على حكومات الدول الكبرى المستوردة للقمح أن تضع يدها على قلبها من الآن استعدادا للتعامل مع القفزات الحالية والمتوقعة في أسعار القمح والحبوب في أسواق العالم، والتي تستنزف جزءا مهما من إيرادات الدولة من النقد الأجنبي، خاصة في دولة مثل مصر التي تصنف أنها أكبر دولة مستورد للقمح على مستوى العالم، حيث تستورد نحو 5.3% من إجمالي القمح المستورد عالميا، وتبلغ قيمة وارداتها من القمح ما يقرب من خمسة مليارات دولار سنويا، إذ تستورد ما يزيد عن تسعة ملايين طن، في حين ترتفع القيمة إلى نحو 18 مليار دولار تمثل كلفة واردات الدولة من الأغذية والمحاصيل الزراعية بما فيها الزيوت النباتية، التي تصنف مصر أيضا أنها من أكبر مستورديه عالميا، وكذا اللحوم والعدس والأرز والألبان والفول والسكر والأجبان وغيرها. كما يمثل الغذاء 21% من إجمالي الواردات المصرية من الخارج.
وكذا الحال ينطبق على كل من الجزائر والمغرب اللذين يحتلان الرقمين السادس والثامن في قائمة أكبر 10 دول مستوردة للقمح في العالم، وبحجم كميات ضخمة تبلغ ثلاثة ملايين طن في دولة نفطية وزراعية مثل الجزائر ذات الكثافة السكانية.
على الدول العربية المستوردة للحبوب الاستعداد مبكراً لمواجهة هذا التحدي الغذائي والمالي المقبل
كما تمتد الأزمة إلى دول عربية أخرى تستورد القمح بكميات ضخمة مثل اليمن والسودان وتونس والأردن والعراق وسورية وليبيا، وكذا السعودية والإمارات، حيث إن أي زيادة في سعر القمح والحبوب والأغذية تمثل مشكلة لبعض موازنات هذه الدول التي تعاني معظمها من ندرة في النقد الأجنبي باستثناء الدول النفطية ذات الفوائض المالية والصناديق السيادية الكبرى.
وخلال الفترة الماضية، سجلت أسعار القمح في الأسواق الدولية أعلى مستوى لها في 10 أشهر، وزادت أسعار القمح عالمياً بنسبة 20% منذ بداية إبريل/ نيسان الماضي، فارتفعت التكاليف على التجار والمستوردين، وقفزت أسعار محصول قمح البحر الأسود الجديد المعروض في آسيا إلى نحو 300 دولار للطن المتري، بما في ذلك التكلفة والشحن، لشحن يوليو/ تموز.
وفي مصر، بلغ سعر القمح الروسي الذي يحتوي على نسبة بروتين 12.5% إلى نحو 13 ألف جنيه (275.89 دولاراً) للطن، ارتفاعاً من نحو 11500 جنيه قبل شهر وبزيادة 1500 جنيه. وفي ظل قفزات الأسعار تلك، امتنع التجار والقطاع الخاص في العديد من الدول عن استيراد القمح، وهو ما يشكل عبئا على الأسواق والمستهلك والمخزون الاستراتيجي للدول من السلع الغذائية، ويزيد المخاوف المتعلقة بشح الإمدادات في حال إقدام واحدة من الدول الكبرى المنتجة للغذاء على وضع قيود على صادراتها الغذائية كما حدث خلال أزمة كوفيد 19.
التوقعات تشير إلى أن أسعار القمح ستواصل الارتفاع خلال الفترة المقبلة لأسباب عدة من أبرزها استمرار الحرب المستعرة في أوكرانيا، والهجمات الروسية على البنية التحتية الزراعية في أوكرانيا بما فيها مخازن القمح، والطقس الجاف في كبرى الدول المنتجة ومنها الولايات المتحدة وأستراليا، وارتفاع الرطوبة في دول غرب أوروبا وتضرر نمو المحاصيل الشتوية فيها، وزيادة موجة الجفاف التي تسود منطقة البحر الأسود المنتجة للحبوب حيث يعاني محصول القمح الروسي من نقص الرطوبة بسبب زيادة درجات الحرارة لأسابيع، ونقص الأمطار، وتأثرت مساحات واسعة من مناطق زراعة القمح في أوكرانيا بالجفاف خلال الأسابيع الماضية، ما دفع التجار والمؤسسات المعنية بتجارة الحبوب لخفض توقعاتهم للحصاد وإنتاجية المحصول هذا الموسم.
ربما يندفع المواطن إلى إلى الشارع احتجاجاً في حال معالجة الحكومات الأزمة على حسابه بزيادة أسعار الخبز والدقيق
في ظل تلك التوقعات، فإن على الدول العربية المستوردة للحبوب الاستعداد مبكرا لمواجهة هذا التحدي الغذائي والمالي المقبل، فزيادة أسعار القمح تعني زيادة الضغوط التضخمية على أسواق تلك الدول، واستنزاف مواردها من النقد الأجنبي والضغط على عملاتها المحلية. وربما تدفع المواطن إلى الخروج إلى الشارع للتظاهر في حال معالجة الحكومات الأزمة على حسابه عبر زيادة سعر الخبز والدقيق.