كوارث المناخ تُغرق اقتصاد جنوب السودان: شبح الجوع

28 نوفمبر 2022
فيضانات مدمّرة أدت إلى تخريب مساحات زراعية شاسعة (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

تواجه دولة جنوب السودان تداعيات التغير المناخي والاحتباس الحراري القوية، حيث بات نحو ملايين الأشخاص مهددين بالجوع بسبب الفيضانات التي بدأت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ودمّرت معظم المحاصيل الزراعية.
وقالت المسؤولة في برنامج الأغذية العالمي، إيشيتا سومرا، مؤخراً، إن التمويل الحالي المخصص لجنوب السودان ليس كافياً لمواجهة المجتمعات المعرّضة للخطر، مضيفة أن تلك المجتمعات لا تملك أية موارد لحماية نفسها من التطرف المناخي الذي تشهده البلاد مؤخراً.
ويرى برنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة أن نحو مليون شخص تأثروا بالفيضانات العنيفة وغير المسبوقة جنوب السودان، بعد أسابيع من الأمطار الغزيرة التي حطمت كمياتها الأرقام القياسية المسجلة.
وأشارت سومرا إلى أن المناخ المتطرف عامل أساسي في الجوع، وطالبت بمساعدات طويلة الأمد لمكافحة هذا الأمر في جنوب السودان.
ويقول برنامج الأغذية العالمي إن نحو ثلثي سكان الدولة الإفريقية، أي ما يعادل 7.7 ملايين شخص، مهددون بانعدام الأمن الغذائي خلال الفصل المقبل، حيث يؤزم النزاع المسلح، إضافة إلى العوامل المناخية، الأوضاع.
وعلى الرغم من حدوث تحسّن هامشي في الأمن الغذائي في بعض أجزاء من البلاد، فإن أزمة التغذية في جميع أنحاء جنوب السودان تزداد عمقاً. وتظهر جميع الولايات، باستثناء ولاية واحدة، تدهوراً في الحالة الغذائية متواصلاً حتى يونيو/ حزيران 2023، من بينها 44 ولاية يعتبر الوضع فيها حرجاً.

موارد اقتصادية مهدرة
يقول مراقبون لـ"العربي الجديد" إن اقتصاد جنوب السودان يعد من الاقتصادات المنهارة، لأنه اعتمد على النفط بصورة أساسية وغيب الموارد والأنشطة الأخرى، إذ توقفت الزراعة بسبب عدم الاستقرار وكوارث المناخ.
وأصبحت الدولة الوليدة قبل سنوات قليلة تستجلب أبسط احتياجات الحياة من السودان والدول المجاورة، إضافة إلى انتشار التهريب للذهب وسن الفيل، بسبب غياب الرقابة والفساد الذي حرم الدولة من عائدات مالية ضخمة، الأمر الذي جعلها غير قادرة على حماية نفسها في مواجهة تداعيات التغييرات المناخية.

وفي هذا السياق، يرى المختص في الشأن السوداني إبراهيم ياسين في حديثه "العربي الجديد" أن دولة جنوب السودان ظلت تعتمد على السودان، بعد انفصالها، في أكثر من 70 سلعة، من بينها سلع غذائية.
وأضاف أن الكوارث المناخية مثل الفيضانات، بالإضافة إلى الأزمات العالمية، مثل الحرب الروسية في أوكرانيا، كشفت عن عدم كفاية الموارد الاقتصادية الحالية لمواجهتها.
وتابع ياسين أن دولتي جنوب السودان والسودان تفتقدان إلى استثمارات زراعية وصناعية تكفي احتياجات السودان، موضحا أنه إذا حدثت فجوة كبيرة في دولة الجنوب، فإن ذلك ينعكس على دولة السودان، عبر اللجوء عبر الحدود المفتوحة والتهريب، وهذا بالتأكيد سيزيد من أعباء السودان المأزوم أساساً.

الاعتماد على الإيرادات النفطية
تشير تقديرات رسمية إلى أن عدد سكان دولة جنوب السودان تجاوز 10 ملايين نسمة، ولا يتجاوز نصيب الفرد دولاراً واحداً في ظل ارتفاع التضخم إلى معدلات قياسية.
وجنوب السودان من أكثر البلدان اعتمادا على العائدات النفطية في العالم، بحسب مراقبين. لكن اقتصاده تراجع في السنوات الأخيرة مع انخفاض أسعار الذهب الأسود، وتأثير الحرب على الإنتاج النفطي، إذ إن جزءاً كبيراً من البنى التحتية تضرر.
تمتلك الدولة الوليدة مساحات كبيرة من الأراضي الخصبة، وأيضاً مناطق شاسعة للاستزراع السمكي، يمكنها تغطية كل احتياجات السكان هناك وتحقيق فائض للتصدير، وهذه الموارد تأثرت كثيراً بالفيضانات والتغييرات المناخية.
وتتميز أراضي جنوب السودان بالتنوع، إذ تشكل المراعي 40% والأراضي الزراعية 30% والغابات الطبيعية 23% والمسطحات المائية 7% من مجموع مساحة الدولة، حسب تقارير رسمية.
وقبل الانفصال عن السودان في 2011، كان الإنتاج النفطي لدولة الجنوب يبلغ 350 ألف برميل يومياً، حسبما تفيد أرقام البنك الدولي. لكن هذا الإنتاج تراجع إلى 125 ألف برميل يومياً، وفق التقديرات الأخيرة لحكومة جنوب السودان.

70% تحت خط الفقر
ويعيش نحو 70 بالمئة من السكان في فقر مدقع، كما يقول البنك الدولي، وذلك لأن النزاع ألحق ضرراً كبيراً بالزراعة، وتسبب بأزمة غذائية واسعة.
وحسب الأمم المتحدة، كان 5.3 ملايين شخص، أي حوالي نصف سكان جنوب السودان، في يناير/ كانون الثاني من عام 2018 يعانون من جوع حاد، وهذا الرقم ارتفع بنسبة كبيرة على مدى السنوات التالية.

وقال ممثل اليونيسف بالإنابة في جنوب السودان، جيسبر مولر، إنه على مدار السنوات الثلاثة الماضية أدت الفيضانات إلى تضرر عدد متزايد من السكان بشكل بالغ في جميع أنحاء جنوب السودان. وأضاف أنه من بين المتضررين، نجد عدداً متزايداً من الأطفال الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، وهو أمر لا يمكن للمجتمع الدولي تجاهله.
ويتوقع أن يواجه نحو 7.76 ملايين شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد خلال موسم الجفاف من إبريل/ نيسان إلى يوليو/ تموز 2023. ومن بينهم 2.9 مليون شخص يعيشون على وشك الموت جوعاً و43000 آخرين من المتوقع أن يعيشوا في مستوى الكارثة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، كما يتوقع أن يعيش غالبية سكان 47 ولاية في حالة الطوارئ خلال موسم الجفاف المتوقع في عام 2023، حسب تقارير الأمم المتحدة.

اللجوء لصندوق النقد
يقول الخبير الاستراتيجي بدولة جنوب السودان استفن لول إن اقتصاد جنوب السودان يعتمد على النفط فقط، على الرغم من وجود موارد مائية وزراعية وحيوانية ومقومات بشرية وأعداد كبيرة من الحرفيين.
وقال إن العلاج لمواجهة تداعيات المناخ وتأثيرات الأزمات العالمية يتطلب برنامجاً عملياً لإقناع صندوق النقد والبنك الدوليين لدعم الدولة، مع استخدام سياسة التقشف بطريقة صحيحة، وتقليل دفوعات المؤسسات الحكومية، مع سحب الامتيازات الضخمة لبعض الوزراء والوزرات حتى تحصل الدولة على قروض تدعمها في عملية التنمية.

خلل البنية الاقتصادية
تقول الخبيرة في شؤون جنوب السودان إنصاف العوض لـ"العربي الجديد" إن المواطن الجنوبي يحصل على كل احتياجاته الأساسية من السودان، بدءا بملح الطعام وانتهاء بحديد التسليح. ولكن أيضاً ترى أن الأمر مهدد وعرضة لجملة من المخاطر، أهمها الوسطاء، والمهربون، والهجوم من قبل المليشيات المتمردة.

يقول الخبير الاستراتيجي بدولة جنوب السودان استفن لول إن اقتصاد جنوب السودان يعتمد على النفط فقط


ومن جانبه، قال الخبير بشؤون دولة جنوب السودان زكريا نمر لـ"العربي الجديد" إن المستغَل من الموارد الاقتصادية في جنوب السودان 30 بالمائة فقط، وهناك آبار لم تستغل بسبب الحرب، كما أن الدولة لم تفكر في مشروع بناء متكامل، رغم أن البلاد تزخر بالمعادن والماشية، مشيراً إلى عدم وجود خطة زراعية واستغلال أمثل للمياه.
وتابع أن مشكلة الاقتصاد بدولة الجنوب ناتجة عن خلل بالبنية الاقتصادية، في ظل عدم وجود تشريعات كافية أو نظام محدد، وبالتالي لا تستطيع مواجهة الكوارث والأزمات، وآخرها الفيضانات الجارفة التي أصابت البلاد.
ويقول المتخصص في الشأن الجنوبي جيمس كوال لـ"العربي الجديد" إن كلا الدولتين (جنوب السودان والسودان) من الدول الهشة التي لا تتميز بإنتاج الحبوب رغم وفرة الموارد "الأراضي والمياه"، وبالتالي من الطبيعي أن تتعرّض لمثل هذه الفجوات الغذائية.

المساهمون