بدأت الدوحة الاستعداد مبكراً لتوفير جميع المتطلبات المعيشية لزوار كأس العالم 2022 وفي مقدمتها تأمين أسواق الغذاء للمشجعين المرتقب أن يصل عددهم إلى ما يقرب من نحو نصف عدد سكان قطر.
ويأتي ذلك في ظل اقتراب استضافة الدوحة لبطولة كأس العالم لكرة القدم "فيفا" 2022، بعد أقل من شهرين وتستمر لغاية 18 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، ذكرى اليوم الوطني القطري.
رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، جياني إنفانتينو، وصف في تصريحات تلفزيونية من نيويورك على هامش أعمال الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، البطولة بأنها "ستكون الأفضل في التاريخ من واقع التحضيرات القطرية للحدث، وفكرة إقامتها في المنطقة العربية، واكتمال جاهزية قطر لاستقبال بطولة العالم".
تحدٍّ كبير
يُشكل تأمين الطعام والشراب لزوار قطر خلال فترة البطولة، والذين يتوقع أن يتجاوز عددهم 1.2 مليون شخص، من مختلف دول العالم، تحديا كبيرا.
ويشير مراقبون إلى اتجاه قطر نحو تجاوز هذا التحدي الذي يرفع عدد سكان الدولة الخليجية البالغ نحو 2.9 مليون شخص، بنحو 50%، متكئة على تجربة وخبرة كبيرة اكتسبتها جراء الحصار الذي فرض على الدوحة عام 2017، وانتهى في القمة الخليجية الـ41 التي عقدت في العلا السعودية مطلع عام 2021، وكذلك خلال أزمة كورونا في التعامل مع الأمن الغذائي، من خلال تعزيز مكانتها في هذا المجال، إذ احتلت قطر المركز الأول عربيا والرابع والعشرين على مستوى العالم من حيث الأمن الغذائي.
ودشنت قطر رصيف محطة الأمن الغذائي في ميناء حمد، جنوبي الدوحة، إذ رست على الرصيف، يوم 13 أغسطس/ آب الماضي، أول سفينة وعلى متنها رافعتا المحطة المُتنقلتان وملحقاتهما بعد اكتمال تصنيعهما من قبل شركة ليبهير الألمانية. وقال وزير التجارة والصناعة القطري محمد بن حمد بن قاسم آل ثاني إن هذا المشروع الحيوي يأتي انسجاماً مع استراتيجية الأمن الغذائي لقطر، وسيساهم في تعزيز القدرات التخزينية للدولة إلى جانب تأمين وتعزيز وتطوير منظومة المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية والاستهلاكية والتموينية، بما من شأنه ترسيخ مكانة قطر واحدة من أبرز دول المنطقة كفاية في المخزون الاستراتيجي، وقدرة على تحقيق الأمن الغذائي وتلبية احتياجات شعبها.
مخزون طويل المدى
يعد مشروع رصيف محطة الأمن الغذائي الأول من نوعه في المنطقة بسعة تخزينية لثلاث سلع رئيسية، وهي الأرز والسكر وزيوت الطعام، لمدة لا تقل عن سنتين، إذ يحتوي على صوامع للتخزين طويلة الأمد ومستودعات ذات بنية تحتية ومعدات خاصة لتكوين هذه القدرة التخزينية لتكفي احتياجات 3 ملايين نسمة، وفقاً للمعايير الدولية ذات العلاقة.
ويرى رجل الأعمال القطري علي الخلف أن الغذاء عنصر أساسي في استضافة مونديال قطر، إذ يزداد عدد سكان الدولة لنحو 50%، وهذه نسبة كبيرة وخلال فترة محدودة من مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني وحتى مطلع العام المقبل، واعتبر ذلك تحديا يحتاج إلى إجراءات استثنائية من الحكومة والقطاع الخاص.
وعلى صعيد القطاع الخاص، أوضح الخلف في حديث مع "العربي الجديد"، أن رجال الأعمال وضعوا خططا لتأمين ما يكفي لجماهير المونديال من الزوار الدوليين والسكان المحليين من المواد الغذائية بمختلف أنواعها الموسمية والدائمة، موضحا أن وسائل النقل والشحن ميسرة على صعيد النقل البحري والنقل الجوي لتأمين ما يلزم.
ولفت إلى الخبرة التي اكتسبها القطريون خلال قرابة ثلاث سنوات من الحصار الذي تعرضت له البلاد في منتصف 2017، كما أن إعادة الحركة التجارية عبر المنفذ البري مع السعودية سيساهم في تخفيف العبء ويسهل نقل البضائع والسلع الغذائية، خاصة أن المملكة تمثل أحد المصادر المهمة للغذاء، مؤكدا أن المنتج القطري من الغذاء سيكون متوفرا، ولا سيما أن فترة المونديال تأتي مع موسم الإنتاج الزراعي المحلي، وخاصة الطماطم والخيار والباذنجان وغيرها من الخضار الموسمية.
وبالنسبة لاستيراد السلع الغذائية، أشار رجل الأعمال القطري إلى أن الأجهزة المعنية وضعت نفسها على أهبة الاستعداد، والجميع متحفز ومستعد لإنجاح هذا الحدث العالمي، حتى أن عمليات الاستيراد ستتواصل ولن تتوقف طيلة فترة البطولة، بل ستكون بوتيرة مضاعفة، مشيرا إلى وجود احتياطي غذائي يكفي ويغطي الدولة لمدة كافية.
وحول تحميل زيادة متوقعة على أسعار السلع الغذائية خلال فترة البطولة، يرى الخلف أنه حتى لو ارتفعت أثمان بعض السلع والمواد الغذائية بنسب معقولة بين 5 و10%، فهي زيادة تدفع التجار إلى التنافس وتوفير المزيد من السلع وبأصناف متنوعة.
القطاع الخاص الزراعي
شجعت الحكومة القطرية القطاع الزراعي من أجل تكثيف دوره في هذه المرحلة. وفي هذا الإطار، قال المدير التنفيذي لشركة الريان الزراعية خالد ناصر، لـ"العربي الجديد"، إن شركته بدأت الاستعداد الفعلي لمونديال قطر منذ انطلاقه عام 2017، إذ رسمت الأهداف والخطط المتنوعة لتطبقها وتعمل عليها على مدار 5 سنوات وبدأت فعلياً بحصاد ثمار المجهودات التي بُذلت، وأشار إلى أن شركة الريان الزراعية نجحت في استصلاح وزراعة 700 هكتار، ساهمت في تطوير منظومة إنتاج الخضروات والفواكه الطازجة المحلية في الدولة ورفع نسبة الاكتفاء الذاتي، ومنذ بداية العام الحالي تطورت سلسلة التوريد التي كانت تنحصر بالمجمعات التجارية الكبرى لتنضم إليها المطاعم والفنادق وشركات توزيع الخضار والفواكه.
وحسب ناصر، "استصلحت الشركة خلال العام الجاري 100 هكتار أخرى ودخلت طور الزراعة والإنتاج الشهر الماضي، كما أدخلت أنظمة زراعية تعتمد على التكنولوجيا مع إنشاء مشاريع إنتاج متعددة بما فيها الزراعات المعلقة والزراعات المائية المبردة لزيادة كمية وجودة الإنتاج حتى نتمكن من تلبية الزيادة المتوقعة للطلب على المنتج المحلي الطازج خلال كأس العالم 2022".
ويصل إنتاج الريان الزراعية من المزارع التي تشرف عليها إلى 70 طناً يومياً من الخضار والفواكه الطازجة خلال موسم الإنتاج الزراعي والذي بدأ منذ أيام، وتكون بداية الإنتاج من أنظمة الزراعة المبردة والمائية ومن ثم الحقول الزراعية المكشوفة والتي تمتد على مساحات شاسعة. وأشار ناصر إلى أن "الريان" تنتج أكثر من 90 صنفا من الخضار والفواكه ولكن التركيز الأكبر خلال المونديال على الخضروات الأساسية التي تستهلك بكثرة، مثل الطماطم والخيار والباذنجان والفلفل.
"حصاد" تدعم السوق المحلي
أكدت "حصاد الغذائية"، وهي إحدى الشركات التابعة لجهاز قطر للاستثمار، في مايو/ أيار الماضي، جاهزيتها واستعدادها التام لدعم السوق المحلي بالمنتجات الغذائية، وأعلنت الشركة، بحسب رئيسها التنفيذي محمد بدر السادة، أنها على اطلاع تام على حالة السوق، إذ تتوافر مواد غذائية بكميات وأنواع تتماشى مع حاجته، مشددا على استعداد "حصاد" التام لتولي أي مهمة أو مسؤولية تكلف بها من قبل الحكومة في حال وجود أي نقص.
وأشار الرئيس التنفيذي للشركة إلى أنه مع تسليم "حصاد" مهمة توفير المواد الغذائية للقطاع الخاص في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، لعب المنتج المحلي دورا في غاية الأهمية، لاسيما في ما يتعلق باستقرار حالة السوق، كما أثبتت شركات القطاع الخاص كفاءة عالية في تغطية احتياجات السوق من خلال الإنتاج المحلي أو عن طريق توفير المنتجات من بلدان صديقة مشهود بكفاءة منتجاتها وبأسعار مناسبة.
وأكد السادة لوكالة الأنباء القطرية (قنا)، أن شركة حصاد الغذائية لديها القدرة على توريد جميع أنواع الحبوب والبذور الزيتية والقمح من عدة مصادر، مبينا امتلاك الشركة العديد من الاستثمارات العالمية في المجال الغذائي والزراعي، والتي تتسم بالطابع الاستراتيجي والتجاري، وتهدف بشكل مباشر إلى تحقيق الأمن الغذائي لدولة قطر.
رفع احتياطي القمح والغذاء
رفعت وزارة التجارة والصناعة القطرية معدل المخزون الاستراتيجي من القمح إلى 10 أشهر مقابل المعتاد وهو أربعة أشهر، وذلك لمواجهة استحقاقات دولة قطر القادمة خلال كأس العالم، وكذلك رفع المخزون الاستراتيجي من باقي السلع الغذائية المستهدفة وفق توصيات الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي.
أكدت "حصاد الغذائية"، وهي إحدى الشركات التابعة لجهاز قطر للاستثمار، في مايو/ أيار الماضي، جاهزيتها واستعدادها التام لدعم السوق المحلي بالمنتجات الغذائية
وفي هذا السياق، يقول الخبير الاقتصادي رمزي قاسمية لـ"العربي الجديد"، إن قطر اكتسبت خبرة كبيرة في التعامل مع الأمن الغذائي، جراء نجاحها خلال جائحة كورونا، مشيراً إلى أن الحكومة سخرت إمكانياتها لاستضافة البطولة العالمية، ومن خلال أذرعها وعمدت إلى تأمين احتياجات الزوار من الغذاء، وتوفر الكميات اللازمة وتنوعها لتلائم جميع الثقافات، ووسعت قدرتها على التخزين من خلال شركة "حصاد الغذائية" و"الخليج للمخازن" التي تقدم الخدمات اللوجستية، إلى جانب الحرص على جودة وسلامة الغذاء عبر تبني أعلى المعايير الصحية في هذا المجال.
400 منفذ للأطعمة
يشدد الخبير الاقتصادي رمزي قاسمية على أهمية دعوة اللجنة العليا للمشاريع والإرث وشركة "أسباير كتارا للضيافة" إلى رواد الأعمال في قطاعات الأغذية والمشروبات في قطر لتقديم خدماتهم لجماهير المونديال من خلال أكثر من 400 وحدة من منافذ الأطعمة والمشـروبات للتأجير في العديد من المواقع، ومن بينها المناطق المحيطة بالاستادات التي تستضيف مباريات البطولة، وعلى كورنيش الدوحة، وغيرها من الأماكن التي ستشهد فعاليات ترفيهية للجماهير.
وحسب بيانات رسمية، شهد الإنتاج المحلي القطري من الخضروات قفزة نوعية، محققا نسبة زيادة بلغت 100% خلال السنوات الثلاث الماضية مقارنة بما قبلها، وخلال 2021 بلغ الإنتاج المحلي من الخضروات قرابة 102 ألف طن، مقارنة بـ55 ألف طن خلال عام 2017، وبذلك ارتفعت نسبة الاكتفاء الذاتي من الخضروات المحلية من نحو 20% عام 2017 لتصل إلى 46% خلال عام 2022، أي بزيادة زهاء 130%.
كما وصلت نسبة الاكتفاء الذاتي في اللحوم الحمراء إلى 18% والمستهدف هو 30%، أما الدواجن الطازجة فقد وصلت إلى 100%، وبهذا حققت النسبة المستهدفة، ومثلها في الألبان ومشتقاتها، بينما ارتفعت نسبة الاكتفاء الذاتي من بيض المائدة من 14% عام 2017 لتصل إلى نحو 36% عام 2022.