بينما تُعِدّ مجموعة السبع لعقد قمة طارئة تستضيفها لندن اليوم الثلاثاء، عبر"الفيديو كونفرانس" لاتخاذ موقف بشأن مستقبل التعامل مع "طالبان" بعد بسط سيطرتها على البلاد، تعمل الحركة على تشكيل الحكومة الجديدة وسط معارضة من بعض الأقاليم وظروف مالية خانقة بالبلاد.
وحسب تقارير واردة الإثنين من كابول، فإن المصارف لا تزال تواصل إغلاق أبوابها، كما تتوقف الحوالات المالية التي كانت تعتمد عليها الأسر في المعيشة وترسل إليها من ذويها المغتربين في أوروبا وأميركا والخليج.
ويرى محللون أن "طالبان" في حاجة ماسة لبناء علاقات تعاون مع الدول الغربية حتى تتمكن من الحصول على الشرعية الدولية التي تسمح لها بفك الأموال المجمدة في الخارج، وعودة المساعدات الإنسانية ومعونات المؤسسات الدولية المجمدة.
وبدون ذلك سيكون من الصعب فتح البنوك في كابول وتسيير الحياة المعيشية للمواطنين في بلد يعد الأفقر في العالم تتوقف فيه حركة الطيران التجاري المهم لنقل المساعدات الطارئة. وقالت منظمات العون الإنساني، يوم الأحد، إن تعليق الطيران التجاري إلى أفغانستان سيقود إلى مزيد من المعاناة للمواطنين، إذ يعني ذلك سد السبل أمام توصيل المعونات الغذائية والأدوية للبلاد.
ويعيش ثلثا سكان أفغانستان تحت خط الفقر ويقل دخل المواطن عن 1.9 دولار في اليوم، حسب بيانات بنك التنمية الآسيوي، كما لا يتجاوز الناتج المحلي للبلاد 22 مليار دولار في أفضل التقديرات، وبالتالي يرى محللون أنه سيكون من الصعب على حركة طالبان إدارة الاقتصاد دون بناء علاقات مع القوى الغربية، وربما تتعرض البلاد لكارثة إنسانية، في حال إقرار القمة الطارئة لمجموعة السبع التي ستعقد اليوم في لندن، حظراً مالياً دولياً ومواصلة تجميد الأرصدة المالية التي تملكها أفغانستان في الخارج.
وتعد الزراعة المصدر الرئيسي للدخل لسكان أفغانستان، ولكنها لا تزال تتم بطرق بدائية ووفق الاقتصاد الاكتفائي والمقايضة بين المزارعين وتجار المدن. وتقدر منظمة التجارة العالمية حجم الصادرات الأفغانية السنوية بنحو 783 مليون دولار في العام الماضي 2020. وفشلت الولايات المتحدة خلال قرابة 20 عاماً من التواجد العسكري في أفغانستان وسيطرتها على الحكم في بناء اقتصاد حديث أو تطوير أسواق البلاد.
وتعد الأسواق الرئيسية المفتوحة أمام حركة التجارة مع أفغانستان حتى الآن هي معابر باكستان وتركمانستان وإيران. وعانت كابول منذ دخول "طالبان" إلى قصر الرئاسة من ارتفاع أسعار الوقود ومعدل التضخم وعدة أزمات في الحصول على الاحتياجات الغذائية وسط إغلاق المتاجر وغلاء الأسعار.
لكن يبدو أن الحكومة الإيرانية تتدخل لحل أزمة الوقود، وحسب "رويترز" أعلن اتحاد المصدرين الإيرانيين، الإثنين، أن طهران استأنفت تصدير النفط والغاز إلى أفغانستان قبل بضعة أيام. وأوضح الاتحاد، أنه تم استئناف تصدير النفط والغاز، بناء على رسالة بعثتها "طالبان" المحظورة في روسيا، الأسبوع الماضي إلى إيران، تطلب فيها مواصلة تصدير البنزين وزيت الغاز إلى أفغانستان لمواجهة ارتفاع أسعار الوقود. وأظهرت وثيقة، اطّلعت عليها "رويترز" أن "طالبان" قررت تخفيض الرسوم بنسبة تصل إلى 70% على الوقود المستورد من إيران وبقية دول الجوار.
وحسب ما رشح عن قمة السبع الطارئة التي ستعقد اليوم في لندن، فإن بريطانيا تعتزم حثّ زعماء العالم على النظر في فرض عقوبات جديدة على "طالبان" في الاجتماع. وقال مسؤول حكومي بريطاني، الأحد، إن بريطانيا تعتقد أنّ على مجموعة السبع بحث فرض عقوبات اقتصادية، ووقف المساعدات إذا ارتكبت "طالبان" انتهاكات ضد حقوق الإنسان، وسمحت باستخدام أراضيها ملاذاً آمناً للمتشددين.
وقال رئيس الوزراء بوريس جونسون، على "تويتر" الأحد: "من الضروري أن يتعاون المجتمع الدولي لضمان عمليات إجلاء آمنة ومنع حدوث أزمة إنسانية ودعم الشعب الأفغاني، حفاظاً على مكاسب السنوات العشرين الماضية".
وتحتاج "طالبان" بشدة لاعتراف دولي بشرعيتها حتى تتمكن من تسيير الاقتصاد الأفغاني الذي يعاني من شح الدولارات. وقال محافظ البنك المركزي السابق في أفغانستان، أجمل أحمدي، لقناة "سي إن إن" السبت، إنّ "الأموال بالعملات الصعبة المتاحة لطالبان ضئيلة جداً وتتراوح بين واحد و2% من إجمالي الاحتياطات الدولية التي تملكها البلاد ومجمدة لدى البنوك الأميركية".
وتقدر هذه الاحتياطات الأفغانية المجمدة بنحو 9 مليارات دولار، وهو ما يعني أن الأموال المتاحة لـ"طالبان" تتراوح بين 90 و180 مليون دولار فقط. وقال أحمدي في تعليقات للقناة الأميركية، إن أكبر التحديات التي تواجهها "طالبان" هي نفاد الدولارات في البلاد، خصوصاً أنّ الاقتصاد الأفغاني يعاني من ارتفاع العجز التجاري.
ويعتمد الاقتصاد الأفغاني على التعامل بالنقد، وهو ما يعني توقف حركة السوق. ويقول محللون إن بعض تجار كابول فروا من البلاد بما يملكونه من دولارات للخارج، وبالتالي فإن توقف شحنات الدولارات الأميركية سيكون حاسماً لتسيير حركة السوق على المدى القصير وإلى حين تمكّن الحركة من ترتيب علاقاتها التجارية مع دول مثل الصين وروسيا.
وتوقع أحمدي، أن تتجه حكومة "طالبان" إلى وضع قوانين للحد من تجارة العملات الصعبة خلال الفترة المقبلة حتى توقف انهيار العملة المحلية "أفغاني"، لكن ذلك ربما ينعش السوق السوداء وعمليات التهريب بالبلاد.