قمة "مجموعة السبع" تشدد العقوبات على موسكو وتضع الهند أمام خيارات صعبة

27 يونيو 2022
بدء اجتماعات قادة قمة السبع في ألمانيا وسط توتر أوروبي(Getty)
+ الخط -

بدأت اجتماعات قمة مجموعة السبع التي تضم الدول الصناعية والغنية الكبرى في العالم اجتماعاتها يوم الأحد في منتجع ألما في ألمانيا بتشديد العقوبات على روسيا، حيث أضافت حظر صادرات الذهب إلى قائمة العقوبات الغربية على موسكو.

وقال مسؤول أميركي في بداية الجلسة إن حظر الذهب يمثل ركيزة أساسية في العقوبات على الصادرات الروسية، إذ إنّ الذهب يمثل دخلاً للخزينة الروسية ويتيح لموسكو فرصة التجارة مع النظام المالي العالمي.

من جانبه، قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إنّه لا بد لزعماء العالم أن يدركوا أنّ هناك ثمناً لدعم أوكرانيا، يشمل ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء، لكن عليهم أيضاً إدراك أن ثمن السماح لروسيا بالفوز سيكون أعلى بكثير.
وفي حديثه في بداية قمة مجموعة السبع، الأحد، قال جونسون إنّه يتعين على الغرب الحفاظ على وحدته في مواجهة عدوان موسكو، وبالتالي فإنّ القمة ستدرس إلى جانب تشديد العقوبات على موسكو كيفية التعامل مع الدول التي تخرق العقوبات الغربية، وعلى رأسها الشركات الصينية والهندية.

حتى الآن من غير المعروف كيف ستتعامل مجموعة السبع مع الهند التي تعرقل إلى حد ما العقوبات الغربية على روسيا

وحتى الآن من غير المعروف كيف ستتعامل مجموعة السبع مع الهند التي تعرقل إلى حد ما العقوبات الغربية على روسيا، خصوصاً على صعيد زيادة وارداتها بنحو 25 ضعفاً من الخامات الروسية وتعوض بالتالي شركات الطاقة الروسية عن خسارتها للسوق الأوروبية.
ويرى الخبير الهندي بمركز أوبزيرفر فاونديشن للأبحاث الاقتصادية في نيودلهي، غواتام جيكرمان، أنّ الهند ربما تتعرض لعقوبات غربية بسبب عدم إدانتها الغزو الروسي على أوكرانيا وخرقها العقوبات الغربية.

وتحتمي الهند من العقوبات الغربية بمنظمة "بريكس" وهي منظمة فضفاضة لكنّها تضم 5 اقتصاديات كبرى، حيث تضم إلى جانب الصين وروسيا كلّاً من الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا. وعقدت المجموعة اجتماعاً يوم الخميس الماضي استبقت به اجتماع قمة السبع.

ويبدو أنّ القوى الغربية لا ترغب في استعداء الهند التي تدخرها للمواجهة في المستقبل مع الصين، خصوصاً وأنّ بريكس غير مؤثرة في صناعة السياسة العالمية منذ تكوينها في عام 2009.
في هذا الشأن، يقول نائب المدير العام بمعهد ويلسون الأميركي للدراسات في واشنطن، مايكل كوغلمان: "سيكون من الخطأ تجاهل أخطار مجموعة بريكس بسبب حجمها الاقتصادي الكبير".

يبدو أنّ القوى الغربية لا ترغب في استعداء الهند التي تدخرها للمواجهة في المستقبل مع الصين، خصوصاً وأنّ بريكس غير مؤثرة

وحسب معهد ويلسون فإنّ الحجم الاقتصادي لمجموعة بريكس يساوى 23 تريليون دولار، لكنّها غير فاعلة على الصعيد الدولي. وتعد الهند ثاني أكبر اقتصاد في المجموعة بعد الصين، إذ يبلغ حجم اقتصادها نحو 3 تريليونات دولار.

وعلى الرغم من أنّ الهند تعد من بين الدول الديمقراطية التي تعتمد النظام الرأسمالي في إدارة اقتصادها، إلا أن علاقاتها المتنامية مع روسيا تثير تساؤلات بين أعضاء مجموعة السبع، لدرجة أنّ بعض الدول ترددت في دعوتها لهذه القمة.

وتتخذ الهند حتى الآن موقفاً محايداً من الحرب الروسية على أوكرانيا، فهي ترفض إدانة موسكو وترفض كذلك تبني العقوبات الاقتصادية على روسيا، لكنّها في ذات الوقت ترغب في الحفاظ على علاقات ودية مع المعسكر الغربي خصوصاً واشنطن التي تدخرها لأيّ مواجهة محتملة مع الصين التي دخلت معها في حرب حدودية في عام 2020.

كذلك تتخوف الهند من ارتدادات موقفها المحايد على تجارتها مع الولايات المتحدة وأوروبا واحتمال تعرض شركاتها للحظر الثانوي الأميركي بسبب خرقها العقوبات الغربية.
في هذا الصدد، يقول الخبير الاستراتيجي بالمركز الأوروبي للعلاقات الخارجية فردريك غراير في تحليل إنّ "المسؤولين الأوروبيين غاضبون من موقف الهند المحايد من الغزو الروسي على أوكرانيا وعدم إدانتها الغزو".

ويرى غراير في تحليله أن الهند ترغب في كسب الدول الغربية وروسيا معاً دون تكبد خسائر، وهو أمر ربما يستحيل تحقيقه في ظلّ الظروف الحالية التي نشأت بسبب الحرب الأوكرانية، إذ إنّ نتيجة هذه الحرب سيكون لها تأثير كبير على مستقبل النظام السياسي والمالي والاقتصادي العالمي القائم حالياً، وربما لن تسمح واشنطن للهند بالاستمرار في شراء الكميات الكبيرة من النفط الروسي الذي ارتفع بنحو 25 ضعفاً إلى قرابة مليون برميل يومياً مقارنة بمعدله في العام الماضي.

المصالح التجارية
لدى الهند مصالح تجارية ضخمة مع كل من أميركا وأوروبا مقارنة بعلاقاتها التجارية الضعيفة مع روسيا، إذ تعد أميركا الشريك التجاري الأول للهند.

تتخوف الهند من ارتدادات موقفها المحايد على تجارتها مع الولايات المتحدة وأوروبا واحتمال تعرض شركاتها للحظر الثانوي الأميركي

وحسب بيانات وزارة التجارة الهندية الصادرة في نهاية مايو/ أيار الماضي، فإنّ أميركا أصبحت أكبر شريك تجاري للهند في العام المالي 2021 ــ 2022، إذ بلغ حجم تجارتها 119.42 مليار دولار.
إضافة إلى ذلك، فهناك عاملان يدعمان مخاوف الهند من ردة الفعل الغربية على علاقاتها مع روسيا، وهما أنّ نيودلهي تدخر علاقاتها مع واشنطن لأية مواجهة محتملة مع بكين. ويوجد عداء شديد وتوتر عسكري بين الصين والهند وصل إلى حد الاشتباك العسكري في عام 2020.

أما العامل الثاني فهو أنّ الهند تطمع في الحصول على الاستثمارات والتقنية الأميركية، وتعد منطقة صناعية لاستضافة شركات التقنية الأميركية التي بدأت هجرة من الصين وتبحث عن مقار جديدة لها في آسيا.

وتعد الهند من بين الدول المؤهلة لجذب شركات التقنية الأميركية المهاجرة من الصين، إذ إنّ لديها سوقاً ضخماً عدد المستهلكين فيها يقدر بأكثر من 1.4 مليار نسمة، وطبقة وسطى نامية وقوى عاملة مدربة. وهذه الميزات تغري الشركات الأميركية بالهجرة إليها بدلاً من دول آسيوية أخرى.
على صعيد علاقات التجارة مع أوروبا، فإن حجم التجارة بين الهند ودول الاتحاد الأوروبي يقدر بنحو 88.1 مليار يورو (حوالي 90 مليار دولار)، وفقاً لبيانات "يوروستات" التي تنشرها المفوضية الأوروبية. يضاف إلى ذلك أنّ حجم التجارة بين الهند وبريطانيا يقدر بنحو 50 مليار دولار.

وبالتالي، فإنّ إجمالي حجم التجارة بين الهند والكتل الثلاث الرئيسية في تحالف القوى الغربية يقدر بنحو 259 مليار دولار، وذلك مقارنة بالمصالح التجارية الضيقة بين الهند وروسيا البالغة 8.1 مليارات دولار فقط في عام 2021، وفقاً لبيانات وزارة التجارة الهندية.
وهذا الحجم لا يتجاوز نسبة 1.19 من إجمالي حجم التجارة الهندية المقدر بنحو تريليون دولار.

الهند من بين الدول المؤهلة لجذب شركات التقنية الأميركية المهاجرة من الصين، إذ إنّ لديها سوقاً ضخماً عدد المستهلكين فيها يقدر بأكثر من 1.4 مليار نسمة

ولذا يثار السؤال لماذا تغامر الهند باتخاذ موقف يغضب القوى الغربية في الحرب الروسية على أوكرانيا؟
للإجابة عن هذا السؤال، يرى الخبير الاستراتيجي بمركز العلاقات الخارجية غراير أنّ الهند ومنذ الحرب الباردة في الستينيات من القرن الماضي كانت تربطها علاقات قوية مع روسيا، وتعتمد عليها بدرجة رئيسية في التسليح، كما أنّها كانت تعتبر العلاقات العسكرية مع روسيا ركيزة أساسية لمقاومة الهيمنة الصينية في آسيا. وبالتالي فإن معظم بنيتها العسكرية تشكلت من السلاح الروسي، خاصة سلاح الجو الهندي ونظم الصواريخ "إس ـــ 400".

ووفق محللين فإن هذه العلاقات تجعل نيودلهي في موقف عسكري ضعيف جداً في حال خسرت روسيا، كما أنّها تدرك أنّ التحول العسكري من روسيا إلى الأسلحة الأميركية سيأخذ وقتاً.

أما على الصعيد الطاقة، فإنّ الهند من كبار الدول المستوردة للطاقة في وقت ترتفع فيه أسعار الخامات البترولية والغاز الطبيعي.

وبالتالي فإن شركاتها تستفيد حالياً من مشتريات الخامات النفطية الروسية الرخيصة الباحثة عن أسواق لتعويض خسارة السوق الأوروبي، ولذا فهي تحصل على حسومات كبرى من الشركات الروسية.

وتشير بيانات نشرتها شركة كيبلر الأميركية التي تراقب حركة الناقلات النفطية إلى أن الشركات الهندية تحصل على حسومات تصل إلى 37 دولاراً لبرميل خام الأورال الروسي مقارنة بسعر خام برنت.
وتشجع الحكومة الهندية التي تعاني من انهيار سعر صرف الروبية مقابل الدولار الشركات على الاستفادة من هذه الحسومات وشراء أكبر كميات ممكنة من النفط الروسي.

المساهمون