قنبلة التضخم تهدّد بتفجير اقتصاد العالم.. ماذا تعرف عنه ومن المستفيد؟

13 يونيو 2022
التضخم الأميركي بلغ في مايو الماضي أعلى مستوى منذ عام 1981 مسجلاً 8.6% (Getty)
+ الخط -

يجتاح التضخم Inflation سريعا اقتصادات العالم ضاربا معيشة الناس في غالبية الدول، وبات يشكل تحديا كبيرا لصانعي السياسات حتى في أغنى البلدان وأقواها، في حين أن التأثير الضاغط بشدة على الأسر يحصل الآن في الدول الأكثر مديونية وفقرا واضطرابا.

فماذا تعرف عن طبيعة التضخم ومسبباته والمستفيدين منه؟

التضخم، الذي بات يشكل قنبلة موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي، بعدما هزّت أركانه الحرب الأوكرانية، هو من ناحية المفهوم مقياس لمعدل ارتفاع أسعار السلع والخدمات في الاقتصاد. فإذا حدث تضخم يؤدي إلى ارتفاع أسعار الضروريات الأساسية لحياة الناس، مثل الغذاء، فيُنتظر أن يكون له تأثير سلبي على المجتمع، وفقا للموسوعة الاقتصادية "إنفستوبيديا".

والتضخم بما هو مقياس لمعدل ارتفاع أسعار السلع والخدمات في الاقتصاد، يمكن أن يحدث عندما ترتفع الأسعار بسبب زيادة تكاليف الإنتاج، مثل المواد الخام والأجور. كما يمكن أن تتسبب زيادة الطلب على المنتجات والخدمات في حدوث تضخم، حيث يرغب المستهلكون في دفع المزيد مقابل المنتج.

وفي مقابل المعاناة من ارتفاع تكاليف المعيشة بالنسبة للأسر، تجني بعض الشركات ثمار التضخم إذا كان بإمكانها فرض أسعار أعلى لمنتجاتها بسبب ارتفاع الطلب عليها.

وتكمن خطورة التضخم في أنه يمكن أن يطاول أي منتج أو خدمة تقريبا، لا سيما في الدول التي لا تدعم المواد الغذائية والاستهلاكية الضرورية، بما في ذلك نفقات السكن والطعام والرعاية الطبية والخدمات الأساسية، إضافة إلى النفقات الكمالية، مثل مستحضرات التجميل والسيارات والمجوهرات.

وبمجرد أن يصبح التضخم سائدا في جميع أنحاء الاقتصاد، كما هو حال العديد من الدول الآن، يصبح توقع المزيد من التضخم مصدر قلق كبير في وعي المستهلكين والشركات، وكذلك الحكومات على حد سواء.

فالبنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة عينها على مؤشر التضخم، بما في ذلك الاحتياطي الفيدرالي في الولايات المتحدة، الذي يضع هدفا للتضخم عند نحو 2%، ويقوم بتعديل السياسة النقدية لمكافحة التضخم إذا ارتفعت الأسعار كثيرا أو بسرعة كبيرة جدا. 

لكنه الآن يواجه تحديا كبيرا بعدما ارتفع معدل التضخم في الولايات المتحدة، في مايو/أيار الماضي، إلى أعلى مستوى منذ عام 1981، مسجلا 8.6% مقابل 8.3% في إبريل/نيسان، في حين دعا الرئيس جو بايدن بهذا الصدد إلى بذل "جهد أكبر وسريع" لاحتواء الأزمة.

كما يمكن للتضخم أن يكون مصدر قلق لأنه يجعل الأموال التي تُدّخر اليوم أقل قيمة مستقبلا، إذ يؤدي إلى تأكل القوة الشرائية للمستهلك. فعلى سبيل المثال، إذا حصل المستثمر على 5% من الاستثمارات في الأسهم والسندات، فيما كان معدل التضخم 3%، فإن المستثمر ربح 2% فقط بالقيمة الحقيقية.

ما العوامل الدافعة للتضخم؟

هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تدفع الأسعار أو التضخم في الاقتصاد، علما أن التضخم عادة ما ينتج من زيادة تكاليف الإنتاج أو زيادة الطلب على المنتجات والخدمات.

التضخم الناجم عن ارتفاع التكاليف

يحدث التضخم الناجم عن ارتفاع التكاليف Cost-push inflation عندما ترتفع الأسعار بسبب زيادات تكاليف الإنتاج، مثل المواد الخام والأجور، حيث لا يتغير الطلب على السلع بينما ينخفض المعروض منها بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج. ونتيجة لذلك، يتم تمرير تكاليف الإنتاج الإضافية إلى المستهلكين في شكل أسعار أعلى للسلع المصنوعة الجاهزة للاستهلاك.

ويمكن ملاحظة إحدى علامات هذا التضخم في ارتفاع أسعار السلع الأولية، مثل النفط والمعادن، لأنها مدخلات إنتاج رئيسية.

على سبيل المثال، إذا ارتفع سعر النحاس، فإن الشركات التي تستخدمه في صنع منتجاتها قد تزيد أسعار سلعها. وإذا كان الطلب على المنتج مستقلا عن الطلب على النحاس، فإن الشركة ستنقل التكاليف المرتفعة للمواد الخام إلى المستهلكين، والنتيجة هي أسعار استهلاكية أعلى من دون أي تغيير في الطلب على المنتجات المستهلكة.

كما تؤثر الأجور في تكلفة الإنتاج، وعادة ما تكون أكبر حساب منفرد للشركات. فعندما يكون أداء الاقتصاد جيدا، ويكون معدل البطالة منخفضا، يمكن أن يحدث نقص في العمالة أو العمال، فتزيد الشركات الأجور لجذب المرشحين المؤهلين، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج في الشركة. وإذا رفعت الشركة الأسعار بسبب ارتفاع أجور الموظفين، يحدث تضخم ناجم عن ارتفاع التكاليف.

كذلك يمكن أن تؤدي الكوارث الطبيعية إلى ارتفاع الأسعار. فعلى سبيل المثال، إذا دمّر إعصار محصولا مثل الذرة، يمكن أن ترتفع الأسعار عبر الاقتصاد، نظرا لاستخدام الذرة في العديد من المنتجات.

وكذلك، فإن اختلال سلاسل الإمداد الغذائية، كما يحصل الآن بسبب الحرب في أوكرانيا، يساهم بقوة في دفع معدلات التضخم حول العالم، لا سيما في الدول المستهلكة للمحاصيل ومصادر الطاقة المستوردة من روسيا وأوكرانيا.

التضخم الناتج من الطلب

في جانب آخر، يمكن أن يحدث التضخم الناتج من الطلب Demand-pull inflation بسبب طلب المستهلكين القوي على منتج أو خدمة ما. وعندما تكون هناك زيادة في الطلب على مجموعة واسعة من السلع في الاقتصاد، تميل أسعارها إلى الارتفاع.

وفي حين أن هذا الأمر لا يمثل في كثير من الأحيان مصدر قلق للاختلالات قصيرة الأجل بين العرض والطلب، يمكن أن يتردد صدى الطلب المستمر في الاقتصاد ويرفع تكاليف بقية السلع، والنتيجة هي تضخم يسببه الطلب.

وتميل ثقة المستهلك إلى الارتفاع عندما تكون البطالة منخفضة والأجور في ارتفاع، مما يؤدي إلى زيادة الإنفاق. وللتوسع الاقتصادي تأثير مباشر على مستوى الإنفاق الاستهلاكي في الاقتصاد، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الطلب على المنتجات والخدمات.

ومع زيادة الطلب على سلعة أو خدمة معينة، ينخفض العرض المتاح. فعندما يتوفر عدد أقل من العناصر، يكون المستهلكون على استعداد لدفع المزيد للحصول على السلعة، والنتيجة تضخم محقق بسبب الطلب.

والشركات، بدورها، تلعب دورا في التضخم، خاصة إذا كانت تصنع منتجات تحظى بشعبية واسعة النطاق. فيمكن للشركة أن ترفع الأسعار لمجرد أن المستهلكين على استعداد لدفع مبلغ أعلى.

ترفع الشركات أيضا الأسعار بحُرّية عندما تكون السلعة المعروض للبيع شيئا يحتاجه المستهلكون في حياتهم اليومية، مثل النفط والغاز. ومع ذلك، فإن الطلب من المستهلكين هو الذي يوفر للشركات النفوذ الكافي لرفع الأسعار.

سوق الإسكان تساهم في دفع التضخم

وقد شهد سوق الإسكان في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، صعودا وهبوطا على مر السنين. وإذا كان الطلب عاليا على المنازل، لأن الاقتصاد يشهد توسعا، فسترتفع أسعار المساكن، فيؤثر الطلب أيضا على المنتجات والخدمات الإضافية التي تدعم قطاع البناء والتشييد.

ولذلك، قد تشهد منتجات البناء، مثل الخشب والصلب، وكذلك المسامير المستخدمة في المنازل، زيادات في الطلب ناتجة من ارتفاع الطلب على المنازل.

السياسة المالية التوسعية من أسباب التضخم

يمكن للسياسة المالية التوسعية التي تنتهجها الحكومات أن تزيد دخل الشركات والمستهلكين. فإذا خفضت الحكومة الضرائب، قد تنفقها الشركات على تحسين رأس المال أو تعويض الموظفين أو التعيينات الجديدة. كما يمكن للمستهلكين شراء المزيد من السلع أيضا.

أيضا، يمكن للحكومة تحفيز الاقتصاد من خلال زيادة الإنفاق على مشاريع البنية التحتية. فيمكن أن تكون النتيجة زيادة في الطلب على السلع والخدمات، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.

والسياسة النقدية التوسعية للبنوك المركزية يمكن أن تخفض أسعار الفائدة، إذ يمكن لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، مثلا، خفض تكلفة إقراض البنوك، مما يسمح لها بإقراض المزيد من الأموال للشركات والمستهلكين، فتؤدي زيادة الأموال المتاحة في جميع مناحي الاقتصاد إلى زيادة الإنفاق والطلب على السلع والخدمات.

ماذا تعرف عن مقاييس التضخم؟

ثمة عدد قليل من المقاييس المستخدمة لقياس معدل التضخم في العالم الآن، ومن أشهرها "مؤشر أسعار المستهلك" CPI، الذي يقيس أسعار سلة من السلع والخدمات في الاقتصاد، بما في ذلك الطعام والسيارات والتعليم والترفيه.

وهناك مقياس آخر للتضخم هو "مؤشر أسعار المنتجين" PPI الذي يوضح تغيرات الأسعار التي تؤثر على المنتجين المحليين.

ويقيس مؤشر أسعار المنتجين أسعار الوقود والمنتجات الزراعية (اللحوم والحبوب) والمنتجات الكيميائية والمعادن. وإذا ارتفع السعر، بحيث أدى إلى انتقال مؤشر أسعار المنتجين إلى المستهلكين، فسوف ينعكس ذلك في "مؤشر أسعار المستهلك".

من يستفيد من جموح التضخم؟

"مصائب قوم عند قوم فوائد"، مثل قديم يمكن تطبيقه هنا بالضبط. ففي حين أن المستهلكين لا يستفيدون غالبا من التضخم، يمكن للمستثمرين الاستمتاع بهذه الظاهرة إذا كانوا يمتلكون أصولا في الأسواق المتأثرة بالتضخم.

على سبيل المثال، قد يشهد أولئك الذين يستثمرون في شركات الطاقة ارتفاعا في أسعار أسهمهم إذا كانت أسعار الطاقة ترتفع.

وتجني بعض الشركات ثمار التضخم إذا كان بإمكانها فرض رسوم أعلى على منتجاتها نتيجة لزيادة الطلب على سلعها. وإذا كان أداء الاقتصاد جيدا والطلب على الإسكان مرتفعا، يمكن لشركات بناء المنازل فرض أسعار أعلى لبيع المنازل.

بكلام آخر، يمكن للتضخم أن يزوّد الشركات بقوة تسعير ويزيد هوامش ربحها. وإذا ارتفعت هوامش الربح، فهذا يعني أن الأسعار التي تفرضها الشركات على منتجاتها تزداد بمعدل أسرع من الزيادات في تكاليف الإنتاج.

أيضا، يمكن لأصحاب الأعمال حجب الإمدادات عن السوق عمدا (من باب الاحتكار)، مما يسمح للأسعار بالارتفاع إلى مستوى مناسب. لكن يمكن أن تتضرر الشركات أيضا من التضخم إذا كان نتيجة لارتفاع تكاليف الإنتاج، إذ تتعرض الشركات للخطر إذا لم تتمكن من نقل التكاليف المرتفعة إلى المستهلكين من خلال الأسعار المرتفعة.

المساهمون