كبح الأسعار في مصر وتنصّل الحكومة

20 ديسمبر 2022
تلقي الحكومة بكامل الأزمة على التجار الجشعين الذين "لا يراعون الله" (فرانس برس)
+ الخط -

تحاول الحكومة المصرية بكلّ الطرق النأي بنفسها عن الأزمة الحادة التي تواجه الأسواق حالياً والناتجة عن القفزات غير المسبوقة في أسعار السلع واختفاء بعض البضائع الرئيسية بما فيها الأجهزة الكهربائية والأدوات المنزلية.

فمرة ترجع الأزمة إلى حرب أوكرانيا التي تسببت، من وجهة نظرها، في حدوث موجة تضخمية عالمية امتدت لسلع استراتيجية مثل السكر أو الحبوب كالقمح والذرة وغيرها، وكأنّ الحرب تقع على بعد كيلومترات من الحدود المصرية، أو أنّ أوكرانيا تمد الأسواق المصرية بكلّ احتياجاتها من السلع الأساسية، صحيح أنّها تمدها بحصة مهمة من واردات القمح، لكن لا تمدها بكلّ السلع الرئيسية.

كما أنّ أسعار السلع الأولية والمواد الخام والقمح المستورد تراجعت خلال الأسابيع الماضية في أسواق العالم عقب معاودة أوكرانيا تصدير الحبوب.

تتعدد المبررات التي تقدمها الحكومة لأسباب قفزات الأسعار ما بين حرب أوكرانيا والموجة التضخمية العالمية وجشع التجار

ومرة تلقي الحكومة بكامل الأزمة على التجار الجشعين الذين "لا يراعون الله" في هذا الشعب المسكين ويكسبون أرباحاً ضخمة على حساب جثث الفقراء والمعدمين كما تروج على نطاق واسع، وكأنّ الحكومة ضعيفة لا تمتلك من الأدوات والقوانين والقبضة الحديدية ما يكبح الممارسات الاحتكارية في الأسواق ويعاقب هؤلاء التجار الذين يتلاعبون بالأسعار أو يخزنون السلع ويحجبونها عن الأسواق.

ومرة ثالثة تتجاهل الحكومة الحديث عن حقائق ومؤشرات فعلية منها تراجع أسعار السلع الرئيسية في الأسواق العالمية، ومنها السلع الغذائية والقمح الذي تراجع لأدنى مستوى في 3 أشهر، وكذا تراجع أسعار منتجات الطاقة مثل النفط والغاز الطبيعي وهو ما انعكس على أسعار المشتقات البترولية من بنزين وسولار وغاز، وبالتالي فإن هذا التراجع يجب أن ينعكس على الأسواق المحلية، وهو ما لم يحدث.

ببساطة، الحكومة تحدثت في كلّ شيء في أزمة السلع ما عدا الأسباب الحقيقية للارتفاعات الحالية للأسعار وفي مقدمتها السفه في الاقتراض الخارجي، وقفزة سعر الدولار الذي ارتفع بنحو 60% منذ شهر مارس الماضي، وهو ما تسبب في حدوث قفزة في الأسعار، إذ إنّ مصر تستورد أكثر من 65% من احتياجات الأسواق من الخارج.

أيضاً انتعاش السوق السوداء للعملة، وتوقف البنوك عن فتح الاعتمادات المستندية، والبطء في الإفراج عن بضائع محتجزة لدى الجمارك تبلغ قيمتها نحو 6 مليارات دولار، وزيادة مدخلات الإنتاج من طاقة ورسوم وضرائب، ورفع سعر الفائدة على القروض، كلّ هذه أسباب موضوعية لأزمة قفزات الأسعار الحالية التي تحاول الحكومة التنصل منها.

ولذا تجد معالجتها للأزمة بدائية وبطيئة، فمرة تلقي الكرة في ملعب التجار والمستوردين، وتعلن عن تشكيل لجان لا فائدة لها مثل اللجنة العليا لتحديد "السعر العادل" للسلع الاستراتيجية، وهذه اللجنة تسعى إلى إلزام منافذ البيع بإعلان أسعار واضحة لجميع السلع، ومراجعة الأسعار شهرياً وتحديدها، وفقاً للتغيرات في تكاليف الإنتاج صعوداً وهبوطاً كما أعلنت الحكومة هذا الأسبوع.

الحكومة تحدثت في كلّ شيء في أزمة السلع ما عدا الأسباب الحقيقية للارتفاعات الحالية للأسعار ومنها قفزة الدولار الذي ارتفع بنحو 60% منذ مارس

وعندما يتهم بعضهم الحكومة بالعودة إلى نظام التسعيرة الجبرية تسارع بالنفي، وتعلن أنّ اللجنة سيقتصر دورها على المرور على الأسواق لتوعية التجار بضرورة الإعلان عن الأسعار على السلع. وكأنها لجنة من وزارة الأوقاف وليست لجنة ذات صلاحيات قانونية وتمتلك الحق في توقيع العقوبة على المخالفين.

ومرة ترسل الحكومة برسائل طمأنة للأسواق والمواطن من دون أن يكون هناك من المؤشرات الواقعية ما يدعم تلك الرسائل، مثلاً يعلن وزير التموين على مصيلحي قبل أيام أن المخزون الاستراتيجي لكلٍّ من القمح والسكر والذرة والزيت والأرز، يكفي لمدة من 4 إلى 6 أشهر، وأنّ المتوفر من اللحوم الطازجة والدواجن، يكفي لمدة عام كامل.

موقف
التحديثات الحية

والسؤال هنا، إذا كان المخزون الاستراتيجي للسلع والأمن الغذائي كذلك، فما سبب الأزمة العنيفة التي تمر بها أسواق السلع من الأصل، ألا تعاني الأسواق من ندرة في السلع المعروضة، وبالتالي تقفز أسعارها يوماً بعد يوم، بل إنّ بعض السلع اختفت أصلاً من الأسواق والمحال التجارية؟

احتواء أزمة الأسواق وقفزات الأسعار يبدأ من القضاء على السوق السوداء للعملة وتعدد أسواق الصرف، وإزالة القيود على حركة الواردات، وفتح البنوك الاعتمادات المستندية المعلقة لصالح المستوردين، وحل أزمة السلع المكدسة في الموانئ، والضرب بيد من حديد على المحتكرين.

احتواء أزمة الأسواق وقفزات الأسعار يبدأ من القضاء على السوق السوداء للعملة وتعدد أسواق الصرف، وإزالة القيود على الواردات

كما أن الأمر يتطلب زيادة المعروض من السلع في الأسواق، وهذه كلها مهام رئيسية للحكومة وليس التجار أو المستهلك المغلوب على أمره والذي قاطع الأسواق بسبب تهاوي قدرته الشرائية، وهذا الأمر ستكون له انعكاسات خطيرة على المصانع والقطاعات الإنتاجية كافة.