استمع إلى الملخص
- في 2017، دعمت تركيا قطر خلال الحصار الخليجي، مما عزز التحالف بينهما عبر الدعم الاقتصادي والعسكري وافتتاح قاعدة الريان العسكرية.
- تسعى الدولتان لتعزيز التعاون الاقتصادي عبر اتفاقية التجارة الشاملة وزيادة التبادل التجاري، حيث تبلغ الاستثمارات القطرية في تركيا أكثر من 32 مليار دولار، وسط سعي تركيا لتحقيق استقرار اقتصادي.
لم تصب التوقعات، إن لم نقل خابت، بتراجع العلاقات، الاقتصادية خاصة، بين تركيا وقطر، جراء انفتاح تركيا وتوسيع علاقاتها العام الماضي مع دول عدة، خليجية وإقليمية، بعد أن كان التفاهم بين الدوحة وأنقرة على احترام السيادة والبحث عن المصالح لكلا البلدين عنوان العلاقات.
ورغم أن البلدين أسسا منذ عام 2014 لعلاقات الديمومة، من خلال اللجنة الاستراتيجية العليا، بيد أن حدثين ربما زادا تعميق العلاقات وتخطيها الشكل النمطي للجان أو الاتفاقات التي عادة ما تأخذ الشكل البروتوكولي.
الأول وقوف الدوحة الذي لا ينسى، إعلامياً وسياسياً واقتصادياً، إلى جانب أنقرة خلال الانقلاب الفاشل في 15 يوليو/تموز 2016، فإضافة لموقف أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني بكونه أول من استنكر الانقلاب من قادة العالم، جاء دور الإعلام القطري المؤيد للدولة التركية ضد الانقلابيين، على عكس الإعلام العربي الذي سقّط الدولة ونسج حكايات وسمت مصداقيته بالسواد حتى اليوم، لتستمر الدوحة بدعمها الاقتصادي، بعد الانقلاب، عبر استثمارات وإيداع بالمركزي لتدعم الليرة التي تهاوت بنحو 4% ليلة الانقلاب وتخطى الدولار حاجز 3 ليرات.
أما الحدث الثاني الذي أخذ العلاقات إلى أبعد من التقليدي والنفعي، وما يمكن وصفه برد الجميل التركي، فكان يوم حصار قطر، في يونيو/ حزيران 2017 من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، فقد وقفت تركيا موقف الحليف، اقتصاديا وتجاريا وسياسيا وحتى عسكريا، حيث بنت جسرا جويا مع الدوحة، وسرّعت خطوات افتتاح قاعدة الريان ووقفت إلى جانبها في المحافل الدولية، من دون أي تخل أو تراجع رغم استعداء دول خليجية لتركيا جراء موقفها، وذلك حتى الرابع من يناير/كانون الثاني من عام 2021، وقت وقعت دول الحصار مع قطر بيان قمة العلا في السعودية، والذي عُدَّ إيذانا بكسر الحصار المفروض، وإشارة إلى مصالحة خليجية خليجية بعد سنوات من الأزمة.
وتتالت مواقف كثيرة تدلل على اختلاف طبيعة العلاقة بين البلدين، ربما بإقامة قطر الجسر الجوي للمساعدات خلال الزلزال الذي ضرب تركيا في فبراير/ شباط العام الماضي، كما بوقوف تركيا، وعلى الصعد كافة، إلى جانب قطر خلال استضافتها مونديال كأس العالم بكرة القدم عام 2022، مثال آخر.
قصارى القول: يزور أمير قطر والوفد المرافق أنقرة لبحث شؤون المنطقة مع الرئيس التركي وسبل تعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي، بعدما وقع البلدان، خلال تسعة اجتماعات، على 111 اتفاقية خلال جولات اللجنة الاستراتيجية العليا، منذ تأسيسها في ديسمبر/ كانون الأول 2014 والمتوقع أن يوقع البلدان اليوم، خلال الاجتماع العاشر للجنة الاستراتيجية العليا، على اتفاقات جديدة ووضع الاتفاقات الموقعة على سكة التنفيذ، لتحويل العلاقات إلى مصيرية يعتد بها ركيزةً لاستقرار المنطقة المقبلة على تحولات جيوسياسية خطرة وأفق مفتوح على جميع الاحتمالات، بعد تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهامه الرئاسية في يناير المقبل.
ولأن الاقتصاد هو وجه السياسة الآخر، بل والمحرك لها، يؤثر البلدان إدخال اتفاقية التجارة الشاملة حيز التنفيذ، لتضاف إلى حجم تبادل يقترب من 1.5 مليار دولار وطموح بوصوله لخمسة مليارات دولار واستثمارات قطرية بتركيا تزيد عن 32 مليار دولار عبر 200 شركة تقابلها أكثر من 770 شركة تركية تعمل في قطر.
وربما تبدو الحاجة التركية إلى قطر أكثر هذه الفترة، بواقع تراجع سعر الصرف وارتفاع نسبة التضخم، والآمال التي رفعتها أنقرة خلال برنامجها الاقتصادي، كإعادة تأسيس الانضباط المالي في الميزانية، وضمان استقرار الأسعار في السياسة النقدية والسيطرة على التضخم، والإصلاحات الهيكلية.
كما يزيد موقف تركيا الداعم منعة الدور القطري الذي يسير، بعض الأحايين، عكس تيار دول المنطقة المهرول بعضها والطامح من دون حساب بعضها الآخر.
نهاية القول: بواقع تراجع الدور العربي والإقليمي واستسهال إسرائيل القصف والقتل أنى شاءت بالمنطقة، يأتي ربما دور توطيد العلاقات التركية القطرية بارقةَ أمل بزمن كالح مدلهمّ السواد، ففي القوة التركية، العسكرية والاقتصادية، ملاذ، وفي أنسنة السياسة القطرية أمل.
بواقعية وبعيداً عن التملّق، قد تكون السياسة القطرية من السياسات النادرة حول العالم، التي ما زالت تأخذ من المبادئ والإنسانية دليلاً وأدوات تعامل، ولعل بموقفها من إجرام بشار الأسد رغم التطبيع العربي مؤشر وفي استضافتها مباحثات وقف القتل بغزة دليل... رغم أن عواصف الأشرار العابثين بالتاريخ والجغرافيا، دعاة البراغماتية، بالمنطقة والعالم، أقوى من دور وحجم وإمكانات الدوحة.