قطر.. تحولات اقتصادية لخفض الدين وتنويع الدخل

27 أكتوبر 2024
حقق قطاع السياحة نمواً ملحوظاً بعد استضافة المونديال، 6 أغسطس 2024 (كريم جعفر/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد قطر تحولات اقتصادية تهدف إلى تقليل الاعتماد على النفط والغاز، مع التركيز على تنويع مصادر الدخل وتعزيز القطاعات غير التقليدية مثل التجارة والصناعة والسياحة، وزيادة إنتاج الغاز الطبيعي إلى 142 مليون طن سنوياً بحلول نهاية العقد الحالي.

- تمكنت قطر من خفض الدين العام من 73% إلى ما دون 44% من الناتج المحلي بين 2020 و2023، مع التركيز على تمويل مشاريع البنية التحتية الكبرى، وتسعى لتقليل الدين إلى ما دون 37% لتوجيه الإنفاق نحو التكنولوجيا والصحة والتعليم والسياحة.

- يعزز الاقتصاد القطري من خلال استثمارات في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، مع زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى 30 مليار دولار في 2023، ويتوقع نمو الاقتصاد بنسبة 2% في 2024 و2.7% في 2025، مع فائض موازنة يعكس استقرار الاقتصاد وثقة المستثمرين.

تشهد قطر تحولات اقتصادية جذرية تهدف إلى تقليل الاعتماد على قطاع الغاز والنفط، وتنويع مصادر الدخل، بالتوازي مع مواصلة مشاريع التوسعة في حقل الشمال للغاز الطبيعي، بما يرفع الإنتاج من 77 مليون طن سنوياً إلى 142 مليون طن سنوياً في نهاية العقد الحالي.

وأكد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أن الدولة تحرص على المواءمة بين سياسة الإنفاق المتزنة، والتي أدت إلى تحسين مركزها المالي خلال السنوات الماضية، ودعم النمو والتنمية الوطنية في الوقت ذاته، حيث خصصت الموارد المالية اللازمة للمبادرات الحكومية للسنوات 2024 – 2028 وفقاً للأولويات، وبما يتماشى مع أهداف استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة، التي تشمل دعم قطاعات التجارة والصناعة والبحوث والسياحة، والتحول الرقمي وتكنولوجيا المعلومات، وتطوير الأنظمة المالية والإدارية، وتعزيز التنمية البشرية، بهدف تحقيق التنويع والاستدامة الاقتصادية.

وقال أمير قطر، في افتتاح الدورة الـ53 لمجلس الشورى، منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، إنّ الدولة تمكنت من خفض مستوى الدين العام من قرابة 73% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2020 إلى ما دون 44% بنهاية عام 2023.

اقتصاد يتحمّل أعباء الدين

وفي هذا السياق، يرى الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة قطر، جلال قناص، أنّ استخدام الدين الخارجي، الذي يمثّل جزءاً من السياسات المالية للبلاد، يركز على تمويل مشاريع البنية التحتية الكبرى، مما يجعل الاقتصاد القطري قادراً على تحمل أعباء الدين واستدامته، موضحاً، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ حجم الدين الخارجي القطري العام الماضي بلغ نحو 180 مليار دولار، إذ تُستخدم هذه الأموال في تمويل مشاريع استراتيجية مثل تطوير الموانئ والمطارات، وهي استثمارات تهدف إلى تعزيز الاقتصاد غير النفطي.

ويلفت إلى أنّ قطر تعمل حالياً على تقليل نسبة الدين من الناتج المحلي والذي كان عام 2020 عند مستوى 70%، وهبط إلى 40% بنهاية العام الماضي، ومن المتوقع أن يصل إلى ما دون 37% للتحرر من دفعات سداد الدين الفصلية، وتوجيه الإنفاق إلى القطاعات الأكثر أولوية، مثل التكنولوجيا والصحة والتعليم والسياحة.

وبحسب تقرير وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية، نشرته صحيفة الشرق المحلية في سبتمبر/ أيلول الماضي، يحل سوق الدين القطري (أغلبه سيادي) في المرتبة الثالثة خليجياً بعد السعودية والإمارات، متوقعاً استمرار استقرار إصدارات الدين لدولة قطر على نطاق واسع، خاصة مع استمرار الحكومة في سداد الديون، ومحدودية وصول الشركات لسوق الدين، مرجحة استمرار الإصدارات المصرفية التي تحل محل الاستحقاقات الأخرى لتنويع مصادر التمويل. وذكرت الوكالة أن حجم سوق الدين لقطر بلغ في نهاية النصف الأول من العام الجاري، نحو 130 مليار دولار وهو المستوى نفسه بالفترة المناظرة من عام 2023، وتُشكل الصكوك 10%، مقارنة بـ13% عن الفترة ذاتها من 2023.

السياحة فرس الرهان في قطر

ويؤكد أستاذ العلوم السياسية والاقتصاد الدولي، رائد المصري، نهج التحول في الاقتصاد القطري بعيداً عن الاقتصاد الريعي في الغاز والنفط، عبر تعزيز التجارة والتصنيع، إلى جانب السياحة التي تراهن الدوحة عليها بعد نجاحها في تنظيم أول بطولة كأس عالم لكرة القدم "مونديال 2022" في الشرق الأوسط، وأشار إلى تكريس تنويع الاقتصاد ليتلاءم مع التحول الرقمي وتكنولوجيا المعلومات، عبر تطوير الأنظمة المالية والإدارية وتعزيز التنمية البشرية، والدخول في التنمية المستدامة والبيئة النظيفة، وهو ما أكد عليه أمير البلاد في افتتاح مجلس الشورى أخيراً.

ويرى المصري أن هذا التنويع يرفد الدوحة بمزيد من القوة والتأثير والنفوذ الناعم في الإقليم، ويمتص الخبرات والعمالة التكنولوجية لتكون مركز الخليج الاقتصادي وقلبه التكنولوجي. ومن هنا، وفق المصري، انخفض الدين الخارجي لقطر عبر تنفيذ خطة لسداد القروض الداخلية والخارجية بعد سداد قرابة 12.5 مليار ريال تتعلق بالقروض والسندات الخارجية، مشيراً إلى أن إجمالي الدين المحلي لدولة قطر عام 2023 بلغ 160.4 مليار ريال، أي بما يمثل 26.7% من إجمالي الدين العام، في حين أن الدين الخارجي بلغ 183.2 مليار ريال، ليشكل 53.3% من الدين العام للدولة.

ويفيد تقرير "فيتش" بأنّ معظم البنوك القطرية أصدرت ديوناً كبيرة غير مضمونة لتنويع مصادر تمويلها، وازداد منذ بداية 2024، تنوع الإصدارات؛ فصدرت أول سندات خضراء سيادية في دول مجلس التعاون الخليجي، وأول صكوك للشركات بالريال القطري، وسندات "فورموزا". وبحسب التقرير، جاءت غالبية الديون المستحقة بالدولار الأميركي بنسبة 65%، تليها الريالات بواقع 30%، ويستحق نحو 9.1% من الديون القطرية في النصف الثاني من العام الجاري، و13.4% في عام 2025، ونحو 77.5% ممن الديون تُستحق في عام 2026 وما بعده.

وتوقع أستاذ الاقتصاد الدولي، أن تصدر قطر أذونات خزينة بـ 4 مليارات ريال، إذ بلغ فائض موازنتها 4.2 مليارات ريال في الربعين الثاني والثالث من 2024. وتعتبر التحولات الاقتصادية نحو القطاعات غير التقليدية، مثل التجارة والصناعة والسياحة، جزءاً رئيساً من رؤية قطر الوطنية 2030، ويشهد القطاع التجاري والصناعي نمواً ملحوظاً، إذ تجاوز إجمالي حجم التبادل التجاري 100 مليار دولار في 2023. وتسعى قطر إلى زيادة نسبة الصادرات غير النفطية التي تشمل البتروكيماويات والحديد والصلب، وهي تشكل حالياً قرابة 20% من إجمالي الصادرات، وحقق القطاع الصناعي نمواً بنسبة 6.5% العام الماضي، مدعوماً بمشاريع تهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي والاكتفاء الذاتي.

وحقق قطاع السياحة، نمواً ملحوظاً بعد استضافة مونديال 2022، وارتفعت إيرادات السياحة سنوياً، خلال الربع الأول من العام الحالي بنحو %50% لتسجل 10.14 مليارات ريال، مقارنة بنحو 6.77 مليارات ريال في الربع نفسه من عام 2023، وحسب بيانات مصرف قطر المركزي، نمت الإيرادات بنسبة 8.41% مقارنة بإيرادات الربع الرابع من 2023 البالغة 9.35 مليارات ريال.

وتتبنّى قطر تقنيات المدن الذكية، وتستثمر في الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، ففي عام 2023 بلغ حجم الاستثمارات في تكنولوجيا المعلومات والبنية التحتية الرقمية نحو 1.5 مليار دولار، في حين أن معدل انتشار الإنترنت في البلاد وصل إلى 99%، مما يبرز نجاح الجهود الحكومية في تعزيز التحول الرقمي.

وتتميز قطر ببيئة استثمارية جاذبة، إذ بلغت الاستثمارات الأجنبية المباشرة نحو 30 مليار دولار في عام 2023. كما حافظت الدولة على تصنيف ائتماني عال (أى أى ـ  AA). يعكس هذا التصنيف استقرار قطر المالي، وثقة المستثمرين الدوليين في اقتصادها، وفقاً للأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة قطر، جلال قناص، الذي يرى أن قطر تسير بخطا ثابتة نحو تحقيق أهدافها الوطنية، وتعزيز مكانتها باعتبارها قوة اقتصادية إقليمية.

ويتوقع البنك الدولي، نمو الاقتصادي القطري في عام 2024 بنسبة 2% مقارنة مع 1.2% في عام 2023، على أن يتسارع النمو إلى 2.7% في 2025. وقدّر تقرير البنك الدولي نمو حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.3% العام الجاري، على أن تحقق موازنة قطر فائضاً يوازي 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في عام 2024، و4.6% من الناتج المحلي في 2025.

المساهمون