يؤكد المعنيون في القطاع السياحي في لبنان أن "موسم أعياد الميلاد ورأس السنة انتهى قبل أن يبدأ"، وأن خسائر القطاع الحيوي للاقتصاد اللبناني تقدّر بعشرات ملايين الدولارات في ظلّ المناوشات النارية على الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة، بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي المستمرّة منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بالتزامن مع بدء عملية "طوفان الأقصى".
ووُضع لبنان على قائمة البلدان الساخنة والخطرة أمنياً، في ظل تهديدات الاحتلال، ما رفع منسوب تحذيرات الدول، عربية وأجنبية، لمواطنيها من السفر إليه خلال هذه الفترة، ولحين عودة الاستقرار بشكل نهائي إلى أراضيه، علماً أنّ المؤشرات والتحليلات السياسية تشي بطول المعركة، مع احتمال توسع رقعتها لبنانياً.
موت سريري
يقول صاحب أحد المطاعم في منطقة جونيه، شمال بيروت، لـ"العربي الجديد"، إن "القطاع السياحي يعيش اليوم حالة موتٍ سريريٍّ ربطاً بالوضع الأمني الراهن، وذلك بعد صيف مزدهر، سجّل أرباحاً تخطت الستّة مليارات دولار، علماً أن التعويل كان كبيراً على موسم الأعياد كما السياحة الشتوية التي تشتهر في لبنان، وتسجّل بدورها أرقاماً ربحية عالية، إذ تستقطب البلاد في هذه الفترة سياحاً سواء مغتربين لبنانيين أو عربا أو حتى بعض الجنسيات الأجنبية، نظراً لطبيعتها الخلابة، وطقسها المميز، والرياضات الشتوية التي تشتهر بها على رأسها التزلج".
ويشير إلى أن "مطعمه كان يغصّ في فترة الصيف بالروّاد والزوّار، خصوصاً من مغتربين لبنانيين يعملون في قطر والإمارات والسعودية وسياح عرب، ولا سيما من العراق ومصر والأردن، وكلهم كانوا يدفعون بالعملة الصعبة، وهو حال غالبية المطاعم والمقاهي والملاهي التي انتعشت في السنتين الماضيتين، بعد الضربة الكبيرة التي أصابتها إبان الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالبلاد أواخر عام 2019، الأمر الذي ارتد حتماً إيجاباً على اقتصاد البلد ككلّ، كما كان يعوّل على الإقبال نفسه في فترة العيد وموسم الشتاء، وتلقى وعوداً بذلك من هؤلاء الروّاد".
ويلفت صاحب المطعم، الذي فضل عدم ذكر اسمه، إلى أنه "حتى الساعة لم يقرّر برامج الأعياد، وخصوصاً عيدي الميلاد ورأس السنة، علماً أنه بهذه الفترة من الشهر، يكون الجدول منتهياً ومُعداً وجاهزاً للإعلان عنه لتبدأ الحجوزات بوقتٍ مبكرٍ، إذ إن الترقب سيّد المشهد اليوم، ولا سيما أن المخاوف لا تزال قائمة من احتمال اندلاع حرب على مستوى لبنان، الأمر الذي يعرقل ويفرمل كل المشاريع التي يُمكن التفكير بها، مع الإشارة إلى أنه حتى لو بقيت الاشتباكات في الإطار الحدودي، من دون توسع رقعتها، فإن الوضع لن يكون أفضل، في ظلّ التحذيرات من السفر إلى لبنان، وخشية العديد من اللبنانيين المغتربين من المجيء إلى هنا فيحصل تطور أمني مفاجئ يحول دون سفرهم إلى أماكن إقامتهم، ورأينا أصلاً كيف علقت وألغيت الكثير من تذاكر السفر بمجرد اندلاع المعركة".
كذلك، يقول إن "مطعمه الآن يُشغَل بنسبة 50% خصوصاً في عطلة الأسبوع، ولكن كل الزبائن هم من اللبنانيين المقيمين، وبدأ يسجل خسائر كبيرة، نظراً للتكاليف التي يتكبّدها والتي أصبحت تفوق الأرباح بنسبة كبيرة، الأمر الذي قد يدفعه بحال بقي الوضع على حاله، يتدهور دراماتيكياً، إلى تسريح بعض العمّال".
موسم الأعياد انتهى
في الإطار، يشير رئيس اتحاد النقابات السياحية في لبنان ورئيس نقابة الفنادق، بيار الأشقر، لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "يمكن القول إن موسم الأعياد انتهى في لبنان، علماً أن التعويل كان كبيراً على موسمي الخريف والشتاء، لكن كل شيء تبخّر الآن، في ظلّ الحرب على غزة والتصعيد الأمني على الحدود اللبنانية الجنوبية، والتحذيرات التي أطلقتها العديد من الدول لعدم سفر مواطنيها إلى لبنان ومغادرة أراضيه فوراً".
ويلفت إلى أن "الخسائر تقدّر بعشرات ملايين الدولارات، والمؤسسات بدأت تصرف من أرباح الصيف، لكن لا يمكن إعطاء رقم دقيق حولها، باعتبار أن ذلك لن يظهر إلا بعد فترة زمنية، ولحين تقديم المؤسسات السياحية موازناتها إلى وزارة المالية، التي من خلالها ممكن أخذ عينات والاستناد إليها لتحديد الخسائر".
وحول الواقع اليوم، يقول الأشقر، إن "العديد من الحجوزات تم إلغاؤها، سواء من جانب الأفراد أو رجال الأعمال أو المؤتمرات أو المعارض وكذلك على صعيد المغتربين اللبنانيين"، مشيراً إلى أنه حسب رأيه ومتابعته واتصالات قام بها، هناك الكثير من المغتربين كانوا يفكرون في المجيء إلى لبنان، وتراجعوا عن هذه الخطوة في ظلّ الأوضاع الأمنية والمخاوف من تفاقمها".
تهاوي الحجوزات
ويضيف الأشقر أنه في أوقات الحروب، فإن الدمار يلحق بالحجر والبشر والاقتصاد أيضاً، ونحن نعيش في منطقة ملتهبة، ما ارتدّ سريعاً على لبنان، وقد ظهر ذلك من خلال إلغاء الحجوزات، علماً أن مؤسسات سياحية عدة كانت تسجل حجوزات عالية ولفترة تتخطى ما بعد رأس السنة، أما اليوم، فإن الوضع صعبٌ جداً، فلا يمكن التفكير في تنظيم حفلات أو التعاقد مع فنانين، حتى إن الظرف غير مناسب معنوياً ونفسياً، في ظلّ ما يحصل في غزة ولبنان من دمار وشهداء لبنانيين وفلسطينيين، انطلاقاً من هذا كلّه، وخبرتي الطويلة في هذا المجال، يمكن القول إن عيدي الميلاد ورأس السنة، "راحا منّا".
وحول نسب التشغيل، يقول الأشقر إنّ "قبل الحرب، كانت تصل في فنادق داخل بيروت إلى 25% على الأقل، و50% على الأكثر، أما اليوم، فهناك فنادق نسبتها 0%، وبالحد الأقصى 7%".
وفي وقتٍ يلفت فيه الأشقر إلى أن هناك مؤسسات أقفلت بعض فروعها خصوصاً خارج بيروت، في ظلّ المصاريف الباهظة التي يتكبّدها أصحابها من مازوت وطاقة ومياه شرب ورواتب موظفين وعمال ومصاريف تشغيلية، يؤكد أنه في حال انتهت المواجهات على الحدود الجنوبية اليوم، فإن القطاع السياحي لن يعاود نشاطه قبل 3 إلى 4 أشهر، أقلّه، وذلك حتى تعديل الدول إجراءاتها وسحب تحذيراتها إلى مواطنيها، والتسويق للبلد من جديد لإعادة الثقة إلى الناس وتشجيعهم على المجيء إلى لبنان.