استمع إلى الملخص
- **تفاصيل القانون الجديد وأهدافه**: يلغي تجريم الشيكات بدون رصيد تحت خمسة آلاف دينار ويشمل منصات إلكترونية للتحقق من الأرصدة، بهدف تحسين مناخ الأعمال وأمان التعاملات المصرفية.
- **التحديات والبدائل المقترحة**: يواجه القانون انتقادات لغموضه وتأثيره على المؤسسات الصغيرة، ويقترح الخبراء بدائل مثل الكمبيالة وتدخل القطاع المصرفي لتوفير السيولة.
تربك ضوابط قانونية جديدة بخصوص إصدار الشيكات المصرفية والتعامل بها في تونس، تعاملات الكثير من التجار الذين يخشون انكماش أنشطتهم التي تعتمد كثيراً على الدفع الآجل المستند إلى إصدار الشيكات.
ومن المتوقع أن يدخل قانون الشيك الجديد حيز النفاذ بداية عام 2025 عقب الانتهاء من وضع منصة رقمية لمراقبة كفاية الأرصدة وهو ما يحد من استعمال الشيكات وسيلة دفع مؤجلة لسداد عمليات تجارية بالتقسيط. ورغم ما ينطويه من مخاطر يعد الشيك من وسائل الدفع الميسرة التي يلجأ إليها التونسيون لتقسيط المدفوعات.
وبينما ألغى القانون الجديد تجريم إصدار الشيك من دون رصيد الذي تقل قيمته عن خمسة آلاف دينار (ما يعادل 1600 دولار)، تضمن إرساء منصات إلكترونية للتعامل بالشيك، لتتيح للمستفيد من الشيك التثبت الفوري والمجاني من الرصيد المتوفر الذي يغطي مبلغ الشيك لدى المصرف. ووفق الحكومة فإن القانون الجديد يهدف إلى تحسين مناخ الأعمال وملاءمة السياسة الجزائية مع خصوصية المعاملات الاقتصادية، وتعزيز أمان وموثوقية التعامل بالشيك، وتحسين الممارسات المصرفية.
ومن المتوقع أن يكبح تطبيق القانون الجديد إصدار الشيكات للدفع المؤجل، حيث لن تقبل المنصة الإلكترونية المزمع إحداثها الشيكات التي لا يؤمن أصحابها المبالغ الكافية لسدادها في أرصدتهم البنكية، وهو ما يراه حاتم الحاجبي تاجر الأجهزة الإلكترونية في سوق المنصف باي (أكبر سوق للأجهزة الإلكترونية في العاصمة تونس)، أنه قد يؤدي إلى تراجع كبير في المبيعات للحد من استعماله وسيلة دفع مؤجلة، موضحاً أن المنصة الإلكترونية للتثبت من كفاية الأرصدة ستوقف تماماً استعمال الشيك وسيلة بيع بالتقسيط.
وأشار الحاجبي في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن أغلب من يقدمون الشيكات كوسيلة ضمان ليس لهم أرصدة كافية عند إتمام عملية الشراء، غير أنهم قادرون على الدفع على المدى القصير. وأضاف أن "أكثر من 80% من عملاء السوق يسددون مشترياتهم بالتقسيط وهي طريقة تجارية رائجة في تونس، نظراً للظروف الاقتصادية والمالية الصعبة للمواطنين".
ووفق بيانات رسمية، أعلنت عنها وزيرة العدل ليلى جفال مؤخراً، تمثل الشيكات بدون رصيد التي لا تتجاوز قيمتها خمسة آلاف دينار نحو 83% من الصكوك المتداولة، كما تشكل الشيكات التي لا تتجاوز قيمتها ألف دينار نحو 50% منها.
ورجّح الحاجبي أن يتم تنظيم المبيعات بوسائل دفع بديلة من بينها "الكمبيالة "تجنباً لركود الحركية التجارية، مشيراً إلى أن التجار بدأوا فعلاً تطبيق القانون الجديد بعدم قبول أي شيكات مؤجلة يتجاوز مداها ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ووفق أحدث بيانات البنك المركزي التونسي، أصدر التونسيون خلال الربع الأول من العام الجاري ما يزيد عن 6.1 ملايين شيك. وأظهرت البينات أن المعاملات عبر وسيلة الدفع هذه انخفضت 3.41%، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، إلا أن إجمالي هذه التعاملات ارتفع بنسبة 4.8% ليصل إلى 30.9 مليار دينار (10.1 مليارات دولار). وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023 رُفض نحو 90 ألف شيك بقيمة إجمالية 733 مليون دينار.
وترى حسن الوجود بن مصطفى نائب رئيس كونفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية "كوناكت" أن القانون الجديد، لا يزال غامضاً، خاصة ما يتعلق بالفترة الانتقالية بين القانونَين القديم والجديد. وقالت بن مصطفى في تصريح لإذاعة موزاييك المحلية أخيراً، إن الارتباك المتعلق بتطبيق بنود القانون الجديد خلق تعطيلاً في معاملات المؤسسات الاقتصادية خاصة الصغرى منها، داعية إلى ضرورة الاستعجال بإصدار الأوامر الترتيبية وتشغيل المنصة الرقمية في أقرب وقت ممكن.
وينصح خبراء في المخاطر المالية بضرورة إعادة النظر في دور الكمبيالة وسيلة خلاص موثقة وإيجاد حلول للشيكات المؤجلة والموجودة حالياً في محافظ المؤسسات التجارية والمالية لضمان تحصيلها بعد دخول المنصة الإلكترونية للتعامل بالشيكات حيز العمل.
ويرى الخبير المالي مراد الحطاب، أن حماية الدورة التجارية والاقتصادية من الركود يستوجب إيجاد بدائل فعالة حماية لاستمرارية التعاملات الاقتصادية، خصوصاً في مجالات البيع بالتجزئة على غرار تسويق الأثاث والتجهيزات المنزلية ومواد البناء وغيرها من المنتجات الاستهلاكية التي يتم سداد ثمنها بالتقسيط.
وأضاف الحطاب لـ"العربي الجديد" أن الشيكات المؤجلة وسيلة دفع وتداين تستعمل على نطاق واسع في تونس، وتساعد على تنشيط الحركة التجارية بين مختلف المتعاملين على الرغم من مخاطرها. وأكد أنه لا يمكن إنكار أن استعمال الشيكات كوسيلة ضمان أو سداد مؤجلة مخالف للقانون، غير أنه يلبي احتياجات الكثير من الأسر ويساهم في تنشيط الاستهلاك.
وطالب بضرورة تدخل القطاع المصرفي لتوفير السيولة، بما يساعد الأفراد والمؤسسات الاقتصادية التي ترتبط معاملاتها بالشيكات على الاستمرار. وأكد أن "طيفاً واسعاً من التونسيين يعاني من محدودية القدرة الإنفاقية وإقصاء مالي متجذر يحرمهم من الحصول على التمويلات المصرفية الكافية وهو ما يجبرهم على اللجوء إلى استعمال الشيك بكثافة".
وأشار إلى أهمية الحفاظ على محرّك الاستهلاك قاطرةً للنمو الاقتصادي في ظل تباطؤ باقي المحركات خلال السنوات الماضية وضمان ديمومة نشاط الشركات، لا سيما الصغرى والمتوسطة وحمايتها من التعثر المالي والإفلاس.
وتظهر البيانات الرسمية أن عدد القضايا المتعلقة بإصدار شيكات من دون رصيد يتجاوز 12 ألف قضية، في حين يبلغ عدد الموقوفين على ذمة قضايا الشيكات 580 شخصاً، بدون اعتبار الذين هم محل ملاحقة أحكام قضائية. ويرى لؤي الشابي رئيس منظمة آلارت (غير حكومية متخصصة في مكافحة الممارسات الاحتكارية) أن تنقيح قانون الشيكات لن يكون فاعلاً إذا لم ترافقه إصلاحات هيكلية تحتاجها المنظومة المصرفية في تونس، مضيفاً في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن ضعف الاندماج المالي يجبر التونسيين على اللجوء إلى الشيك باعتباره وسيلة دفع مؤجلة، أو اقتراض قصير المدى، في سوق موازية لا تحمي الأطراف المتعاقدة. واعتبر أن ضعف الاندماج المالي يهيئ الأرضية لكل التعاملات المالية المحفوفة بالمخاطر، ومن بينها إصدار الشيكات أو الاقتراض من مسالك مالية غير قانونية.