يساهم استمرار ارتفاع التضخم والأسعار في أوروبا في تغيير عادات الناس وطرق استهلاكهم، وبدأت تنشأ على مواقع التواصل الاجتماعي الاسكندنافية مجموعات مغلقة، بحثاً عن تبادل معلومات عن كيفية الحصول على غذاء أقل سعراً، وتتيح المجموعات طلب مساعدات مباشرة، دون تعريض السائل للحرج.
وتدفع الأمور أيضاً بالحكومات، على وقع سجال ومطالب سياسية-حزبية وإعلامية، إلى التدخل من أجل تخليص المواطنين من براثن ارتفاع الأسعار، خصوصاً مع توقعات استمرار تصاعدها مع تواصل الحرب في أوكرانيا، وتزايد اتهامات سياسية وإعلامية لموسكو باستخدام الغذاء، خصوصاً الحبوب، سلاحاً للضغط على الدول وعلى الشعوب لتغيير نظرتها للغزو المتواصل منذ 24 فبراير/شباط الماضي.
يحاول "العربي الجديد" تقديم لمحة عن طرق مواجهة بعض الحكومات الأوروبية التحديات التي تثقل كاهل مواطنيها:
في نظرة عامة على أكثر الأسعار ارتفاعاً في عموم دول الاتحاد الأوروبي الـ27، بالإضافة إلى بريطانيا والنرويج غير العضوين، يتبين، بحسب متابعات "العربي الجديد" لأبرز المواقع الرسمية، أن المواد الغذائية ليست في مقدمة ما يُرهق جيوب وموازنات الأسر الأوروبية، بل فواتير الغاز والكهرباء والوقود.
وارتفعت أسعار الغاز في المتوسط ليس أقل من 100 في المائة، وفي بعض دول الشمال الأوروبي بنسبة 125 في المائة، كحالتي الدنمارك والسويد. الزيادة تلك تجرّ معها زيادات في أسعار أخرى كثيرة، حتى لو لم تكن أغلبية المنازل تعتمد على الغاز الطبيعي.
في المرتبة الثانية، تأتي فاتورة الكهرباء، التي زادت بنسبة لا تقل عن 50 إلى 60 في المائة، بحسب البلد، وذلك بالطبع يؤثر على فئات اجتماعية كثيرة، وبينهم المتقاعدون، حيث تلتهم زيادة فاتورة الكهرباء نسبة لا بأس بها من موازنتهم.
في المرتبة الثالثة، تأتي زيادة أسعار البنزين والديزل، وفي المتوسط تتراوح بين 40 و50 في المائة، رغم تدخل بعض الحكومات لخفضها، كالسويد وألمانيا.
في المرتبة الرابعة تأتي المواد الغذائية بشتى أصنافها، من البيض والزيوت والحليب ومشتقات القمح إلى الآيس كريم، وبنسبة تبلغ في المتوسط 25 في المائة، بينما بعض زيوت الطهي تضاعف سعرها في الأسابيع الأخيرة.
وبالإضافة إلى ما تقدم، فإن الارتفاع في أسعار الفائدة بات أيضاً ضاغطاً على ملّاك المنازل، حيث ينصح المختصون بإعادة جدولة القروض، بل يذهب بعضهم إلى تحذير الأفراد المدينين للبنوك بضرورة التنبه إلى أن أسعار الفائدة ستضرّ بهم إذا لم يعيدوا التفاوض وجدولة الديون.
حجم الإنفاق على الأسر
وتولي بعض الحكومات في غرب وشمال أوروبا أهمية للفئات المصنفة ضمن الأكثر حاجة. وبالتالي فإن كبار السن من بين فئات أخرى كثيرة، يعتبرون في دول الرفاهية الإسكندنافية في مقدمة من تهرع الحكومات لدعمهم، وذلك ناجم بالأساس لاعتبارات ثقافية ترى أن المتقاعدين شاركوا في بناء تلك الرفاهية، وبالتالي جعلهم يعيشون وضعا جيدا يعتبر تصرفا مشجعا للبقية في المجتمع للاستمرار في العطاء حتى سن التقاعد.
وفي كوبنهاغن على سبيل المثال قررت الحكومة منحهم والأسر المحتاجة "صك تدفئة" بنحو 6 آلاف كرونه، يُصرف بعد العطلة الصيفية.
في السويد وألمانيا، اختارت الحكومة دعم المواطنين عن طريق تخفيض أسعار وقود السيارات، من خلال تخفيض الضرائب عليه. هذا بالإضافة إلى خفض أسعار المواصلات العامة.
وذهبت دول أخرى، مثل هولندا وفرنسا والبرتغال والنمسا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا ولوكسمبورغ وليتوانيا وبلغاريا واليونان إلى تخفيض الضريبة على وقود السيارات، ودعم شركات متعثرة وإجراءات انتشال الأسر الأكثر ضعفا من الوقوع ضحايا ضغط التضخم والأسعار، من بين خطوات كثيرة.
وتجاوزت دول أخرى "دول الرفاهية الاسكندنافية" في الدعم المباشر لمواطنيها، من خلال دفع إعانات مالية، وهو ما جعل ألمانيا في مقدمة الدول التي تساعد مواطنيها على تخطي الأزمة، ثم في المرتبة الثانية فرنسا وليتوانيا وأيرلندا، لناحية الدعم المالي لكل الأسر.
ما يلفت في الإجراءات الأوروبية أن بلدا مثل إسبانيا يحتل المرتبة الأولى لناحية صرف خزينة الدولة على مواطنيها، رغم أزمات البلد الاقتصادية خلال الأعوام الماضية.
وآخذين بفارق الاقتصادات وأحجامها، حلت فرنسا ثانيا، ثم إيطاليا فألمانيا، وهكذا بالتدرج إلى أن نصل إلى الدنمارك المتأخرة كثيرا عن بقية دول الاتحاد الأوروبي.