"ميثاق مالي عالمي جديد" في باريس.. محاولة لإعادة تشكيل النظام الاقتصادي

22 يونيو 2023
تمدد الفقر في كينيا (Getty)
+ الخط -

دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس إلى "صدمة تمويل عام" لمواجهة الفقر واحترار المناخ، أمام حوالى أربعين رئيس دولة وحكومة مجتمعين في باريس، لمحاولة إعادة صياغة النظام الاقتصادي العالمي.

وقال ماكرون خلال افتتاح قمة "ميثاق مالي عالمي جديد" في باريس التي تستمر يومين، إن الدول "لا ينبغي أن توضع أمام خيار محاربة الفقر أو مكافحة تغير المناخ"، مضيفاً: "علينا أن نحدث صدمة تمويل عام، ونحتاج إلى المزيد من التمويل الخاص".

وأشار إلى أنه من دون "تغيير النظام برمته، يمكننا أن نجعله يعمل بشكل أفضل بكثير إذا وظّفت هذه الأموال وهذه السيولة في خدمة تقدم الكوكب وهذا التحدي المزدوج الذي ذكرته، الفقر والمناخ، والتنوع البيولوجي".

وأكد الرئيس الفرنسي أمام رؤساء الدول والحكومات، وبينهم عدد من الأفارقة، قائلاً: "هذه القمة هي قمتكم، أنتم الذين تقفون على خط المواجهة" في مكافحة تغير المناخ وتزايد الفقر وعدم المساواة. وتعهد أن يكون "هذا الاتفاق المالي الجديد أكثر احتراماً لسيادة" كل الدول.

من جهتها، دعت الناشطة الأوغندية الشابة فانيسا ناكاتي، رؤساء الدول والحكومات إلى التزام دقيقة صمت، تكريماً "لجميع الذين يعانون والجياع والمشردين والذين يتركون المدرسة".

كذلك، دعت إلى "التخلص بطريقة عادلة من الوقود الأحفوري"، منتقدة بشكل مباشر أرباح شركات النفط الغربية. وقالت: "الوعود الكاذبة تكلف أرواحاً".

إعادة هيكلة الديون

وتتزامن محادثات باريس مع تسبب جائحة فيروس كورونا والحرب في أوكرانيا وأزمة الديون العالمية في انخفاض متوسط الأعمار المتوقعة، وزيادة معدلات الفقر في معظم البلدان حول العالم، بحسب ما أفاد به برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

وتأتي قمة باريس في أعقاب خطة أيدتها ميا موتلي، رئيسة وزراء جزيرة باربادوس، لتسهيل وصول التمويل إلى البلدان المعرضة للتأثر بالمناخ.

وقالت موتلي وغيرها من المؤيدين إن البلدان النامية مجبرة على دفع معدلات فائدة عالية لدرجة تجعلها تعاني لتمويل مشاريع التكيف مع التغير المناخي، مثل الجدران البحرية أو مبادرات الطاقة الخضراء، كمزارع الطاقة الشمسية الكبيرة، أو تسديد مدفوعات على القروض المستحقة عندما تضربها الكوارث المناخية. ويخشى النشطاء ألّا تلبي المحادثات التوقعات.

وإن كان من المستبعد أن تفضي المحادثات الجارية في قصر برونيار في وسط باريس إلى قرارات ملموسة، إلا أنها تستفيد من ثقل الضيوف المشاركين، وبينهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا والمستشار الألماني أولاف شولتز ووزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين.

وفي خطاب ألقته يلين صباح الخميس في باريس، تعهدت بأن تضغط واشنطن من أجل أن يشارك دائنو الدول الفقيرة والنامية في مفاوضات لإعادة هيكلة ديونها.

كذلك، تشارك الصين من خلال رئيس وزرائها لي تشيانغ والسعودية ممثلة بولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ويشارك أيضاً في القمة الرئيس الكيني وليام روتو، بالإضافة إلى نحو عشرين زعيماً أفريقياً رفع العديد منهم الصوت أخيراً ضد الدول الغنية التي تضخ المليارات لدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا.

ما وراء بريتون وودز

من جهتها، قالت إستير دوفلو، الحائزة جائزة نوبل في الاقتصاد خلال مقابلة مع وكالة "فرانس برس": "تفرض كلفة باهظة على أفقر البلدان من خلال الطريقة التي نقرر أن نعيش بها اليوم".

والهدف من القمة تجديد الهيكل المالي الدولي المنبثق من اتفاقات بريتون وودز في عام 1944 مع إنشاء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

وتقول الدول النامية إن الحصول على تمويل من المؤسستين صعب، في حين أن حاجاتها هائلة لمواجهة موجات الحر والجفاف والفيضانات، وأيضاً للخروج من الفقر، مع التخلص من الوقود الأحفوري والحفاظ على الطبيعة.

ومن أجل تحقيق ذلك، سيتعين على الدول النامية، باستثناء الصين، إنفاق 2400 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2030، وفق تقديرات مجموعة من الخبراء تحت رعاية الأمم المتحدة، وكذلك زيادة إنفاقها على الوقود غير الأحفوري من 260 ملياراً إلى حوالى 1,9 تريليون دولار سنوياً على مدى العقد، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.

ومن بين الطروحات العديدة التي تُناقش، تكتسب فكرة فرض ضريبة دولية على انبعاثات الكربون من النقل البحري زخماً. ويتحدّث قادة العالم عن ضرائب أخرى، ولكن أيضاً عن إصلاحات مؤسسية وإعادة هيكلة ديون الدول الفقيرة وتعزيز دور القطاع الخاص.

وستوضع الدول الغنية في مواجهة وعدها بتقديم 100 مليار دولار سنوياً لمساعدة الدول الفقيرة في مواجهة احترار المناخ. وهو وعد يفترض أن يُوفى به هذا العام، بعد ثلاث سنوات من التأخير، وهو ما أدى إلى تراجع عميق في الثقة بين الشمال والجنوب.

وأشار هارجيت سينغ من منظمة "كلايمت أكشن نتوورك" إلى أن هذا المبلغ يبدو سخيفاً، لكن "التمويل العام هو البذرة التي ستثمر تريليونات".

وستُدعى مصارف التنمية متعددة الأطراف أيضاً إلى تقديم المزيد من القروض، بعد أشهر قليلة من إعلان البنك الدولي تقديم 50 مليار دولار على مدى عشر سنوات.

ونبه هارجيت سينغ، رئيس قسم الاستراتيجية السياسية العالمية في شبكة (كلايمت أكشن نتوورك)، إلى أن "النظام المالي الحالي لا يحتاج فقط إلى ضمادة، بل إلى تدخل جراحي مكثف". وأضاف: "هناك بعض الأفكار الجيدة مطروحة على الطاولة، ولكن يجب أن أقول إنها ليست كافية حقاً".

وأكد منظمون فرنسيون أن قمة باريس ليس لها تفويض لاتخاذ قرارات رسمية، لكنها تهدف لإعطاء دفعة سياسية قوية للقضايا الرئيسية التي ستناقش في مؤتمرات المناخ المقبلة، بالإضافة إلى اجتماعات دولية أخرى.

"نطالب بإلغاء الديون، وتمويل العمل المناخي، ولا سيما تدابير التكيف ومعالجة الخسائر والأضرار"، بحسب ما قاله سينغ، مشيراً إلى قضية الملوثين الذين يدفعون ثمن آثارهم المناخية.

(فرانس برس، العربي الجديد)

المساهمون