أصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، اليوم الأربعاء، قراراً يُلزم حكومة إقليم كردستان بتوطين رواتب موظفي الإقليم لدى المصارف العراقية الحكومية، معتبرة تأخير واجتزاء رواتب موظفي الإقليم من قبل حكومة الإقليم في أربيل انتهاكًا للحقوق، وسط مخاوف من إثارة مشاكل سياسية جديدة بين بغداد وأربيل بعد هذا القرار.
وتعد الملفات العالقة بين بغداد وأربيل إحدى أبرز المعضلات التي تواجهها الحكومات العراقية المتعاقبة، أبرزها رواتب موظفي إقليم كردستان، والتنسيق الأمني في المناطق المتنازع عليها، والاتفاق على آلية تصدير النفط من حقول الإقليم، وغيرها.
وقال رئيس المحكمة الاتحادية القاضي جاسم محمد عبود العميري خلال جلسة للمحكمة خاصة للبت في قضيتي مرتبات الموظفين والعاملين في القطاع العام، في إقليم كردستان إنه تقرر "إلزام المدعى عليهما رئيس مجلس الوزراء في الحكومة الاتحادية ورئيس مجلس وزراء إقليم كردستان العراق بتوطين رواتب جميع موظفي الجهات الحكومية في المركز والإقليم في المصارف الاتحادية خارج إقليم كردستان".
وأضاف العميري أن "المحكمة قررت أيضا إلزام تقديم الموازنة الشهرية لموظفي الإقليم لدى وزارة المالية الاتحادية، مع إلزام مجلس وزراء الإقليم تسليم جميع الإيرادات النفطية وغير النفطية إلى الحكومة الاتحادية".
وبيّن رئيس المحكمة الاتحادية أن "قرار توطين رواتب موظفي الإقليم قرار باتّ وملزم، كما أن تأخير واجتزاء رواتب موظفي الإقليم انتهاك للحقوق".
رئيس المحكمة الاتحادية القاضي جاسم العميري: قررنا إلزام رئيس الحكومة الاتحادية ورئيس حكومة كردستان بدفع رواتب موظفي الإقليم أسوة بباقي موظفين العراق. pic.twitter.com/9JwKO4mv9m
— د.حــــيدر البرزنچــي (@Hber_iq) February 21, 2024
وسابقا كانت الحكومة العراقية في بغداد ترسل المبالغ المالية لحكومة الإقليم لتقوم هي بتوزيعها، وهذا يعني أن هذه الصلاحيات تم سحبها من حكومة إقليم كردستان وباتت بيد بغداد حصرا من خلال إيداع مرتبات الموظفين في حساباتهم بشكل مباشر، إذ طالما أثارت بغداد شكوكا حول العدد الحقيقي لموظفي إقليم كردستان.
ومن شأن القرار القضائي أن يهيئ لأزمة سياسية جديدة بين الحكومة العراقية في بغداد وحكومة إقليم كردستان، التي عدت في وقت سابق قرارات مماثلة تجاوزاً على صلاحيات الإقليم التي كفلها الدستور.
الخبير بالشأن السياسي يحيى الكبيسي، علّق على القرار بالقول إن المحكمة الاتحادية، "بمنهجية واضحة، مستمرة في تقويض أسس إقليم كردستان"، وذلك "ما لم يتخذ الإقليم موقفا حاسما وصارما برفض القرارات الصادرة عن هذه المحكمة غير الشرعية".
وبيّن الكبيسي في تصريح مكتوب لـ"العربي الجديد"، أن "قرارات المحكمة الاتحادية تصدر بحسب طلب الفاعل السياسي الشيعي الأقوى. قد تصدر هذه المحكمة قرارا بإلغاء الإقليم نفسه، وقرارات المحكمة دائما ما تثير المشاكل السياسية ولا تحلها ولها أجندة سياسية وتوجيه سياسي"، وفقا لقوله.
في المقابل، قال النائب في البرلمان العراقي هادي السلامي، لـ"العربي الجديد"، إن "قرار المحكمة الاتحادية خطوة في الاتجاه الصحيح، وهي حل أساسي لحل أزمة رواتب موظفي الإقليم المستمرة منذ فترة طويلة، والتي كان لها أثر سلبي كبير على الوضع المعيشي للموظفين في الإقليم وتدهور الأوضاع الاقتصادية".
وبيّن السلامي أن "ما صدر عن المحكمة الاتحادية العليا قرار ملزم وباتّ لكافة السلطات في بغداد والإقليم ولا يمكن التسويف والمماطلة بهذا القرار لأي حجة أو عذر كان، فهذا القرار قضائي، وهو بعيد عن كل التوافقات السياسية والمجاملات السياسية، والمحاصصة في تقاسم المغانم".
وأضاف أن "الحكومة الاتحادية بالمباشرة بالإجراءات القانونية والفنية لتطبيق قرار المحكمة الاتحادية بالتنسيق مع حكومة الإقليم، التي لا خيار أمامها غير ذلك، وأي مماطلة أو تسويف بتنفيذ هذا القرار تترتب على أثره إجراءات قانونية بحق من يخالف القرارات القضائية الملزمة والباتّة".
من جهتها، قالت الباحثة في الشأن السياسي نوال الموسوي، إن "تجريد الإقليم من صلاحيته الإدارية يمثل انهياراً سياسياً وتراجعاً كبيراً للاتفاق السياسي، كما أن تذويب إقليم كردستان في مراحله الأخيرة. هكذا خطوات تتخذ بدعم دولي يعزز المركزية".
تجريد الاقليم من صلاحيته الإدارية يمثل انهياراً سياسياً وتراجع كبير للاتفاق السياسي
— نوال الموسوي (@NwalAlmwswy) February 21, 2024
تذويب اقليم كوردستان في مراحله الاخيرة
هكذا خطوات تتخذ بدعم دولي يعزز المركزية pic.twitter.com/zvITQc7nyF
وكان الأكراد قد وضعوا شروطا عدة على تحالف "الإطار التنسيقي" مقابل التصويت لحكومة محمد شياع السوداني، تتعلق بحل المشاكل العالقة بين إقليم كردستان وبغداد، أبرزها حصة الإقليم في الموازنة المالية الاتحادية العراقية.
وبلغت حصة الإقليم في الموازنة المالية لسنوات 2023 و2024 و2025، التي صوت عليها البرلمان العراقي في يونيو/حزيران الماضي، نحو 16.609 تريليون دينار (نحو 12.7 مليار دولار)، لكن خلافات عادت مجددا بهذا الشأن.
(الدولار= 1310 دنانير عراقية تقريباً)