قيس سعيد والتجارة بالدين

23 يناير 2022
قيس سعيد يعالج البطالة بالوعود البراقة/(الأناضول)
+ الخط -

آخر ما تفتق عنه ذهن الرئيس التونسي، قيس سعيد، لمواجهة الأزمة المالية والاقتصادية وعلاج عجز الموازنة العامة هو المتاجرة بالدين، وإعطاء تعليمات للمراجع الدينية لدعوة التونسيين إلى التبرع لصالح الخزانة العامة الخاوية، وبالتالي المساهمة في سداد رواتب الموظفين في الدولة وتمويل بنود الدعم سواء للوقود أو الأغذية وغيرها، وربما لاحقا الدعوة لسداد أعباء الديون الخارجية التي تكاد الدولة تتوقف عن الالتزام بها بسبب الظروف المالية الصعبة التي تمر بها البلاد وتراجع الإيرادات.

يوم الخميس الماضي خرج علينا مفتي الديار التونسية عثمان بطيخ، الذي أحيل للقضاء في شهر أغسطس/آب الماضي بسبب شبهات في قضايا فساد تتعلق بملف الحج في العام 2015، يدعو رجال الأعمال وأهل الخير إلى المساعدة في إنقاذ البلاد وإخراجها من أزمتها، وذلك في بيان رسمي صادر عن ديوان الإفتاء. كما طلب من المقتدرين مساعدة البلاد للخروج من الظروف الصعبة التي تمر بها.

مفتي تونس يعتبر أن "مساعدة البلاد للخروج من الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها هو واجب أخلاقي وديني"

لم يكتف المفتي بذلك، بل اعتبر أن "مساعدة البلاد للخروج من الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمر بها هو واجب أخلاقي وديني"، و"أن البذل والعطاء من أجل رفاهية شعبكم ليس تضحية ولا فداء ولا خسارة، بل هي تجارة مع الله عز وجل لن تبور".

لم يكتفِ مفتي الديار التونسية بالدعوة للتبرع لسد عجز الموازنة العامة من منطق اقتصادي، بل ربط التبرع بالوطنية وتحديد مصير المواطن يوم القيامة حينما اعتبر أن "الانخراط في إنقاذ وطننا واجب من أهم الواجبات.. فلا تبخلوا على تونس العزيزة علينا جميعا ولا تترددوا في دعمها وفي التناصح والتكافل والتضامن تكمن مواطن القوة والعزة والكرامة. وبدون ذلك فهو، والعياذ بالله، السقوط والانهيار، ويوم القيامة خزي وعذاب".

ولم ينس مفتي الديار التونسية أن يوجه الشكر في بيانه الرسمي لكل من قدم المساعدة خلال الأزمات السابقة وأبرزها فترة تفشي فيروس كورونا.

موقف
التحديثات الحية

قبلها تفتق ذهن قيس سعيد عن نظرية اقتصادية جديدة أطلقها في منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لمعالجة أزمة البطالة، حيث وعد الشباب التونسي العاطل من العمل من خريجي الجامعات وأصحاب الشهادات العليا بتأسيس شركات أهلية جديدة تكون بوّابتهم إلى سوق الشغل، ويساهم فيها سكان المنطقة التي تقع فيها تلك الشركات.

ساعتها تنصل سعيد من أهم بند وهو تمويل الدولة لتلك المشروعات وتحدث عن وعود هلامية حيث قال إنه "سيتم تمويل تأسيس هذه الشركات من خلال استعادة أموال الشعب المنهوبة، والأموال التي ستجمعها الحكومة من عمليات مكافحة الفساد والتصالح مع رجال الأعمال الفاسدين". 

وعود وهمية لن تجد صدى عند الشباب الذي خرج متظاهرا ضد قرار قيس سعيد، ومطالبا بفرصة عمل، ومحتجا على فشل الحكومة في مكافحة البطالة خلال الفترة الماضية، خاصة أن هؤلاء وجدوا أن دعوة الرئيس التونسي مجرد سراب، وأن البطالة تشهد زيادة غير مسبوقة وفق الإحصاءات الحكومية نفسها، وأنها تحولت إلى "قنبلة موقوتة" تهدد استقرار البلاد، وأن قيس ليس جادا في علاج أزمة البطالة، والدليل قراره قبل أيام التراجع عن قانون يقضي بتشغيل العاطلين عن العمل من الحاصلين على شهادات جامعية منذ 10 سنوات في الوظائف الحكومية، كان البرلمان قد صادق عليه قبل سنة.

يمتلك الرئيس التونسي نظريات "فريدة من نوعها" في معالجة الفقر والبطالة وغلاء الأسعار ومكافحة التضخم والفساد والاحتكار والأزمة الاقتصادية

يمتلك الرئيس التونسي نظريات اقتصادية "فريدة من نوعها" في معالجة الفقر والبطالة وغلاء الأسعار ومكافحة التضخم والفساد والاحتكار والأزمة الاقتصادية.

نظريات تستحق أن تدرس في الجامعات والمعاهد وتوجيه الانتقادات اللاذعة لها والذي يصل على حد السخرية، كما نظرياته السياسية القائمة على التفرد بالحكم والاستبداد وإقصاء المعارضين وملاحقتهم، والتضييق على حرية الرأي والتعبير والاعتداء على الدستور ومؤسسات الدولة بما فيها البرلمان.

موقف
التحديثات الحية

وبسبب تلك النظريات أدخل البلاد عقب انقلابه الشهير منتصف العام الماضي على الدستور والمؤسسات المنتخبة في أزمة سياسية أثرت سلبا على المشهد الاقتصادي والمالي برمته، ولم تؤد إلى حل المشاكل المعقدة، بل فاقمتها، وأدت الى سوء الأوضاع المالية، وتفاقم أزمة البطالة، والغلاء الفاحش للأسعار، والدليل المؤشرات الأخيرة الصادرة عن أجهزة الدولة.

السؤال هو: على ماذا كان يراهن قيس سعيد لحل الأزمة الاقتصادية بعد الاعتداء على الدستور والبرلمان ومصادرة الحريات العامة وقمع المتظاهرين وعودة تونس مهد الثورات العربية إلى المربع الأول في الاستبداد؟

لا يختلف قيس سعيد عن المستبدين الذين يبيعون الوهم للمواطن ويراهنون على عنصر الوقت وذاكرة الشعوب التي يعتبرونها مثل ذاكرة السمكة

هل كان يراهن على التمويل الخليجي من الدول الداعمة للثورات المضادة والذي لم يأتِ بعد، ويبدو أنه لن يأتي قريبا، أم يراهن على نظرياته الكرتونية التي لا تصمد سوى أيام؟

أم على المساعدات والمنح والقروض الخارجية التي لن تأتي بعد، وربما لن تأتي إلا بشروط مجحفة بحق الوطن والمواطن ورهن مستقبل البلاد وقراره السيادي لصالح الدائنين الدوليين؟

لا يختلف قيس سعيد عن غيره من المستبدين الذين يبيعون الوهم للمواطن، ويراهنون على عنصر الوقت وذاكرة الشعوب التي يعتبرونها مثل ذاكرة السمكة سرعات ما تنسى بسرعة تلك الوعود.

المساهمون