ألقت المخاوف الأوروبية من توقف إمدادات الغاز الروسي في حال نشوب حرب بين روسيا وأوكرانيا بظلالها على لقاء الرئيس الأميركي جو بايدن وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في البيت الأبيض، يوم الإثنين الماضي، إذ تطرّقت المباحثات إلى الاستقرار في إمدادات الطاقة العالمية.
وتبحث واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون عن بدائل للغاز الروسي إذا تطوّرت الأزمة الأوكرانية إلى نزاع عسكري وأوقفت روسيا على إثره تزويد القارة العجوز بالغاز، بينما يؤكد مسؤولون قطريون ومحللون في قطاع الطاقة وخبراء اقتصاد أنه يمكن لقطر المساعدة في سدّ جزء من الاحتياجات الأوروبية، لكنها "لا تملك عصا سحرية" لتعويض الغاز الروسي في حال توقفه.
ولن تكون هذه أول مرة تقوم فيها قطر، أكبر منتج ومصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، بمساعدة دولة صديقة. وقامت الدوحة بإرسال إمدادات إلى اليابان بعد تسونامي عام 2011، وشحنات خاصة إلى بريطانيا في أكتوبر/ تشرين الأول عندما عانت من نقص مفاجئ في الإمدادات.
ولكن مع ارتباط قطر بعقود طويلة الأمد مع زبائن كبار في كوريا الجنوبية واليابان والصين، فإنه ليس بإمكانها القيام بالكثير لاستبدال إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا الغربية.
أمن الطاقة في أوروبا
وقال وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري، سعد بن شريده الكعبي، اليوم الثلاثاء، إنه "لا يمكن تلبية جميع احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز من قبل جهة واحدة دون الإخلال بالإمدادات إلى مناطق أخرى حول العالم"، مشدداً على "أن أمن الطاقة في أوروبا يتطلب جهداً جماعياً من قبل العديد من الأطراف".
وجاءت تصريحات الكعبي عقب اجتماع مع مفوضة الطاقة في الاتحاد الأوروبي، كادري سيمسون، اليوم، مؤكداً أن بلاده على أتمّ الاستعداد لدعم عملائها في جميع أنحاء العالم عند الحاجة، ومعرباً عن الاعتزاز بأن قطر التي تعد أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال في العالم لم تتخلف عن تسليم أي شحنة لأي من شركائها على مدى ربع قرن مضى.
وأكد أن "قطاع النفط والغاز في العالم يعاني من نقص في الاستثمارات على مدى السنوات القليلة الماضية"، بينما هناك طلب متزايد على الطاقة الأنظف، والأكثر أماناً وموثوقية، ما يتطلب زيادة حجم الاستثمارات في قطاع الغاز لضمان توفر الإمدادات بأسعار معقولة.
وفي مقابلة مع قناة الجزيرة، قال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إن "قطر شرحت في المحادثات مع الرئيس الأميركي جو بايدن وجهة نظرها بشأن أزمة الطاقة"، مؤكداً أن "قضايا الطاقة في العالم لا تحل بشكل قصير الأجل وهي تحتاج عملاً جماعياً".
وأضاف وزير الخارجية أن "مسألة الطاقة تحتاج لعمل جماعي وأن يكون هناك تعاون مشترك في ما بين الدول المصدرة للطاقة والدول المستهلكة والمؤسسات التجارية التي تدير هذه المسألة"، مضيفاً أن "اختزال أزمة الطاقة في أوروبا في الأزمة الأوكرانية أمر غير عادل".
ويتهم الغرب موسكو بالتحضير لشن هجوم على أوكرانيا المجاورة ويهددها بعقوبات غير مسبوقة إذا غزت هذا البلد. وقالت واشنطن بصورة خاصة إن خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" بين روسيا وألمانيا الذي أنجز لكنه لم يبدأ تشغيله، لن يباشر العمل في حال شن هجوم عسكري روسي.
غير أن الأميركيين والأوروبيين يخشون أن يرد الكرملين بخفض إمدادات المحروقات لأوروبا، وهي إمدادات حيوية للعديد من البلدان.
سد جزء من الاحتياجات
وقال المحلل الاقتصادي السوداني، الذي يقيم ويعمل في قطر، شوقي مهدي، لـ"العربي الجديد"، إنه لا يمكن لدولة أو شركة بمفردها سد نقص احتياجات الدول الأوروبية من الغاز، في حال أوقفت روسيا الإمدادات نحو أوروبا، موضحاً أنه يمكن سد جزء كبير من الاحتياجات، إذا تحققت تفاهمات بين كبار منتجي الغاز في العالم، بغرض إرسال شحنات إضافية.
وأضاف أن قطر تستطيع بيع كميات محدودة من إجمالي إنتاجها، بما يتراوح بين 10% و15% في السوق الفورية للغاز، بينما الكميات الكبرى يتم تصديرها عبر عقود طويلة الأجل. ورأى أن هذه الكميات هي ما يمكن أن توجهه قطر إلى أوروبا.
وبلغ إجمالي الصادرات القطرية من الغاز الطبيعي المسال خلال العام الماضي نحو 83.9 مليون طن، بما يعادل 21.6% من تجارة العالم من الغاز المسال، مقارنة بحوالي 83 مليون طن في 2020، لتتصدر كبار الموردين للسنة الخامسة على التوالي.
ووصلت الصادرات القطرية إلى نحو 25 وجهة حول العالم، لتأتي السوق الآسيوية في المرتبة الأولى بحصولها على قرابة 54.2 مليون طن، بما يعادل نحو 65% من إجمالي الصادرات القطرية، تليها السوق الأوروبية بنحو 16.4 مليون طن بنسبة 20% وأميركا الجنوبية 1.9 مليون طن ومنطقة الشرق الأوسط 4.2 ملايين طن.
وتصدّرت كوريا الجنوبية الوجهات القطرية في العام الماضي بإجمالي صادرات 10.8 ملايين طن، متجاوزة اليابان والصين اللتين وصل إجمالي وارداتهما إلى قرابة 8.6 ملايين وطن و8.3 ملايين طن على التوالي. واحتلت الهند المرتبة الثانية بحصولها على 10.1 ملايين طن.
وتحصل أوروبا على نحو 40% من احتياجاتها من الغاز من روسيا، بينما تحصل على نحو 5% من قطر. وقال الخبير الاقتصادي، محمد حمدان، لـ"العربي الجديد"، إنه يصعب على قطر حالياً سد نحو 35% من احتياجات الدول الأوروبية.
وأعرب حمدان عن اعتقاده بأنه يمكن لقطر أن تساهم في سد جزء من النقص المتوقع من الغاز إلى أوروبا في حال أوقفت روسيا إمداداتها، ولكن ليس على حساب عقودها طويلة الأجل مع الصين وكوريا الجنوبية واليابان والهند، والتي يمتد معظمها إلى عام 2043.
وأضاف أن شركة قطر للطاقة تواصل استراتيجية التوسع، وقد طرحت العروض وأرست معظم العقود المتعلقة في المرحلة الأولى لتوسعة حقل الشمال، ما يرفع إنتاج قطر من الغاز إلى 110 ملايين طن بحلول عام 2025، وفي المرحلة الثانية إلى 126 مليون طن بحلول 2027.
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، رائد المصري، إن "قطر مورد أساسي للغاز على مستوى العالم وتستخدم العقود طويلة الأجل، لذا لا يمكن أن تعوض وحدها كميات الغاز الروسي في حال انقطعت إمداداته بسبب الأزمة الحالية مع أوروبا".
وأوضح المصري أن "الغاز القطري مباع سلفاً لأكثر من عشر سنوات لبلدان آسيوية عدة، ولا يمكن التصرف في الكميات المتعاقد بشأنها، لأنه ستحصل أزمة طاقة عالمية، وبالتالي التعويض القطري للغاز الروسي ضعيف، لأن الغاز الروسي يتدفق إلى أوروبا بكميات كبيرة".
معادلات جيو استراتيجية
ورأى أنه من غير المتوقع أن تلجأ روسيا إلى قطع إمدادات الغاز عن أوروبا، لأن لديها مصلحة استراتيجية في استمرار هذه الصادرات، حتى لو كان هناك توتر وإشكاليات عبر الأزمة الأوكرانية، خاصة أن موقف القارة من الأزمة الأوكرانية ليس متشدداً كما تريده واشنطن، وبالتالي لا يمكن أن تغامر موسكو في هذه الخطوة أو تشن حرباً على أوكرانيا، لأن ذلك سيقلب معادلات جيو استراتيجية قد تفضي إلى حرب دموية.
واعتبر أن ما يجرى استعراض قوى يتعلق بالطاقة والموارد وغيرها، وهذا الوضع يمكن أن يعزز مكانة قطر إقليمياً ودولياً أيضاً في مجال الطاقة.
ويعدّ أسطول شركة ناقلات القطرية لنقل الغاز الطبيعي المسال الأكبر من نوعه في العالم، إذ يضمّ 69 سفينة، بالإضافة إلى ذلك، تمتلك الشركة وتدير وحدة عائمة في الدولة لتخزين الغاز الطبيعي المسال وإعادته لحالته الطبيعية.
كما تشغّل الشركة مرافق لبناء السفن وإصلاحها وتصنيع الهياكل البحرية والبرية في مدينة راس لفان الصناعية في قطر.
وفي هذه الأثناء، يُرجّح أن تمتد حالة عدم اليقين بالنسبة لحركة أسعار الغاز وكمية المعروض منه، التي طبعت السوق في 2021، إلى العام الحالي، بحسب تقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية، نهاية يناير/ كانون الثاني الماضي.
ورأى التقرير أن عقود الغاز الآجلة منذ بداية العام تُشير إلى أن الأسعار المرتفعة ستستمر في 2022. ومن المتوقع أن يبلغ متوسط الأسعار الفورية في أوروبا وآسيا 26 و27 دولاراً على التوالي لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وكلاهما متوسط سنوي هو الأعلى على الإطلاق.
وبينما يُرتقب أن تنخفض الأسعار في النصف الثاني من عام 2022، مع تحسن توافر المعروض، فإنها ستبقى أعلى بكثير من المتوسطات التاريخية لكلا السوقين.
وقفزت أسعار الغاز الطبيعي بقوة في 2021، لتصل خلال الربع الأخير إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في آسيا وأوروبا، ولأعلى مستوى منذ 10 سنوات في أميركا الشمالية.
تضاعف أسعار الغاز
في الولايات المتحدة، تضاعفت أسعار الغاز تقريباً عن مستويات 2020، لتصل إلى متوسط 3.9 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
في حين ارتفعت الأسعار في أوروبا بمقدار خمسة أضعاف عن أدنى مستوياتها في 2020، لتصل إلى متوسط سنوي قدره 15.8 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وهو أعلى مستوى على الإطلاق.
بينما ارتفعت الأسعار الفورية للغاز الطبيعي المسال في آسيا بأكثر من أربعة أضعاف، لتصل إلى 18 دولاراً للمليون وحدة حرارية بريطانية، بما يمثل أعلى مستوى قياسي أيضاً.