فوضى الأسواق في لبنان: حلول ترقيعية للحكومة المعطّلة والانهيار المعيشي يتواصل

31 أكتوبر 2021
فشل حكومي في تخفيف أعباء المواطنين (أنور عمرو/فرانس برس)
+ الخط -

في 13 سبتمبر/أيلول 2021 عقدت الحكومة اللبنانية "الجديدة" جلستها الأولى في قصر بعبدا الجمهوري برئاسة الرئيس ميشال عون، التي اتّسمت بطابع "الترحيب" و"التعارف" و"عرض المشاكل الاقتصادية والتحديات" وتم خلالها تشكيل اللجنة الوزارية لصياغة البيان الوزاري قبل أن تنعقد 4 مرات "كلاسيكياً" وتُجمَّد في 12 أكتوبر/تشرين الأول.
وحرص رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، الآتي بمظلة "سياسية" محلية ودولية منذ الجلسة الأولى على التأكيد على أنه سيقوم بـ"تكثيف جلسات مجلس الوزراء وتضمينها المواضيع المهمة وذات التأثير المباشر على الحياة اليومية للمواطنين" في محاولةٍ منه للحصول على "بعض" الثقة من أكثرية شعبية تطالب منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 بإسقاط المنظومة السياسية التقليدية.
وعد ميقاتي سرعان ما أطاحَ به الصراع السياسي الذي عرَّى "حكومة الإنقاذ" وعلّق انعقادها بعد جلسة أخيرة مشحونة متوترة شهدت تهديدات علنية من وزير الثقافة محمد مرتضى (محسوب على حزب الله) طاولت الرئيس عون ووزير الداخلية بسام المولوي ربطاً بتحقيقات انفجار مرفأ بيروت وتلويح وزراء "حزب الله" و"حركة أمل" وبدعم من "تيار المردة" بالمقاطعة حتى إقالة المحقق العدلي القاضي طارق البيطار.

ويأتي ذلك، قبل أن تفاقمَ الأزمة "أحداث الطيونة" بعد تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي التي اجَّجت الانقسام مع خروج مطالب بإقالته وأخرى تحذر من هذه الخطوة أو حتى من دفعه إلى الاستقالة بما يقضي بالكامل على حكومة ميقاتي.

وفي عرضٍ سريع لأبرز ما "حققته" الحكومة الميقاتية منذ تشكيلها، رفع الدعم عن المحروقات مع "تأرجح على صعيد البنزين" وفوضى لناحية الدواء، من دون أن تقدم أي بديل للمواطنين المحاصرين بالغلاء وسط غموض يسود البطاقة التمويلية التي لم تبصر النور بعد، وضبابية ملف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وسط أوضاع كثيرة غير مواتية ومبشرة بنجاحها، عدا عن بحث بعض مساعدات لموظفي الدولة وضعت في دائرة "الرشاوى الانتخابية" وأخرى للعاملين في القطاع الخاص حذر خبراء اقتصاديون من تداعياتها نظراً للأزمة الحادة التي تعصف بالمؤسسات الخاصة وصولاً إلى جرع "كهربائية نفطية" لتأخير العتمة الشاملة.
يقول الخبير والكاتب الاقتصادي، خالد أبو شقرا، لـ"العربي الجديد" إنّ "الحكومة منذ تشكيلها في 10 سبتمبر/ أيلول لم يكن يتوقَّع الكثير منها باعتبار أنها أتت بطريقة المحاصصة نفسها وتمثل المنظومة السياسية التي شاركت بالهدر والفساد وتتحمل مسؤولية الانهيار".
ويلفت أبو شقرا إلى أنه "عندما انطلق عمل الحكومة "الجدي" لاحظنا أمرين أساسيين، الأول لم تتطرق في بداية جلساتها إلى مشاكل أساسية مثل الكهرباء والعلاقة مع صندوق النقد الدولي وقد بقيت ملتبسة وتم إدخال المسببات ذاتها التي أدت لانفجار المفاوضات في الفترة الماضية، ولا سيما لناحية فريق العمل غير المتجانس، كما أنها لم تتطرق إلى مواضيع أساسية منها إعادة هيكلة القطاع المصرفي".
ويشير أبو شقرا إلى أن "ممثل المجموعة العربية في صندوق النقد الدولي والمدير التنفيذي فيه محمود محيي الدين جال على المسؤولين اللبنانيين وطالب الحكومة بتنظيم أوراقها وتسليم الأرقام اللازمة وإتمام فروضهم على مستوى حجم الخسائر وكيفية توزيعها وتقديمها للصندوق ليقدم بدوره المساعدة على أساسها، وها هي الحكومة لا تجتمع في وقتٍ نحن بأمسّ الحاجة للتضامن الوزاري من أجل مواجهة المشاكل والأزمات".

وفي هذا الإطار، قال أبو شقرا: "حتى الآن لا شيء جدي على صعيد المفاوضات ولا تقدم في خطة الحكومة المطلوبة لمجابهة الأزمة الاقتصادية لا لناحية رؤيتها للقطاع العام أو تخفيض العجز بالموازنة أو سدّ الفجوة النقدية بين المصارف ومصرف لبنان بقيمة 83 مليار دولار، بالإضافة إلى قطاع الكهرباء الذي لم تبدأ أي خطوة إصلاحية تجاهه ولا سيما على صعيد تشكيل الهيئة الناظمة وغيرها من الإجراءات التي تبرهن جدية الحكومة وشفافيتها"، لافتاً إلى أن "طريق المفاوضات لن تكون سهلة أو سالكة أو سارية بنتائجها قبل الانتخابات النيابية المقرر عقدها في مارس/آذار المقبل علماً انّ أي تعطيل لاستحقاق قادم من شأنه أن يطيح بالمفاوضات كلها حتى لو توصلنا إلى اتفاق".

وأكد الكاتب الاقتصادي أن "ما يحدث من اجتماعات جانبية على صعيد الوزراء أو رئيس الحكومة أو اللجان لا تغني أو تحلّ محل الحكومة التي بيدها القرار مجتمعةً وبالتالي فإنّ تعطيل الجلسات قادر على تحويلها إلى حكومة تصريف أعمال بعد 13 شهرا من تصريف حكومة حسان دياب للأعمال ولا سيما في ظل وجود أجواء في البلاد تظهر عدم توافق الوزراء داخل الحكومة وهو ما يعرض الإصلاحات التي ينتظرها المجتمع الدولي لتقديم الدعم المطلوب أو اللبنانيين للفشل".

ويضيف أبو شقرا: "رفع الدعم كان بمثابة شر لا بد منه ولكن ما هو ليس مفهوماً السبب وراء عدم سير الحكومة بالبطاقة التمويلية التي أقرها مجلس النواب، وقد بدأ الحديث عن خفض عدد العائلات التي ستستفيد منها إلى حوالي 200 ألف عائلة وحصرها فقط بالأكثر فقراً بعدما كانت تشمل 750 ألف عائلة وبسقف مالي بسيط. أما مسألة زيادة الرواتب فهي شبه مستحيلة وتتطلب طباعة العملة وبالتالي تؤدي إلى التضخم".

من جانبه، يحذر الخبير الاقتصادي، لويس حبيقة، من تداعيات تعليق جلسات مجلس الوزراء التي يحتم اتخاذ القرارات الأساسية انعقاده مثلاً للموافق على برنامج مع صندوق النقد الدولي، أو على صعيد الاستثمارات الكبيرة والموازنة وغير ذلك. ويلفت في المقابل إلى أنّ "الحكومة وإن لم تجتمع يبقى على الوزراء الاستمرار في عقد اجتماعاتهم ومواصلة عملهم بكثافة ونشاط نظراً للظروف التي تمرّ بها البلاد إلى حين استئناف الجلسات.
ويلفت حبيقة بحديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "الحكومة لم تستفد من الوقت منذ أول يوم على تشكيلها فنيلها ثقة البرلمان حيث إنّ تضييع الوقت كان سائداً حتى أن بعض الوزراء أشبه بالعاطلين عن الاجتماعات ومع ذلك أفضّل إعطاء هذه الحكومة علامة 12 على عشرين منعاً لإسقاطها ومن بوابة الأمل ولعدم وجود أي خيارات قوية بيدنا لأن اسقاط الحكومة اليوم يعني أن لا حكومة جديدة وسندخل مرة أخرى مرحلة تصريف الأعمال".
وإذ يتوقف حبيقة عند إيجابية اجتماع لجنة المؤشر وخصوصاً على مستوى شمله المعنيين والعمال وأرباب العمل، يشكك في نجاح مسار رفع الأجور حتى على صعيد القطاع الخاص حيث إن الشركات الخاصة ليس بمقدورها زيادة الأجور لا بل تعمد في الفترة الماضية إلى الإقفال وصرف الموظفين والعمّال أما على صعيد القطاع العام فأي زيادة ستبقى غير كافية في ظلّ الغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار على جميع المستويات.

المساهمون