قال الفريق كامل الوزير، وزير النقل المصري، إن العمل في الخط الأول للقطار الكهربائي السريع (العلمين - السخنة) بدأ في مايو/ أيار 2021 وسيتم الانتهاء منه خلال عام 2024، مشيراً إلى أن هناك ثلاثة أنواع من القطارات، يقطع أسرعها 250 كيلومترا في الساعة.
وأضاف الوزير اسماً ووظيفة، أن المحطات الرئيسية للشبكة، ستكون في عواصم المحافظات، مثل قنا وسوهاج والقاهرة، وغيرها من المحافظات، مشددا على أن القطار السريع سيكون مشابها تماما للقطارات السريعة المستخدمة في ألمانيا وفرنسا، ومؤكداً أن "القطار السريع يتمتع بالأمان والرفاهية، كما يضم بداخله شبكة واي فاي وشاشات تلفزيون وحمامات للمواطنين وذوي الهمم، بالإضافة إلى خدمة البوفيه، أي أن كل وسائل الرفاهية والأمان ستكون متوفرة داخل القطار بشكل كامل ومتكامل".
تناقلت وسائل الإعلام المصرية حديث الوزير بعدما وصل إلينا الخبر من خلال رئيس مجلس إدارة شركة سيمنز الألمانية، الذي أعلن اعتزازه بالتعاون المثمر مع مصر في المشروعات التنموية، "التي صنعت تاريخاً مشرفاً للشركة في المنطقة والعالم"، مشيراً إلى أنّ مشروع القطار الكهربائي السريع في مصر هو الأضخم في تاريخ شركة سيمنز، منذ تأسيسها قبل نحو 175 عاماً.
لم أعثر في أي من وسائل الإعلام المصرية التي نشرت الخبر على إشارة لتكلفة المشروع التي قالت مواقع أجنبية، أهمها موقع سي إن إن عربي، إن ما يخص القطار الأول منها سيكون في حدود 8.7 مليارات دولار (حوالي 160 مليار جنيه بسعر اليوم). وقال موقع "العربي الجديد" إن التكلفة الكلية للمشروع ستتجاوز 30 مليار دولار، وإنها ستكون ممولة بقروض خارجية تسدد على مدار خمسة عشر عاماً.
جاءت الأخبار الجديدة الخاصة بمشروع القطار السريع في وقتٍ حرج للاقتصاد المصري، بعملته وديونه وميزانيته، بعدما اضطر البنك المركزي للسماح بانخفاض الجنيه بنسبة 17% تقريباً، ورَفَعَ معدلات الفائدة الأساسية عليه 3% في فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، وفَقَدَ عشرة بالمائة من احتياطي النقد الأجنبي لديه، في أعقاب خروج ما يقرب من 20 مليار دولار من استثمارات الأموال الساخنة في أدوات الدين بالجنيه المصري.
وبينما يعمل صانعو السياسات الاقتصادية والمالية في البلاد حالياً على اتخاذ خطوات صعبة، تشمل بيع حصص الحكومة في العديد من الشركات الكبرى بأسعار زهيدة لمستثمرين أغلبهم من الدول الخليجية، والسماح بضعف العملة المحلية بالتدريج مع ما يعنيه ذلك من تراجع مستوى معيشة المصريين وانخفاض قيمة ثرواتهم، ورفع معدلات الفائدة، ومن ثم زيادة نسبة ما يوجه لسداد فوائد الدين العام من جانب المصروفات في الموازنة المصرية، جاء الخبر بتكلفة مرحلته الأولى ليخفف الضغوط على المصريين، حيث لا يمكن تصور أن البلاد تمر بأزمة اقتصادية في وقتٍ تشرع في التعاقد على مشروع بهذا الحجم والتكلفة!
وقبل أسبوعين، أعلنت الحكومة المصرية موازنة العام المالي 2022 – 2023، وأظهرت وجود عجز كلي يقدر بنحو 558 مليار جنيه، بخلاف تجديد قروض تقترب من تريليون جنيه كان يفترض سدادها خلال هذا العام، ليكون إجمالي الاحتياجات التمويلية 1.5 تريليون جنيه (حوالي 81 مليار دولار)، عشرها على الأقل سيتم اقتراضه بالعملة الأجنبية.
تقول الميزانية التي أعدتها وزارة المالية عن العام المالي 2022 – 2023، الذي يبدأ بعد شهر تقريباً، إن "جملة الاستثمارات الحكومية سترتفع إلى 376.4 مليار جنيه، بهدف الإسراع في تنفيذ المشروعات القومية المستهدفة وتحسين البيئة التحتية، ودفع النشاط الاقتصادي".
وتشير الميزانية بوضوح إلى أن إجمالي الإيرادات المتوقعة في العام المالي القادم ستكون في حدود 1.517 تريليون جنيه، وهو ما يعني أن كل المبالغ المخصصة للاستثمارات، ومنها بالتأكيد تكلفة مشروع القطار السريع، مع بعض البنود الأخرى، ستقوم الحكومة باقتراضها، جنباً إلى جنب مع ما يستحق من ديون.
توقفت بيانات الدين العام على موقع وزارة المالية عن التطور منذ سنوات، إلا أن المصادر الخارجية أشارت مطلع العام الحالي إلى تجاوزه نسبة تسعين بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، ومع ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري بنسبة 18% خلال الفترة الأخيرة، وارتفاع المكون الدولاري في الدين العام مقارنة به في الناتج المحلي المصري، تكون النتيجة الطبيعية لاستخدام السعر الجديد للعملة المصرية مقابل الدولار هي ارتفاع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي لأكثر من مائة بالمائة!
قد تكون القروض مبررة من وجهة نظر صانع القرار، وفقاً للأولويات المفروضة عليه، إلا أن التفكير، مجرد التفكير، في مشروع قطار فائق السرعة، به خدمة واي فاي وشاشات وبوفيه، في وقت يشعر الملايين من المصريين بالقلق من احتمالات عدم توفر رغيف الخبز والسكر وبعض الزيوت في الفترة القادمة، ويتذكرون بدعوة من رئيسهم وقت اضطر فيه صحابة الرسول عليه السلام إلى أكل أوراق الشجر، يحتاج إلى بذل بعض الجهد لإقناع المواطنين به، وذلك بالتأكيد في حالة كونه مشروع استثماري جاد، لا مجرد "مشروع قومي يلتف حوله المصريون"، بغض النظر عن جدواه الاقتصادية الحقيقية، كما كان الحال مع قناة السويس الجديدة.
حق المعرفة، خاصة ما يتعلق بالبيانات الاقتصادية في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها المصريون، لم يعد ترفاً يمكن الاستغناء عنه، خاصة وأن المواطن هو الذي يدفع تكلفة القرار الخاطئ، ويتحمل تبعات سوء الإدارة، التي لا يؤخذ رأيه في قراراتها، ولا حتى يُسمح له بمعرفة الكثير من حقائقها.
قرار تخصيص مثل هذه المبالغ، سواء تكلفة المرحلة الأولى أو المشروع برمته، من الإنفاق الحكومي، لا ينبغي أن يمر بهذه البساطة، فلا نعرف به إلا من مصادر خارجية، ولا نسمع بمناقشته في البرلمان، أما ما يتعلق بالكيفية التي تم بها إرساء العطاء على صاحب العرض الأكثر تكلفة، ثم زيادة هذه التكلفة بأكثر من الثلث، فتحتاج إلى مقال آخر بإذن الله.