كيف أصبحت الصين أكبر محصل للديون في العالم؟

23 نوفمبر 2023
الصين تتوسع في الإقراض الاستراتيجي (Getty)
+ الخط -

ينظر العالم إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تدعم وتبني ما يقارب 21 ألف مشروع للبنية التحتية حول العالم، على أنها محور السياسة الخارجية للرئيس الصيني شي جين بينغ، خاصة مع ما واكبها من تقديم الصين مليارات الدولارات من القروض للعديد من الدول النامية والناشئة في مختلف أنحاء العالم.

وعادة ما تجرى مقارنة تلك المبادرة بخطة مارشال الأميركية لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث قدمت بكين أكثر من 1.3 تريليون دولار من القروض، على مدى العقد الماضي، لتمويل بناء الجسور والموانئ والطرق السريعة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، بحسب تقرير حديث نقلته "دويتشه فيله".

وستساعد مبادرة الحزام والطريق في استعادة طرق التجارة القديمة بين الصين وبقية العالم، ومن هنا جاء اسم "طريق الحرير الجديد"، وهو ما يثير استياء واشنطن وبروكسل في أغلب الأحيان.

ويقول المنتقدون إن مبادرة الحزام والطريق أثقلت كاهل الدول النامية بديون لا تمكن السيطرة عليها، وتركت بصمة كربونية هائلة، في وقت كان يفترض أن تحظى فيه حماية البيئة بالأولوية.

وأشار آخرون إلى أن استراتيجية الصين، المتمثلة في منح العقود لشركاتها التي تديرها الدولة لبناء مشاريع البنية التحتية، تؤدي غالبا إلى تكاليف بناء مبهمة، تكافح البلدان في وقت لاحق من أجل إعادة التفاوض بشأنها. ويحين هذه الأيام موعد سداد فاتورة ما تم إنجازه خلال السنوات الماضية في العديد من البلدان الفقيرة.

وتشير التقديرات إلى أن 80% من الإقراض الذي تقدمه الصين في العالم النامي يذهب إلى البلدان التي تعاني من ضائقة مالية. وقدرت مؤسسة الأبحاث AIDDATA، ومقرها الولايات المتحدة، في تقرير صدر الشهر الجاري، إجمالي الديون المستحقة للصين، باستثناء الفوائد، بنحو 1.1 تريليون دولار على الأقل.

وفي حين أن التقرير لا يعطي رقمًا محددًا لهذه القروض، إلا أنه يشير إلى أن الأقساط المتأخرة في السداد آخذة في الارتفاع. وأشار كاتبو التقرير أيضًا إلى أن 1693 مشروعًا من مشروعات مبادرة الحزام والطريق معرضة للخطر، وأن 94 مشروعًا إما جرى إلغاؤها أو تعليقها.

وقدرت منظمة AIDDATA أن أكثر من نصف قروض مبادرة الحزام والطريق دخلت الآن فترة السداد الرئيسية، في وقت ارتفعت فيه أسعار الفائدة العالمية بشكل حاد، ما زاد من أعباء الدول المدينة.

ووجد مؤلفو التقرير الذي نقلته الوكالة الألمانية أن الصين قامت، في بعض الحالات، بمضاعفة سعر الفائدة كعقوبة على التأخر في السداد من 3% إلى 8.7%.

وعندما بدأت الصين لأول مرة في تقديم القروض للدول النامية في مطلع القرن العشرين، كان أقل من خمس المشاريع مضمونة بأصول، مقارنة بما يقرب من الثلثين اليوم.

ووجد تقرير للبنك الدولي في وقت سابق من هذا العام أن بكين اضطرت بالفعل في بعض الأحيان لتقديم المليارات من قروض الإنقاذ لدول مبادرة الحزام والطريق.

وتتبنى الصين الآن استراتيجية جديدة للتخلص من أخطار موجة القروض المتعثرة، والتي تشمل قروض الإنقاذ التي تساعد في دعم الموارد المالية للحكومات والبنوك المركزية في كثير من الأحيان، حسب ما وجدت AIDDATA.

ماذا تفعل الولايات المتحدة وأوروبا للتنافس مع الصين؟

ووجدت مؤسسة AIDDATA أن الصين تقدم حوالي 80 مليار دولار سنويا من القروض للبلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، بينما لا يتجاوز ما تقدمه الولايات المتحدة من قروض تنموية مبلغ 60 مليار دولار. وتأتي أغلب القروض الأميركية من خلال تمويل مشاريع القطاع الخاص من قبل مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية (DFC).

ومن أبرز أمثلة المشروعات الممولة من أميركا البناء المخطط لمحطة حاويات الشحن في المياه العميقة في ميناء كولومبو في سريلانكا، بتكلفة نصف مليار دولار، والذي جرى الإعلان عنه في وقت سابق من هذا الشهر. 

وتكافح الدولة الجزيرة الواقعة في المحيط الهندي للتعافي من أزمة مالية واقتصادية حادة، ويرى محللو دويتشه فيله أن التزامات القروض الحالية لمبادرة الحزام والطريق الصينية أعاقت الجهود المبذولة لحل مشاكلها المالية، حيث أقرضت بكين أموالا لبناء ميناء هامبانتوتا، على الساحل الجنوبي الشرقي لسريلانكا، إلى جانب مطار ومدينة على الأراضي المستصلحة. ولم يكن أي من تلك المشروعات مربحاً بما يكفي لسداد القروض.

وقبل عامين، أطلقت الدول الغربية مبادرة إعادة بناء عالم أفضل، أو مبادرة B3W، وهي محاولة أخرى من جانب الولايات المتحدة وحلفائها لموازنة مبادرة الحزام والطريق. وفي الشهر الماضي فقط، عقدت القمة الأولى لبرنامجها الخاص، والذي يُنظر إليه أيضًا على أنه بديل لمبادرة الحزام والطريق، وتأمل الدول الأوروبية أن يساعد هذا البرنامج في الحفاظ على نفوذ أوروبا، وخاصة في جنوب المعمورة.

وخلال المحادثات، جرى التوقيع مع الحكومات في مختلف أنحاء أوروبا وآسيا وأفريقيا على اتفاقيات، يقدم من خلالها الاتحاد الأوروبي دعمًا يصل إلى 300 مليار يورو، بهدف مساعدة المبادرات المتعلقة بالمواد الخام الحيوية، والطاقة المتجددة، وطرق النقل.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين إن المبادرة ستمنح الدول النامية "خيارًا أفضل" لتمويل مشروعات البنية التحتية. ورغم أنها لم تخص مبادرة الحزام والطريق في الصين بالانتقاد، إلا إنها أشارت إلى أن خيارات التمويل الأخرى تأتي غالبا "بثمن باهظ".

ووجدت AIDDATA أنه في حين أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد لا يكونون قادرين على منافسة بكين في تقديم التمويلات بصورة مستمرة، ربما بسبب الوعود المبالغ فيها منهم، فقد أنفقت مجموعة السبع بالفعل أكثر من الصين في عام 2021 بنحو 84 مليار دولار.

وفي تقريرها، حذرت AIDDATA الولايات المتحدة وحلفاءها من محاولة التنافس مع مبادرة الحزام والطريق الصينية، مع انتقال بكين من مشاريع البناء واسعة النطاق إلى تحصيل الديون.

ومع ذلك، قال كاتبو التقرير إن فشل العديد من مشاريع مبادرة الحزام والطريق يوفر فرصة لدفع البلدان المتضررة، مثل سريلانكا، للعودة إلى فلك الغرب.

المساهمون