يبدو لافتاً انخفاض عدد سكان دولة قطر منذ نهاية يونيو/ حزيران الماضي، حيث بدت الشوارع وأماكن التسوّق والتنزّه خالية من الزحام المعتاد، كذلك شهد المرور انسيابية في معظم شوارع الدوحة. وزاد تدفق المقيمين للخارج مع بدء إجازات فصل الصيف والمدارس.
ووفق النشرة الشهرية الصادرة عن "جهاز التخطيط والإحصاء"، وصل تعداد سكان قطر في نهاية يونيو/ حزيران الماضي إلى مليونين و656 ألف نسمة، بانخفاض شهري نسبته 11.5% عن مايو/ أيار الماضي، وسنوي بنسبة 0.05% عن يونيو 2022.
وكان عدد السكان داخل دولة قطر قد بلغ في نهاية مايو الفائت، وفق الأرقام الرسمية، 3 ملايين وألفي نسمة، بزيادة شهرية قدرها 1.5% عن إبريل/ نيسان، وارتفاع سنوي بنسبة 5.2% عن مايو 2022، بحسب "جهاز التخطيط والإحصاء".
في المقابل، كشفت إحصاءات رسمية صادرة عن "مصرف قطر المركزي" أن إنفاق سكان قطر تجاوز 13 مليار ريال (الدولار= 3.56 ريالات) خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، حيث ارتفع إنفاقهم على السياحة والسفر بنسبة 28% على أساس سنوي، وصولاً إلى 13.1 ملياراً، وفقاً لبيانات ميزان المدفوعات.
وبلغت إيرادات الدوحة من السياحة والسفر خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري نحو 6.8 مليارات ريال بزيادة نسبتها 52% قياساً بالفترة المقابلة من العام الماضي.
وكانت إيرادات قطر من قطاعي السياحة والسفر والنقل في الربع الأخير من عام 2022 (فترة المونديال)، قد بلغت نحو 32.4 مليار ريال، وهي أعلى قيمة رُبعية على الإطلاق.
ويعلّق مستشار الإعلام والعلاقات العامة جاسم فخرو، على هذه الأرقام، لـ"العربي الجديد"، بالقول إن "السياحة أصبحت صناعة"، والمشكلة كما يراها تكمن في عدم الحرفية في إدارة صناعة السياحة في قطر، التي تعتبر في كثير من الدول مصدراً أساسياً للدخل القومي.
ويرفض فخرو اعتبار قدوم فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة التي لامست منتصف الأربعينيات سبباً لانخفاض عدد السكان، فهو يرى أن فصل الصيف هو الوقت المناسب للكثيرين للسفر واكتشاف وجهات جديدة، وقطر إمكاناتها عالية جداً وتمتلك كل مقومات التنوّع والجذب السياحي، سواء في البحر أو البر والمدينة، فضلاً عن امتلاكها واحدة من أكبر شركات الطيران العالمية ومطاراً يحصد الجوائز في كل عام.
ويدعو فخرو إلى توظيف من وصفهم بأصحاب الخبرة في مجال السياحة، من مواطنين ومقيمين لتنشيط هذا القطاع الحيوي، لأن صناعة السياحة تحتاج إلى محترفين حقيقيين في هذا المجال من قمة الهرم حتى القاعدة، بعيداً من المجاملات، مضيفاً أن السياحة وثقافتها ومصطلحاتها لا يفقهها إلا الخبراء والمختصون.
كذلك دعا إلى تطوير آليات التأشيرات والزيارات مع المحافظة على مستوى الزوار وثقافة البلد وهويته وعاداته وتقاليده، وتوجيه الحملات الإعلامية إلى جمهور مستهدف ومحدد، أفراداً كانوا أو جماعات، فيما لا يرى في استقطاب السفن والبواخر السياحية التي تصل إلى موانئ الدوحة بين الفترة وأخرى منفعة أو محركاً للاقتصاد.
ويقول: "لا بد من تصحيح المسار والتخطيط لاستراتيجية واضحة وناضجة، بحيث يكون فصل الصيف جاذباً للسياح وللمواطنين، وليس طارداً لهم. فالمشكلة تكمن في عدم وضوح الاستراتيجية المتبعة في قطاع السياحة في قطر وعدم نضجها".
ويشير عضو المجلس البلدي السابق والناشط الاجتماعي علي الشهواني، إلى توافر مقومات سياحة ناجحة في قطر، لكن ما يغيب عنها، برأيه، المشاريع الحقيقية والفعلية القادرة على جذب السائح، والخطط الحكومية لاستغلال السياحة الداخلية وتنشطيها، كأحد مصادر الدخل للدولة.
ويلفت إلى أن الجهات المعنية في قطر لم تتدخل لكبح جماح أسعار الفنادق صيفاً، لزيادة أعداد السائحين، سواء من الداخل أو الخارج، مع أنها تدخلت حين إقامة المونديال وألزمت الفنادق بأسعار محددة لا يمكن تجاوزها، إضافة إلى أن معظم المشاريع السياحية التي أُقيمت كانت مشاريع خارجية وليست داخلية، وبعضها لا يناسب طقس قطر وبيئتها في الصيف.
في هذا الخصوص، يدعو الشهواني إلى تطوير وتسهيل القوانين التي تتيح للمقيم الاستثمار في مناطق كثيرة، سكنية كانت أو تجارية، كواحدة من الأفكار المطروحة لجذب المستثمرين وتحريك عجلة الاقتصاد، والحد من حركة تحويل الأموال إلى الخارج.
ويؤكد ضرورة تطوير "الهيئة العامة للسياحة" والبناء على السمعة التي بنتها قطر خلال استضافة المونديال، حيث أخذ الجميع انطباعاً جيداً عن إمكاناتها السياحية وحسن تنظيمها للحدث الرياضي، ومع ذلك عندما يصلون يُصدمون بأنهم لا يجدون من يرشدهم سياحياً، بحسب الشهواني.
ويقع على عاتق الهيئة التعاون مع القطاع الخاص لإقامة المهرجانات والأنشطة والفعاليات والبرامج الترفيهية، ووضع الخطط التسويقية التي تلائم الجميع، والأهم من ذلك كبح جماح أسعار الفنادق والمنتجعات السياحية لتناسب مستوى دخل جميع شرائح المجتمع.