم يسلك لبنان هذه المسارات فإن العواقب ستكون وخيمة جداً على الشعب اللبناني وعلى النظام المصرفي ككلّ.

كذلك، يتوقف بدارو عند "عواقب بقاء سلامة في منصبه، وتقاعس لبنان عن محاسبته ومساءلته، وارتداد ذلك على علاقاته مع الجهات الدولية المانحة، على رأسها صندوق النقد والبنك الدوليان، فهل سيستمرّ هؤلاء في التعاطي مع حاكم مصرف لبنان بعدما أصبح سلامة متهماً دولياً بشكل رسمي؟".

المساهمون