قمة السبع تواجه أزمات الطاقة والغذاء وجدوى العقوبات ضد موسكو

24 يونيو 2022
أولاف شولتز يواجه ارتدادات العقوبات الغربية على أوروبا (Getty)
+ الخط -

تواجه مجموعة السبع الصناعية الكبرى التي تعقد قمتها في مدينة ألما الألمانية في عطلة الأسبوع الجاري مجموعة كبيرة من التحديات وسط التقدم الملحوظ للقوات الروسية في أوكرانيا، وفشل العقوبات الاقتصادية الغربية على موسكو في تحقيق أهدافها، وأخطار الحفاظ على "النظام العالمي" الذي تهيمن عليه واشنطن وحلفاؤها في أوروبا وسط تزايد التحالف بين موسكو وبكين ومخاوف خسارة المعركة مع روسيا في أوكرانيا.

وحسب فرانس برس، أعلن مسؤول كبير في البيت الأبيض الأربعاء، أنّ المجموعة ستقدّم في قمّتها المرتقبة "مجموعة مقترحات ملموسة لزيادة الضغط على روسيا ولإظهار دعمنا الجماعي لأوكرانيا". ولفت المسؤول إلى أنّ ملفّ موارد الطاقة التي ارتفعت أسعارها بقوة في العالم بأسره سيكون "في صلب المحادثات" التي سيجريها قادة الدول السبع في القمة.

ونفذت القوى الغربية منذ بداية الغزو الروسي على أوكرانيا عقوبات شاملة وشرسة على موسكو، شملت التمويل والطاقة والصادرات والواردات والسفر الجوي والشخصيات القريبة من الرئيس فلاديمير بوتين والكرملين. وكانت تلك القوى تعول على هذه العقوبات وتأمل في تحقيق هدفين منها، وهما، تجفيف منابع تمويل الآلة العسكرية الروسية وبالتالي إجبار الحكومة الروسية على التراجع عن الحرب والانسحاب العسكري من أوكرانيا. أما الهدف الثاني فهو، إثارة غضب شعبي عارم ضد بوتين على أمل أن يؤدي الغضب إلى ثورة شعبية تقود إلى تغيير نظام الحكم في روسيا. ولكن هذه العقوبات الاقتصادية الغربية فشلت حتى الآن في تحقيق أهدافها لعدة أسباب.

على الصعيد الاقتصادي والسياسي، فإن نظام الحكم الأوتوقراطي في روسيا الذي يعتمد على شخصية الرئيس في صنع القرار السياسي والاقتصادي وبناء استراتيجيات الدولة، كما أوضح الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين القريب من بوتين في أكثر من لقاء، قللا من أهمية الاحتجاجات الشعبية ضده، كما أن بوتين يعتقد بقوة أنه يبني المجد الروسي لبلاده التي ظلمت في الماضي ويسترد حقوقا سلبها الغرب من بلاده وبالتالي يفترض ذلك التضحية من الشعب.

ثانياً، فإن طبيعة مكونات الاقتصاد الروسي الذي تعتمد عليه موسكو في الإنفاق يستند على صادرات الطاقة والغذاء والمعادن، وهي سلع استراتيجية للاقتصاد العالمي لا يمكن الاستغناء عنها، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها واستخدام بوتين لها كأسلحة في معركة احتلال أوكرانيا ضد القوى الغربية بدلاً من أن تكون أسلحة ضده.

في هذا الصدد، يرى تحليل في مركز "أتلانتيك كاونسل" الأميركي، كتبه كل من الخبير أندرياس آسلند والخبيرة ماريا سينغوفيا، أن"بوتين تمكن من إحكام قبضته على الشركات الروسية الرئيسية في قطاع الطاقة والزراعة والمعادن التي يعتمد عليها التمويل والإنفاق الحكومي". ويشير التحليل إلى أن"بوتين عين المقربين منه في إدارات هذه الشركات، وبالتالي أصبح الاقتصاد الروسي طوع رغباته ويخدم تعزيز سلطته وأهدافه الجيوسياسية".

أما العامل الثاني فهو اعتماد بوتين على التحالف مع الرئيس الصيني شي جين بينغ الذي يقود ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وقادر على امتصاص كل ما يحظره الغرب من السلع الاستراتيجية، ولدى الصين طموحات متوافقة مع موسكو في بناء "نظام عالمي" بديلاً للنظام العالمي القائم على واشنطن. وبالتالي فإن ما يحظره الغرب من صادرات روسية تستوردها الشركات الصينية وشركات دول تواجه صعوبات اقتصادية مثل الهند.

وتتمثل أزمة العقوبات الغربية على الطاقة الغربية في عدم وجود بدائل كافية لتعويض الأسواق العالمية والأوروبية تحديداً عن النفط والغاز المستورد من روسيا، كما أن أسعار الطاقة المرتفعة ضاعفت من موارد موسكو المالية، وذلك إضافة إلى الحيل التي تستخدمها الشركات الروسية في تسويق خاماتها.

وحسب تقرير شركة "كيبلر" الأميركية التي تراقب حركة الناقلات النفطية، فإن روسيا استخدمت حاجة الدول للطاقة الرخيصة، في وقت تقل فيه الإمدادات ومنحت حسومات سعرية على خاماتها للمستهلكين في آسيا، وبالتالي كسرعقوبات الطاقة الغربية التي نفذتها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا على شركاتها.

ويشير تقرير كيبلر إلى أن الشركات الروسية منحت حسومات كبيرة على خام الأورال، وهو خام القياس الرئيسي للنفط الروسي، لكسب زبائن وتعويض خسائرها في مبيعات الأسواق الغربية، حيث بلغت الحسومات الروسية في المتوسط 37 دولاراً لبرميل الأورال مقارنة بسعر برنت. ولكن الشركة الأميركية تقول إن الحسومات انخفضت إلى 34 دولاراً يوم الاثنين الماضي.

وبالتالي فإن هذه الحسومات جذبت المشترين من الهند والصين لشراء النفط الروسي ودعمت الحكومة الروسية تجار النفط الآسيويين عبر شركات تأمين في روسيا ووشركات تامين مشتركة لنقل شحنات النفط الروسي وتفادي العقوبات الغربية. وتشير بيانات كيبلر إلى أن الشركات الهندية رفعت وارداتها من الخامات البترولية الروسية إلى مليون برميل يومياً، وهو ما يعني زيادة بنحو 25 ضعفاً مقارنة بمشترياتها قبل الحرب البالغة 30 ألف برميل يومياً.

وهذا المعدل من مشتريات الهند من الخامات الروسية يعوض موسكو عن نحو 25% من إجمالي مبيعاتها في أوروبا المقدرة بنحو 4 ملايين برميل يومياً من الخامات والمشتقات البترولية. وبحسابات بسيطة فإن الهند وحدها أفشلت العقوبات الغربية على النفط الروسي، ناهيك عن المشتريات الصينية. وربما يفسر ذلك تركيز واشنطن على دعوة الرئيس الهندي، ناريندرا مودي لقمة السبع في ألما بألمانيا في عطلة الأسبوع.

كما تعمل من جانبها شركة روسنفت الروسية على جذب المشترين عبر حيل أخرى إلى جانب الحسومات السعرية تتمثل في عدم مطالبة التجار بخطاب اعتماد مصرفي ومنح المشترين مهلة سداد لشهر كامل بعد تسلم الشحنات. وبالتالي فإن المشتري الهندي أوالصيني ربما لن يحتاج إلى تمويل بنكي لأنه سيتمكن من خلال هذه المهلة من بيع النفط ومشتقاته وتسديد الثمن.

على صعيد سلاح الغاز الطبيعي يقول تقرير نشره معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة البريطاني إن الدول الأوروبية ربما ستواجه أزمة في الغاز الطبيعي ستضطرها لزيادة استخدام الفحم الحجري في توليد الطاقة. وأمام خسارتها لجزء كبير من الغاز الروسي المستورد عبر الأنابيب ستعتمد  أوروبا بدرجة كبيرة على واردات الغاز المسال. ولكن حتى الآن لا تملك أوروبا البنية التحتية الكافية لمعالجة الغاز المسال حتى وإن توفرت الكميات.

ويقدر التقرير أن واردات الغاز المسال في دول الاتحاد الأوروبي بلغت في العام الماضي نحو 77 مليار متر مكعب، معظمها من الولايات المتحدة وقطر والجزائر وبعض الدول الأفريقية. وبإضافة تركيا وبريطانيا فإن إجمالي واردات أوروبا من الغاز المسال بلغت 108 مليارات متر مكعب، حسب تقرير معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة.

على صعيد سلاح الغذاء تواصل القوات الروسية محاصرة صادرات القمح الأوكراني والمنتجات الزراعية الأخرى مثل الزيوت والحبوب، وتهدد بمزيد من الضغط على إمدادات الغذاء العالمي واستخدامه ورقة ضغط على القوى الغربية في الحرب.

وحسب تقرير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، ضربت القوات الروسية مساء الأربعاء منصتين من منصات تصدير القمح الأوكراني تابعتين للولايات المتحدة في ميناء مايكوليف على البحر الأسود، كما تواصل القوات الروسية ضرب الجسور التي يستخدمها التجار والمزارعون في تصدير القمح عبر رومانيا.

ووفق التقرير، أدى الغزو الروسي حتى الآن إلى منع وصول 18 مليون طن متري من القمح الأوكراني إلى الأسواق العالمية. وبالتالي فإن موسكو تعمل عبر استراتيجية محاصرة القمح الأوكراني وتعزيز موقعها في إمدادات القمح العالمي تمهيداً لاستخدامه كسلاح فعال ضد العقوبات الغربية، وربما تتمكن موسكو من استخدام سلاح القمح في كسب مؤيدين في بعض دول العالم الفقيرة التي تحتاج بشدة للغذاء وتواجه مجاعات وسط غلاء الأسعار وعدم قدرتها المالية على تسديد أثمان الواردات بالعملات الصعبة، في وقت تزداد فيه قوة الدولار مقابل العملات في الدول الفقيرة والناشئة.

المساهمون