كارثة وقف تمويل الأونروا

02 فبراير 2024
أطفال فلسطينيون ينتظرون قي صفوف للحصول على مياه الشرب في رفح (Getty)
+ الخط -

في قرارٍ مجحفٍ بحقّ الشعب الفلسطيني الأعزل، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية في 26 يناير/ كانون الثاني وقف تمويلها لوكالة الأمم المتَّحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى "الأونروا" إرضاءً لإسرائيل التي ادَّعت بأنّ 12 من موظَّفي وكالة الأونروا شاركوا في الهجوم الذي شنَّته حركة حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2023 رغم قيام الوكالة بإنهاء عقود الموظّفين الذين زُعِم أنّهم شاركوا في الهجمات باستخدام مركبات هذه الوكالة ومبانيها التي أصبحت منصّات لإطلاق الصواريخ.

وبطبيعة الحال، حذت العديد من الدول حذو الولايات المتّحدة في تعليق تمويلها للوكالة مثل كندا وأستراليا وإيطاليا والمملكة المتّحدة وفنلندا وهولندا وألمانيا وفرنسا واليابان. في المقابل، تريَّثت سويسرا قبل اتِّخاذ قرارٍ بشأن مساعدتها للأونروا إلى حين البت في الاتِّهامات، بينما قرَّرت النرويج الاستمرار بمساعدة الفلسطينيين عبر دعم الوكالة وأعلنت إسبانيا عدم قطع تمويلها عن الأونروا.

في الواقع، كان التقرير، الذي أجرته مجموعة مراقبة الأمم المتّحدة UN Watch ونشرته في 10 يناير/ كانون الثاني تحت عنوان "مجموعة مُكوَّنة من 3000 معلِّم في الأونروا تحتفل بمذبحة حماس واغتصابها" Group of 3,000 UNRWA teachers celebrates Hamas massacre and rape، القطرة التي أفاضت كأس الغلّ الصهيوني، فقد أفاد تقرير هذه المنظَّمة غير الربحية المُكرَّسة لمساءلة الأمم المتّحدة عن مبادئها بأنّ مجموعة دردشة جماعية على تيليغرام مُكوَّنة من 3000 معلِّم من معلِّمي الأونروا في غزة تعجّ بمنشورات تشيد بالهجوم الذي نفَّذته حركة حماس وتصفه بالبطولي.

وانتقد التقرير بشدّة أحد مدرِّسي الأونروا الذي نشر منشوراً يُبلغ فيها كافة المدرِّسين بأنّ الرواتب سيتمّ دفعها يوم الأحد، وشارك بعد ذلك بلحظات قليلة مقطع فيديو يمجِّد هجوم حماس وصورة لسترة انتحارية مفخَّخة مرفقة بتعليق "انتظروا يا أبناء اليهود".

حرب الكيان الصهيوني على وكالة الأونروا ليست جديدة، فلطالما سعت دولة الاحتلال بشتَّى الوسائل إلى تصفية هذه الوكالة والتخلُّص منها لكونها الحبل السُرِّي الذي يمدّ نحو ثلثي سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة بالمساعدات؛ فقد سبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن دعا إلى عدم الاكتفاء بوقف المساعدات الممنوحة للأونروا وشدَّد على ضرورة حلِّها ونقل مسؤولياتها إلى الوكالات التابعة لمنظومة الأمم المتّحدة الخاضعة للمساءلة، وهي نفس الفكرة التي يتشبَّث بها العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي.

جدير بالذكر أنّ الولايات المتّحدة تُعدّ أكبر مموِّل للأونروا، فقد ساهمت بأكثر من 296 مليون دولار في عام 2023 وحده، وساهمت إدارة بايدن بحوالي مليار دولار منذ عام 2021. وبحسب تقرير نشرته خدمة أبحاث الكونغرس في 18 مايو/ أيّار 2018 تحت عنوان "المساعدات الخارجية الأميركية للفلسطينيين" U.S. Foreign Aid to the Palestinians، ساهم دافعو الضرائب الأميركيون بحوالي 6 مليارات دولار للأونروا بين عامي 1950 و2018.

في سبتمبر/ أيلول 2018، قطعت إدارة ترامب التمويل عن هذه الوكالة ووصفتها بأنّها "معيبة بشكل لا يمكن إصلاحه"، بينما استأنف الرئيس الأميركي بايدن تمويل الوكالة دون قيد أو شرط في عام 2021 وقدَّم مليار دولار على مدى ثلاث سنوات.

أفاد ريتشارد غولدبرغ، العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي في إدارة الرئيس الأسبق ترامب والمستشار الأوّل حالياً في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، في تقرير أرسله من أجل المشاركة في جلسة اجتماع مشتركة عقدتها لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي واللجنة الفرعية للشؤون الخارجية بمجلس النواب المَعنية بالرقابة والمساءلة وكذا اللجنة الفرعية للصحة العالمية وحقوق الإنسان العالمية والمنظّمات الدولية بعنوان "الأونروا مكشوفة: دراسة مهمّة الوكالة وإخفاقاتها" UNRWA Exposed: Examining the Agency’s Mission and Failures في 30 يناير/ كانون الثاني 2024 بواشنطن، بأنّ الأونروا ليست وكالة للاجئين ولا حتى منظّمة دولية بالمعنى الحقيقي للكلمة، بل هي سلاح سياسي تطوَّر إلى برنامج استحقاق المساعدات الأجنبية مموَّل دولياً ويعمل بموظَّفين محليين، ويحرِّض على العنف ضدّ إسرائيل، ويدعم المنظّمات الإرهابية الأجنبية المُدرجة في تصنيف الولايات المتّحدة، ويعرقل سبل التوصُّل إلى سلام مستدام بين إسرائيل والفلسطينيين.

وأضاف غولدبرغ بأنّ الأونروا ليس لديها مجلس إدارة، الأمر الذي يجعلها، من وجهة نظره، تفتقر لمسار حوكمة فعّال يمكن أن يغيِّر سياساتها ويُخضِعها للتدقيق والمساءلة ويجعل المعلومات الأساسية التي تقدِّمها قابلة للتحقُّق من صحّتها.

بحسب انتقادات غولدبرغ اللاذعة، تعتبر وكالة الأونروا قناةً لاستنزاف الأموال الأميركية وتهديداً للأمن القومي الأميركي وأمن إسرائيل، فهي توظِّف أكثر من 30 ألف فلسطيني لخدمة 5.9 ملايين لاجئ فلسطيني فقط مقارنة بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي توظِّف أقلّ من 19 ألف موظَّف دولي لإدارة شؤون 29.4 مليون لاجئ عبر 135 دولة، وشدَّد غولدبرغ على أنّ الأونروا، بفضل طاقمها الفلسطيني، تساعد على تنشئة جيل من الفلسطينيين على ثقافة الكراهية والانتقام من إسرائيل، وبناءً على ذلك حمَّل غولدبرغ مكتب السكان واللاجئين والهجرة التابع لوزارة الخارجية الأميركية مسؤولية المشاكل التي تخلقها وكالة الأونروا والتي أصبحت، من وجهة نظره، بؤرة لإعداد الإرهابيين الذين سيقتلون الإسرائيليين مستقبلاً.

صوَّر العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي تواطؤ الأونروا مع حماس بفيلم رعب، استغرق إعداده عقوداً، وشارك في إنتاجه دافعو الضرائب الأميركيون، وكلَّف نفسه وربط بين أرقام مكَّنته من الاستخلاص بأنّ المليار دولار الذي قدَّمته الولايات المتّحدة للأونروا منذ عام 2021 بوجود ما يقرب من 30 في المائة من عملاء الأونروا في غزة يعني إضافة 300 مليون دولار إلى ميزانية حماس المدعومة أيضاً على مدى سنوات بفضل 80 في المائة من التمويل الذي أنفقته وكالات الأمم المتّحدة في غزة عبر الأونروا والمُقدَّر بـ 4.5 مليارات دولار في الفترة الممتدّة من 2014 إلى 2020، بما في ذلك 600 مليون دولار في عام 2020 وحده.

خلاصة القول، ما هذا إلاّ غيض من فيض وجزء من كلّ وقطرة من بحر وسطر من قمطر عن الكيفية التي يُحاسِب بها الغرب على كل دولار يُنفَق لصالح العرب، فمتى يُحاسِب العرب على أموالهم ونفطهم وأرضهم وثرواتهم التي امتصَّها الغرب؟

المساهمون