كلمات هادئة في ملف قناة السويس الشائك

31 يوليو 2015
قناة السويس مِلك كلّ المصريين وليست ملكاً لأحد(فرانس برس)
+ الخط -

عندما نناقش قضية بالغة الأهمية والحساسية في حجم قناة السويس، فلا بد أن يكون النقاش هادئاً ومتزناً وعقلانياً، وأن نبتعد في هذه الحالة عن تشنجات السياسة والخلافات المعروفة بين المصريين والمبالغات في الأرقام من كل الأطراف، لأنها لا تصب في النهاية في مصلحة النقاش الموضوعي، ولن تفيد أحداً يريد أن يفهم حقيقة ما يجري، سواء بالنسبة لمشروعات القناة من توسعات وأعمال حفر، أو غيرها من المشروعات التي تم الإعلان عنها.

دعونا بداية نتفق على بعض الأمور التي أرى أنها تمثل نقاط التقاء ولا يجوز الخلاف حولها على الأقل من الناحية الاقتصادية:

- تعد قناة السويس ملكاً لكل المصريين وليست ملكاً لأحد سواء كان حاكماً أو حكومة أو حزباً سياسياً، ولذا فإن من حق كل مصري أن يسأل ويستفسر عن مصير إيرادات القناة ودخلها وأوجه إنفاقها لأنها أمواله.

- قناة السويس هي واحدة من 5 موارد رئيسية مدرّة للنقد الأجنبي في مصر، وهذه الموارد ضرورية ومن المستحيل الاستغناء عنها، فبدون هذه الموارد لا تستطيع الوفاء الايفاء بالتزاماتها الخارجية، لأن الدولة توجه حصيلة هذه الموارد لسداد فاتورة واردات خارجية تفوق 60 مليار دولار سنوياً، أو سداد الديون الخارجية المستحقة على البلاد والبالغة، حالياً، نحو 45.5 مليار دولار.

والموارد الخمسة هي: الصادرات البالغ إيراداتها نحو 24 مليار دولار في العام الماضي 2014، وتحويلات المصريين العاملين في الخارج 18 مليار دولار، والسياحة 7.3 مليارات دولار، والاستثمارات الأجنبية التي تتراوح ايراداتها ما بين 3 -4 مليارات دولار، ودخل قناة السويس 5.6 مليارات دولار.

- صحيح أن القناة ليست أبرز الموارد الخمسة الأعلى من حيث إيرادات النقد الأجنبي، بل تعد أقلها قيمة، وتأتي في المرتبة الرابعة، وأحيانا الخامسة والأخيرة، ولكنها مثلت سنداً للاقتصاد المصري في سنوات عصيبة، خصوصاً تلك السنوات التي شهدت تراجعاً في إيرادات السياحة في ذروة موجة الحوادث الإرهابية في تسعينيات القرن الماضي، أو تراجع التحويلات الخارجية بسبب ظروف خاصة بالعمالة المصرية في الخارج خاصة في ليبيا والعراق، أو انهياراً في الاستثمارات الخارجية، كما حدث عقب ثورة 25 يناير.

- لا يجوز أن تقودنا الخلافات السياسية إلى الحديث عن قناة السويس بمنطق السخرية والتقليل من شأنها، وأنها ترعة وحمام سباحة، فهذا كلام ساذج لا يرقى إلى النقاش أو الالتفات إليه من الناحية الاقتصادية، فالقناة تعد أحد أهم المجاري البحرية، بل وأهم ممر بحري في العالم، حيث يمر عبرها ما بين‏ %8 إلى 12% من حجم التجارة العالمية، التي تقدر بنحو 22 تريليون دولار‏، أي أنه يمر، من خلال القناة، بضائع وسلع تقدر قيمتها بنحو 2.6 تريليون دولار، أي 2600 مليار دولار.

- إن أيّ توسعات في القناة من تنمية ضفتيها خصوصاً الشرقية، وحفر وتعميق القناة نفسها، يمثل إضافة للاقتصاد المصري، خصوصاً على مستوى زيادة النقد الأجنبي وخلق فرص العمل وزيادة العمران.

- إن قناة السويس عبارة عن سلعة، وهذه السلعة ضرورية وتمثل رئة حركة التجارة العالمية، وبالتالي لا نتوقع يوماً ما أن يتم الاستغناء عن هذه السلعة، أو أن تتوقف حركة الملاحة بها، أو أن تمر تجارة العالم عبر وسائل أخرى، منها النقل الجوي بالغ التكلفة، أو عن طريق رأس الرجاء الصالح البعيد والمكلف أو غيرها من المحيطات كالهادي والأطلنطي.

إذا كانت قناة السويس بهذه الأهمية القصوى، فلماذا التحفظ على المشروع الحالي الذي تم من خلاله حفر ممر مائي فرعي طوله 37 كم، وتوسعة وتعميق 35 كم أخرى، وهو المشروع المقرر افتتاحه يوم 6 أغسطس القادم.

اقرأ أيضاً: قناة السويس لن تحقق أحلام الثراء

هناك أسباب عدة تدفع إلى التحفظ على تنفيذ مشروع توسعة قناة السويس بشكله الحالي، وفي هذا التوقيت بالذات منها:

- التكلفة الضخمة التي يتحملها الاقتصاد الضعيف جراء تنفيذ المشروع والبالغة أكثر من 102 مليار جنيه ( 13.07 مليار دولار) مقابل العائد المتوقع منه، فقد تم جمع 64 مليار جنيه من المواطنين بسعر فائدة مرتفع يبلغ 12% سنوياً، وإذا ما أضفنا الأموال التي تم جمعها ( 64 مليار جنيه)، والعائد على هذه الأموال (%12 سنوياً في 5 سنوات هي مدة القرض، وبما يعادل 38.4 مليار جنيه)، هنا يصبح المجموع الكلي أمامنا 102.4 مليار جنيه حصيلة 64 + 38.4 مليار، وهذا المبلغ سيتم ردّه من خزانة الدولة، وكلنا نعرف أوضاع الموازنة العامة المتردية التي بلغ العجز بها نحو 270 مليار جنيه في العام المالي الأخير رغم خفض الدعم.

والمبلغ الضخم الذي يمثل تكلفة إجمالية للقناة والذي يزيد عن المائة مليار جنيه كان من الممكن توجيهه إلى أنشطة أخرى ملحة، كالمشروعات الصغيرة التي يمكن أن توفر فرص عمل لملايين الشباب، كما كان من الممكن توجيهه إلى أنشطة تتعلق بتيسير الحياة المعيشية للمواطنين، وتقديم خدمات ضرورية لهم مثل الصحة والتعليم والإسكان وغيرها.

دعنا هنا من التصريحات التى خرج علينا بها بعضهم، والتي تقول، إن إيرادات قناة السويس سترتفع إلى 100 مليار دولار، وفي روايات أخرى 200 مليار دولار، مع افتتاح مشروع قناة السويس الجديد، فإيرادات القناة الحالية تبلغ نحو 5.6 مليارات دولار، وقد تتضاعف خلال 8 سنوات، حسب تقديرات رسمية أيضاً، أما أن تصل إلى 100 مليار دولار أو حتي 50 مليار دولار، فهو الوهم بعينه، وحتى لو وصلت إلى 13 ملياراً، حسب تقديرات في العام 2023، فإنها لن تغطي التكلفة الإجمالية للمشروع الحالي.

• ليس من المقبول إقامة مشروع بهذا الحجم وبتكلفة تفوق 100 مليار جنيه بلا دراسات جدوى تحدد بدقة التكلفة الاستثمارية والعائد المتوقع ومستقبل التجارة العالمية، وما إذا كانت هناك توقعات بانتعاشها خلال السنوات المقبلة أم لا.

• اختزال المشروع من تنمية شاملة لضفتي القناة وإقامة مشروعات في مجالات الصناعة والنقل واللوجستيات، والطاقة، والسياحة، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والزراعة والعقارات، إلى مجرد حفر وتعميق 72 كم، يقلل أهميته، أفهم أن يكون المشروع الحالي مقدمة لمشروع أكبر هو تنمية قناة السويس بالكامل، بالطبع لا يمكن تقليل المجهود الذي تم تحقيقه في تنفيذ المشروع بصورته الحالية، ولكن لنسم الأمور بأسمائها دون مبالغة أو نفخ.

• التوقيت: فهو غير مناسب لأنه لا توجد قفزة في التجارة الدولية تؤكد زيادة الإقبال على القناة والمرور بها، وبالتالي زيادة إيراداتها، وإذا كان لدي البعض دراسات تقول عكس ذلك فليقدمها لنا حتي نفهم، وفي هذه الحالة نصحح مواقفنا.

• الأسلوب الفج والمبالغ فيه في الدعاية للمشروع، والذي تم تصويره على أنه "قناة سويس جديدة " وممر موازٍ للمر الحالي، وهذا غير صحيح، لأن طول القناة في حدود 200 كيلومتر، أما عمليات الحفر والتعميق فتبلغ 72 كيلومتراً، والدعاية التي تتم هذه الأيام لا تختلف عن الدعاية التي تمت لمشروع العاصمة الجديدة والمليون وحدة سكنية وجهاز الكفتة وغيره من المشروعات القومية التي لم تر أغلبها النور حتى اللحظة.

كما أن أسلوب الدعاية، للمشروع الجديد بقناة السويس، لا يختلف كثيراً عن الأسلوب الفج الذي تم استخدامه في الحديث عن نتائج مؤتمر شرم الشيخ، والذي قالت الحكومة ساعتها إنه حقق نجاحاً باهراً، حيث جذب استثمارات قاربت 300 مليار دولار، وانتظر المصريون تدفق المليارات عليهم إلا أنها لم تأت حتى الآن.

• خلال فترة حكم رؤساء مصر السابقين، عبد الناصر والسادات ومبارك، تم حفر 6 تفريعات يزيد طولها عن التفريعة الحالية المقرر افتتاحها يوم 6 أغسطس الجاري، ولم يواكب افتتاح هذه التفريعات اقامة احتفالات ضخمة ودعوة رؤساء دول لحفل الافتتاح، ولمن يريد معلومات وافية عن هذه التفريعة فليرجع لما هو منشور علي موقعي هيئة قناة السويس والهيئة العامة للاستعلامات التابعة لرئاسة الجمهورية، والذي يقول إن طول التفريعات التي تم تنفيذها بقناة السويس منذ العام 1952 يبلغ 80.5 كم (طبقاً للترقيم الكيلومترى لشمندورات البداية والنهاية بكل تفريعة)، والتفريعات الستة هي :

1- تفريعة بورسعيد بطول 40.1 كم وتم حفرها عام 1980 (ازداد طولها عدة مرات)

2- تفريعة البلاح بطول 8.9 كم وتم حفرها عام 1955

 3- تفريعة التمساح بطول 4.3 كم وتم حفرها عام 1980

 4- تفريعة الدفرسوار بطول 8.4 كم وتم حفرها عام 1980

 5- تفريعة البحيرات بطول 11.8 كم وتم حفرها عام 1955

6- تفريعة كبريت بطول 7.0 كم وتم حفرها عام 1955

كلمة أخيرة أردت أن انهي بها هذا المقال، وهي أن مشروع توسعة وتعميق قناة السويس المقرر افتتاحه يوم الخميس القادم، لا يمكن أن نقول عنه انه مشروعاً وهمياً من الناحية الاقتصادية، ومن الظلم أن نساويه بمشروعات أخري لم ترى النور مثل المليون وحدة سكنية وجهاز الكفتة والعاصمة الجديدة، فالمشروع سيفيد الاقتصاد المصري، ولكن ليس بالمبالغة التي حدثنا بها البعض.

اقرأ أيضاً: مليارات قناة السويس الوهمية

المساهمون