لا أعرف ماذا تريد دوائر صنع القرار في مصر من القرارات الصادرة اليوم الخميس عن لجنة التحفظ وإدارة أموال جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتقضي بالتحفّظ على 12 شركة مملوكة للجماعة و28 من قيادات الجماعة؟
ما الرسالة التي يود أن يبعث بها هؤلاء في هذا التوقيت بالذات، هل الرسالة هي أن خطة تجفيف منابع تمويل الإخوان متواصلة، وأن ملاحقة أموالهم والتحفظ على شركاتهم ومدارسهم ومستشفياتهم وأصولهم مستمرة حتى تأميم آخر جنيه منها؟ وأنه طالما أننا في معركة صفرية فلا تراجع عن هذه القرارات، حتى إن كانت النتيجة النهائية حدوث مزيد من التدهور الاقتصادي والمالي وزيادة قلق المستثمرين المحليين والأجانب معاً؟
أم أن الرسالة هي أنه لا يوجد تنسيق بين دوائر صنع القرار، بحيث إن المجهودات التي تقوم بها المجموعة الاقتصادية لجذب الاستثمارات وتحسين مؤشرات الاقتصاد تجهضها جهات أخرى دون أن تعلم؟
والسؤال الأهم: ما النتيجة التي تصل إلى المستثمرين الأجانب عندما تنقل لهم وسال الإعلام الدولية خبرا عن قيام السلطات المصرية بمصادرة والتحفظ على أموال المعارضين السياسيين من جماعة الإخوان، وأن عملية التحفظ على الأموال مستمرة رغم الحديث الحكومي المستمر عن تشجيع بيئة الاستثمار في البلاد؟
وماذا عن مناخ الاستثمار في مصر، وأن البلاد باتت بيئة مواتية للاستثمار الأجنبي عقب الحصول على قرض صندوق النقد الدولي، وماذا عن قانون الاستثمار الجديد الذي يحظر مصادرة أموال المستثمرين، وهل الحماية من خطر المصادرة والتأميم قاصرة على المستثمرين العرب والأجانب؟
طيب، بسيطة، في هذه الحالة يمكن أن يقوم المستثمرون المنتمون للإخوان بتأسيس شركات لهم في الخارج، على أن تقوم هذه الشركات لاحقا بتأسيس مشروعات لها في الداخل، وهنا تحظى بنفس المميزات التي ستحصل عليها الاستثمارات الأجنبية وأبرزها الحماية من المصادرة، والحصول على الأراضي التي سيتم إقامة المشروع عليها بالمجان، والحصول كذلك على إعفاء ضريبي لمدة 10 سنوات، إضافة لمزايا أخرى منها استيراد عمالة من الخارج والإعفاء من 50% من ضريبة الدخل وغيرها.
قبل أيام تم إقرار قانون الاستثمار الجديد، وخلال مناقشة مواد القانون داخل البرلمان خرج علينا عدد من الوزراء ونواب بالبرلمان ليؤكدوا أن القانون سيفتح الباب على مصراعيه أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية على مصر، وأن مليارات الدولارات الباحثة عن فرص استثمار جذابة وأمنة كانت في انتظار تمرير القانون.
ورغم العيوب الخطيرة في القانون، والتي سرد جانباً منها زياد بهاء الدين نائب رئيس الوزراء المصري السابق والذي رأس هيئة الاستثمار عدة سنوات، في عدة مقالات بجريدة الشروق، إلا أن هناك من استبشر خيراً بالقانون، وأنه سيعيد الاستثمارات الهاربة من مصر خلال السنوات الماضية، كما سيشجع مستثمرون جدد على القدوم للبلاد خاصة مع توافر فرص استثمارية جذابة بها في كل القطاعات الاقتصادية.
ولم تمض سوى أيام قليلة على إقرار هذا القانون حتى فوجئ الجميع بقرارات تحفظ جديدة على أموال منتمين لجماعة الإخوان صادرة من لجنة التحفظ وإدارة أموال، وقرارات التحفظ تلك تعيد للأذهان مرة أخرى ما تردد خلال السنوات الأخيرة من أن الاستثمارات والأموال والشركات الخاصة غير مصانة، وأنه يمكن مصادرتها بقرار إداري أو حتى بقرار إداري يلبس ثوباً قضائياً.
مصر في حاجة ملحة للاستثمارات الأجنبية في ظل تراجع إيرادات المصادر الأخرى من النقد الأجنبي وعلى رأسها السياحة، ومصر في حاجة لتدفق الاستثمارات الخارجية لتقليص معدلات البطالة المرتفعة خاصة بين الشباب والبالغة 30% وتوفير فرص عمل للملايين منهم.
ومصر في حاجة لمثل هذه النوعية من الاستثمارات حتي يتم دعم الاستقرار الحالي في سوق الصرف وتقوية الجنيه في مقابل الدولار، ومصر في حاجة للاستثمارات الأجنبية حتى تخفض الأسعار عبر تقليل فاتورة الاستيراد في حال تراجع سعر العملة الأميركية، وبالتالي فإن البلاد في حاجة لبعث رسالة هي حماية الممتلكات الخاصة والتوقف عن التحفظ على أموال المستثمرين حتى وإن كانوا يخالفونها التوجه السياسي.
يا سادة ما الذي تكسبه الحكومة من مصادرة ما تبقى من أموال جماعة الإخوان، وما الذي عاد عليها من مصادرة مثل هذه الأموال سوى الإساءة لمناخ الاستثمار، وامتناع آلاف المصريين العاملين في الخارج من تحويل أموالهم إلى الداخل خوفا من مصادرتها، وكذا امتناع مستثمرين أجانب عن القدوم للبلاد والاستثمار بها.
أوقفوا عمليات المصادرة والتحفظ على الأموال حفاظا على الاقتصاد المصري، فنتيجة مثل هذه الممارسات شديدة الخطورة على الاقتصاد، وتعطي انطباعا بعدم احترام الحكومة مواد الدستور التي تنص صراحة على حماية الملكية الخاصة من مخاطر التأميم والمصادرة.
مصلحة البلد أكبر وأهم من المناكفات السياسية، فالأنظمة السياسية تأتي وتروح، لكن تبقى المصلحة العامة أهم من كل الأنظمة.