بدأت الصين حملة واسعة ضد العملات المشفّرة، حيث فرضت قيودا جديدة عليها. وحظرت بكين على البنوك والمؤسسات المالية وشركات المدفوعات وتحويل الأموال تقديم الخدمات المتعلقة بمعاملات العملة المشفرة.
كما حذرت الصين المستثمرين، يوم 19 مايو/ أيار الجاري، من المضاربة على تلك العملات. وفي مقال نال اهتماماً واسعاً، ونشر في مجلة فورتشن (Fortune)، يوم 21/5/2021، تشرح الكاتبة إيزابيلا ويبر Isabella Weber الأسباب وراء قيام الصين بتلك الحملة على المواقع الخاصة التي تتعامل بهذه العملات الرقمية. وقد أدّت الحملة إلى تراجع قيمة "بيتكوين"، العملة الأشهر، من حوالي 47.000 دولار إلى أقل من 36.000 دولار، يوم الاثنين الماضي، 24 مايو.
وتعود أسباب الهبوط إلى أسباب عدة، منها مثلا أن الصين غير راغبةٍ على الإطلاق في إبقاء أسواقها تحت حالة من التقلب الشديد، خصوصا المؤشّرات المالية، مثل أسعار صرف العملات، والذهب، والعملات المشفرة، وحتى أسعار الفائدة.
وفي ضوء نتائج المؤتمر السنوي للحزب الشيوعي الصيني أخيرا، فإن الصين تتجه نحو إعادة هيكلة اقتصادها، للتركيز على الاعتماد الذاتي، وتحريك الاستهلاك المحلي، وتقليل الاعتماد على التجارة الخارجية.
وهذا البرنامج الاستثماري الاقتصادي يتطلب استقراراً في المؤشّرات المالية والسعرية، والتي لا تتناسب مع التقلبات الكبيرة التي تشهدها أسواق العملات المشفرة.
كما تتجه الصين لإصدار عملتها المشفرة الخاصة التي تحمل اسم اليوان الرقمي. وحسب مجلة "ذا ناشونال إنترست" (The National Interest) الأميركية، فإن الصين تخطط لتقديم عملتها "اليوان الرقمي" للعالم في شباط/ فبراير المقبل، خلال الألعاب الأولمبية الشتوية.
ولا يرى المخطّطون الاقتصاديون في الصين في العملة إلا وظيفتين، وحدة قياس ووسيلة تبادل. أما تسليع العملة والمتاجرة بها فيتناقض مع المبدأ الأساسي الذي ينص على أن العملة تخدم الاقتصاد، وليس العكس.
يتوقع محللون، أن يأخذ سوق "بيتكوين" دورة تستمر أربع سنوات، يراوح السعر فيها حول نفسه هبوطاً وصعوداً.
ونظرا للتقلب الهائل في أسعار بيتكوين، فإنهم يرون في ذلك مضيعةً للجهود، وبعثرة للمال للحفاظ على استقرار العملات المشفرة. والأهم من هذا أن الصين لا تثق بالعملات المشفّرة عامة، وفي بيتكوين تحديداً، لأنها ليست منظمةً بقوانين وتشريعاتٍ متفق عليها، وهي عملة افتراضية، لا رقيب عليها ولا حسيب، هذا السلوك الجامح لا يعجب مهندسي السياسات المالية والنقدية في الصين.
وبسبب تحوّل هذه العملة إلى حالة مقامرة، يقبل عليها الصينيون المحبّون للمقامرة، فهنالك خشية من "الفقاعة" الماثلة في هذه التقلبات بأسعارها، ما قد يكبد الاقتصاد الصيني الكثير من ملايين الدولارات.
وكذلك، كثرة قصص النصب والاحتيال، كما حصل مع إيلون ماسك، الملياردير الأميركي والرئيس التنفيذي لشركة تيسلا، أكبر شركة لإنتاج السيارات الكهربائية حول العالم، والناطق غير المُعَيّن للعملات المشفرة، والذي أصبحت مواقفه وتصريحاته بشأنها عبر حسابه على "تويتر" ملاذاً للمقامرين على هذه العملة الرقمية، وما زالت ماكينة الدعاية التي يمثلها، أو يقودها، تغري المقامرين الراغبين في الثراء السريع بدراساتٍ وتنبؤات كثيرة.
وللتذكير، فإن "بيتكوين"، التي صدرت عام 2009 أول مرة وصل الحد الأعلى لسعرها في ذلك العام إلى حوالي ألفي دولار أميركي، وأدنى سعر بدأ فيه تداول العملة كان ستة سنتات أميركية للوحدة الواحدة.
وفي ظل التقلبات الكبيرة في سعرها، قفزت عام 2017 إلى أكثر من 19 ألف دولار، ثم عادت وهبطت في شهر إبريل/ نيسان عام 2018 إلى 6.600 دولار. وقد حققت بيتكوين أعلى سعر لها في شهر مايو/ أيار من عام 2021، حين وصل إلى أكثر من 63 ألف دولار، وهو أعلى مستوى لها على الإطلاق.
طالما أن السعر يهبط ويصعد بمقادير كبيرة، فإن الاحتمال لدى بعض المحللين في أسواق النقد يقول إن سعر بيتكوين سيصل إلى مائة ألف دولار
وقد جعلت هذه التقلبات الكبيرة التباين (Variance) في السعر واسعاً. ولذلك، ستأتي التوقعات حسب المعادلات الإحصائية بأرقام خيالية مذهلة.
طالما أن السعر يهبط ويصعد بمقادير كبيرة، فإن الاحتمال لدى بعض المحللين في أسواق النقد يقول إن سعر بيتكوين سيصل إلى مائة ألف دولار، ويمكن أن يصل إلى 325 ألف دولار خلال عام 2021.
وبالطبع، فإنهم يُدْخلون عوامل أخرى على هذه الاستقراءات المستقبلية قصيرة المدى، مثل التضخم والتذبذب في أسعار الصرف، وارتفاع أسعار السلع الرئيسية في العالم. ولهذا، سيتعامل الناس مع "بيتكوين" على أساس أنها "ذهب"، أو مرجع سعري يستفيد من ارتفاع الأسعار وهبوط القيمة الشرائية للعملات المتداولة الرئيسية في العالم.
وإذا وصل السعر إلى 325 ألف دولار حسب التوقعات، فإن فقاعة سوف تحصل، وسوف تُنفِّس بعض الهواء الذي فيها فيتراجع سعر "بيتكوين" بمقدار 50 - 60 ألف دولار على الأقل، وذلك خلال السنتين 2022 - 2023، وقد حصل هذا التراجع عندما وصل سعر "بيتكوين" إلى رقم مرتفع، أشرنا إليه عام 2017، ثم هبط مدة طويلة نسبياً قبل أن يعاود ارتفاعه.
ويتوقع محللون، مثل موقع Prime XBT ، أن يأخذ سوق "بيتكوين" دورة تستمر أربع سنوات، يراوح السعر فيها حول نفسه هبوطاً وصعوداً. ولكن في عام 2050، يتوقع بعضهم، إن بقيت "بيتكوين" حتى حينه، أن يصل سعرها إلى نصف مليون دولار، ويتوقع آخرون أن يصل إلى مليون دولار.
هل صارت العملات المشفرة واحدةً من أدوات الحرب الاقتصادية بين الدول العظمى؟ يبدو كذلك، فالصين تسعى، بكل جهدها، إلى تنظيم التداول الدولي بها، وفق شروط أحكام مراقبة واضحة تَحول دون انفلاتها و/أو تفجّرها في وجوه المستثمرين فيها. وهنالك عناد وإصرار من أسواق العملات الغربية على إضفاء صفة العقلانية أو درجة من الجنون، تغري المضاربين، الثيران منهم والدببة (Bull and bears)، بالاستمرار بالتعامل فيها.
إنها مقامرة واحتمالات الربح أمام "البنك" في كازينو العملات المشفّرة قليلة، إلا أنها، إن حصلت، سيكون العائد منها كبيراً. هنالك من يجني أرباحاً طائلة من كل المجانين والمغامرين فيها قبل أن يصل العالم إلى ضرورة إغلاق هذا الكازينو الافتراضي أو عقلنته وتنظيمه.