قيود الاستيراد تكبل المصانع المصرية: هبوط الإنتاجية وهجرة استثمارات

26 مايو 2022
معوقات عديدة تطاول المصانع (Getty)
+ الخط -

كشف اجتماع للجنة الصناعة في جمعية رجال الأعمال المصريين عن تعطل 88% من قوة التشغيل في المصانع المصرية، خلال الشهر الحالي، جراء وقف استيراد مكونات الإنتاج للمصانع والشركات، بعد صدور تعليمات البنك المركزي بوقف الاستيراد من دون موافقته، وتضاعف أسعار السلع والخامات.

وأكدت المناقشات الساخنة التي استغرقت عدة ساعات مساء الأول من أمس، في مقر الجمعية، أن الحكومة لم تلتزم حتى الآن بتنفيذ تعليمات رئاسة الجمهورية الخاصة بتسهيل استيراد احتياجات المصانع والشركات، خاصة التي أدت إلى تعطل الإنتاج، بما يعرض القطاع الصناعي لأزمة خطيرة، ما زالت في بدايتها، ومرشحة لمزيد من التصاعد، حتى نهاية العام المقبل 2023. 

وبيّن الأعضاء في اجتماع ترأسه مجد الدين المنزلاوي، الأمين العام للجمعية، خروج عدد من كبرى الشركات العالمية من العمل في مصر، بسبب التعقيدات التي تضعها الأجهزة أمام المصنعين، مشيرين إلى خروج شركة" فايزر" الأميركية لصناعة الأدوية من مصر، وعرض مقرها بالجيزة للبيع، وانتقالها للعمل في منطقة الشرق الأوسط من المغرب، بعد أن نقلت الإدارة الإقليمية أعمالها إلى دبي.

وقررت شركة "كابري" لصناعة الشكولاتة والمواد الغذائية التوجه إلى الأردن، في إطار تخارج (انسحاب) كثير من المستثمرين الأجانب، الذين يفضلون التعامل مع السوق المصري كموردين من الخارج، لما يجدونه من عنت من الجهات الرسمية وعلى رأسها هيئة التنمية الصناعية والجمارك والضرائب والمحليات. 

أكد الأعضاء أن نسبة التشغيل في المصانع لم تتعد 12% مطلع الأسبوع الحالي في 153 منطقة صناعية، وفقا لبيانات اللواء حازم عنان نائب رئيس هيئة التنمية الصناعية، التي ذكرها خلال اجتماعه الإثنين الماضي، باتحاد الغرف الصناعة، أثناء مناقشة أزمة تراخيص الحماية المدنية بالشركات، حيث ترفض البنوك التعامل معها من دون حسمها مع وزارة الصناعة.

رسوم وقيود

يرجع رجال الأعمال تصاعد أزمة القطاع الصناعي إلى تنازع الجهات التنفيذية سلطة الإشراف على الصناعة، في وقت تعمل فيه كل جهة على زيادة حصيلتها، بفرض مزيد من الرسوم والقيود التي تسيء إلى مناخ الاستثمار في مصر، وتدفع بشركات دولية تعمل فيها منذ سنوات طويلة للخروج وبناء مصانعها في دول مجاورة بالمنطقة. قال مستثمرون: "نحن الآن في أزمة، ونريد حلولا فورية لمشاكلنا، اليوم والآن، بعد أن وصلنا إلى مرحلة الانسداد الاقتصادي".

اعترض الأعضاء على مناقشة جدول الأعمال المقترح في الاجتماع، الذي استهدف التحاور حول " آليات النهوض بالصناعة، في ضوء رؤية توطين الصناعة المحلية، التي طرحها رئيس الوزراء الأسبوع الماضي".

وأكدوا أن الخروج من أزمات الحاضر له الأولوية القصوى، "لأنه من دون النجاح في اجتياز الأزمة الحالية، سيفقد القطاع الصناعي والزراعي قدرته على الصمود، ولن يكون هناك مستقبل للاستثمار إلا إذا شعر رجال الأعمال المصريين بالطمأنينة في توفير مناخ العمل الجيد للعمل، وهو أمر ينتظره المستثمرون الأجانب، الذين يخشون من القدوم إلى مصر حاليا".

 

اتهم الأعضاء البنك المركزي بعدم تنفيذ التعليمات الرئاسية، التي صدرت منذ شهر، الخاصة بتسهيل استيراد احتياجات المصانع، مؤكدين أن البنك يلزم المستوردين بدفع كامل قيمة الواردات بالدولار، قبل الحصول على إذن الاستيراد للمنشآت المستثناة من شروط فتح الاعتمادات المستندية.  

أشار الأعضاء إلى تعطيل البنوك إجراءات فتح الاعتمادات للواردات، التي تحتاج مدة تزيد عن 3 أشهر، بما يؤكد عدم فهمهم مطالب الصناعة، التي تتفق على استيراد معدات، تصنع خصيصا وفقا للطلب، ومن بينها الأدوية والمكونات الصناعية المختلفة، المسموح باستيرادها حالياً.

وطلب الأعضاء السماح بتوفير العملة الصعبة لاستيراد معدات تشغيل المصانع وقطع الغيار بصورة عاجلة، حتى لا يتعطل المزيد من المصانع القائمة أو التي تحت التنفيذ.  

معوقات استثمارية

وتساءل مصطفى إبراهيم، عضو الجمعية، مستنكرا، لماذا يذهب المستثمرون إلى دولة حبيسة وبها حرب داخلية مثل إثيوبيا ويفضلون السعودية والأردن ودبي عن مصر حاليا، مؤكدا أن ذلك لا يرجع إلى زيادة حوافز الاستثمار عن مصر، بقدر إزالتهم المعوقات التي تجعل من رجل الصناعة محاربا على كل الجبهات الرسمية.

وأكد أن الفساد الإداري دفع الجهات الحكومة إلى عدم الالتزام بقانون تفضيل المنتج المحلي وتفصيل المناقصات، بما يحول دون مشاركة المصنعين المحليين في مناقصات تستنزف موارد العملة الصعبة وتعرقل تطوير الصناعات المحلية.

مطالب بوقف الضرائب الجزافية على الصناعات المحلية والتهديد بالحجز الإداري على المشروعات التي تعترض على الخلل في منظومة الضرائب

وطالب بوقف الضرائب الجزافية على الصناعات المحلية والتهديد بالحجز الإداري على المشروعات التي تعترض على الخلل في منظومة الضرائب ورجالها، الذي ينظرون إلى المستثمر على أنه "متهم لحين إثبات إدانته".

وأشار الأعضاء إلى أن اعتماد الحكومة على تمويل 88% من الموازنة من الضرائب يدفعها إلى ملاحقة المستثمرين برسوم لا تضع في حسابها تصاعد تكاليف الإنتاج، التي زادت مؤخرا بنحو ثلاثة أضعافها، وتراجع كشوف الشركات لأكثر من 10 سنوات، وتحصيل 3.8% رسوما من قيمة التوريدات للحكومة بأثر رجعي، وإجبارهم على دفع 5% من قيمة الرسائل الواردة في الجمارك للأمن العام، بينما الأزمة المالية تتصاعد، ولا ينظر المسؤولون إلى " ما نحن فيه من موقف جلل".

وطالب أعضاء جمعية رجال الأعمال بأن يتولى الاقتصاديون زمام إدارة الأزمة حاليا، ومنح القطاع الخاص الثقة لإنعاش الاقتصاد، وأن ينظر إلى رجاله على أنهم جنود الأمن الاقتصادي في الدولة أسوة بالجيش والشرطة. 

اتهامات وتعطيل للعمل

عبر محمود الجرف، رئيس هيئة التنمية الصناعية الأسبق، عن دهشته بالحديث حول مشاكل عرضت عليه منذ 10 سنوات، حينما كان يشغل منصبه، واستمرارها وتزايدها حتى الآن.

اتهم الأعضاء هيئة التنمية الصناعية بمنح الأراضي للمستثمرين بطرق ملتوية، وتفضيل من لا يستحق، والتوزيع الجزافي أحيانا، بحيث لا يجد المستثمر الأرض في المكان المناسب له، وإذا وجد الأرض لا يجد النشاط المناسب، وتعطيل مصالح المستثمرين في إجراءات التراخيص وتوسعة النشاط وإضافة مكونات صناعية.

وطالب حمدي رشاد، عضو الجمعية، بأن تعود هيئة الرقابة الإدارية لممارسة مهامها في ملاحقة الفساد وإغلاق أبوابه في الجهات الحكومة المشرفة على قطاع الصناعة، الذي يحمل المستثمرين ما لا يطيقون. وشدد أحمد علاء الدين، عضو الجمعية نفسها، على ضرورة حل مشاكل الصناعات القائمة قبل التفكير في مشروعات للمستقبل. 

انقسم الأعضاء حول موافقة الحكومة مؤخرا على توزيع أراضي على مستثمري المناطق الصناعية بنظام حق الانتفاع. فهناك من اعتبرها فرصة لخفض تكاليف المشروعات، حيث أصبحت الأرض تمثل 60% من قيمة حجم الاستثمار بالمشروعات، مع صعوبة المستثمرين الجادين في الحصول عليها، ومبالغة الدولة في تسعير أراضي المناطق الصناعة، ومنحها لمن لا يستحق ليتاجر بها.

وأعرب المستثمرون عن خشيتهم من رفض البنوك تمويل مشروعاتهم في حالة عدم امتلاك الأراضي، مطالبين بأن تصدر الحكومة قرارات واضحة تلزم جهات التمويل بضمان أو إقراض أصحاب المشروعات المقامة على أراض بحق الانتفاع.

وبينما حذر أعضاء بالجمعية من أن البيروقراطية المصرية تغير قراراتها، وفقا للقائمين عليها، من دون النظر إلى مصالح المستثمرين، أكدوا أهمية أن يكون حق الانتفاع لفترات زمنية طويلة، وألا تسري أي تغييرات في القوانين أو القرارات الإدارية بأثر رجعي، كما يتم حاليا.

أهمية تشجيع الصناعة

وذكر كمال الدسوقي، نائب رئيس غرفة مواد البناء، أن الدولة لديها فرص لتخفيف الفجوة بين الصادرات والواردات، التي بلغت حاليا نحو 35 مليار دولار، من خلال العمل على تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة، بما يسمح بتوفير 20 مليار دولار سنوياً.

وأكد أن الأزمة المالية الحالية يمكنها أن تدفع إلى تحسين المنتج المحلي، في حالة اهتمام الحكومة بحل مشاكل المستثمرين المصريين بجدية، لأن المستثمر الأجنبي لن يأتي طالما يشكو المصريون من سوء معاملتهم.

وأوضح أن الحكومة، إذا كانت جادة في زيادة الصادرات إلى 100 مليار دولار في المرحلة القادمة، عليها أن تعمل على مساعدة المستثمرين على خفض تكاليف الإنتاج، ومنح حوافر للصناعات التكنولوجية والخضراء، وتوجيه الدعم المالي للاستثمار الصناعي، بدلا من العقاري الذي استنفذ الغرض منه حاليا، وتوفير بيانات صحيحة عن مختلف الصناعات من الجهات الحكومية.

ودعا إلى التوسع في المناطق الصناعية بالمحافظات لتكون قادرة على العمل في صناعات الملابس والجلود، التي بدأت تهرب حاليا من الصين لارتفاع التكلفة، وكذا طالب بتسهيل الإجراءات الجمركية.