فورة الوقود الجزائري: ملامسة الاكتفاء الذاتي بانتظار التصدير

23 ابريل 2022
موظف في مصفاة حاسي مسعود (علي دجينيدي/ Getty)
+ الخط -

اقتربت الجزائر من تحقيق أحد الأهداف التي وُضعت قبل عقود من الزمن، وهو الاكتفاء الذاتي من الوقود، بعدما وعدت الحكومات المتعاقبة بالوصول إلى التحرر من استيراد النفط المكرر خلال عامي 2021 و2022. أما الهدف المقبل فهو التوجه نحو التصدير عبر تشغيل مصاف نفطية جديدة قد تحول الوقود من مادة أثقلت فاتورة الواردات إلى مصدر للعملة الصعبة في البلاد.

وعلى الرغم من هذا التطور، لا تزال الطوابير تمتد أمام محطات عدد من الولايات. وقطعت الجزائر شوطاً كبيراً مطلع السنة الحالية مع دخول مصفاة حاسي مسعود، جنوب شرقي البلاد، حيز الإنتاج في شهر فبراير/شباط الماضي، بشراكة إسبانية - كورية جنوبية، في انتظار اكتمال مشاريع إنجاز مصفاتي بسكرة وتيارت المتعثرة بسبب نقص التمويل وتأخر إنجاز الدراسات اللازمة.

وبدأت الجزائر طريقها نحو تحقيق الاكتفاء الداخلي في إنتاج مشتقات الطاقة في مقدمتها الوقود سنة 2018 باستحواذ شركة سوناطراك النفطية على مصفاة أوغوستا الإيطالية، التي كانت مملوكة لشركة إكسون موبيل الأميركية، مقابل 900 مليون دولار، بطاقة تكرير إضافية تقدر بنحو 10 ملايين طن سنوياً.

وفي السياق، كشف عبد الرحمن شلوش، نائب مدير الإنتاج والتوزيع في شركة نافطال لتوزيع الوقود - فرع "سوناطراك"، أن "الشركة تسلمت في 24 فبراير المنصرم مصفاة "RHM2" بحاسي مسعود في ولاية ورقلة، بطاقة مقدرة بأكثر من مليون طن من النفط الخام، وتنتج حاليا البنزين من دون رصاص وغيره من المواد الأخرى، لا سيما منها الكيروسين والديزل، وتعتبر المصفاة ثمرة شراكة بين شركتي تيكنيكاس رونيداس الإسبانية وسامسونغ للهندسة من كوريا الجنوبية، بقيمة 440 مليار دينار (3.7 مليارات دولار)، بطاقة مستقبلية تصل إلى 5 ملايين طن سنوياً، في انتظار تسلم مصفاة بولاية بسكرة نهاية السنة الحالية، فيما تأجل مشروع مصفاة ولاية تيارت غربي الجزائر إلى 2024".

وأظهر المتحدث ذاته لـ"العربي الجديد" أن "استهلاك الجزائريين من الوقود شهد نمواً سنوياً مرتفعاً بنسبة 5.1 في المائة، خلال الفترة الممتدة من 2000 إلى 2020، حيث قفز من 5.6 ملايين طن إلى 14.4 مليوناً في 2020، فيما يقدر الإنتاج عند نهاية السنة بـ16 مليون طن، ما يسمح بتغطية الطلب الداخلي من الوقود من فئة "من دون رصاص".

وتخوض الجزائر منذ سنوات معركة لكبح فاتورة الواردات وتقليص نزيف النقد الأجنبي، من خلال فرض قيود على السلع المستوردة، خاصة واسعة الاستهلاك على غرار القمح والحليب والأدوية والسيارات. وأخضعت الحكومة الكثير من الواردات للتراخيص المسبقة من السلطات، كما حظرت دخول مئات السلع، ليأتي تحقيق الاكتفاء الذاتي من الوقود ليرفع شيئاً من الثقل عن فاتورة الواردات، في انتظار التحول نحو التصدير.

بلغة الأرقام، أكد محمود ثومي، مدير التخطيط والاستشراف في وزارة الطاقة الجزائرية، أن "عملية توحيد البنزين ساهمت بشكل كبير في تخفيض فاتورة الاستيراد، التي كانت تكلف الخزينة العمومية ملياري دولار لشراء ما بين 900 ألف ومليون طن من مختلف أنواع البنزين".

وشرح ان "إلغاء البنزين العادي والممتاز في جميع محطات البنزين، بداية من يوليو/ تموز 2021، لم يأت لأسباب اقتصادية لتخفيض فاتورة الاستيراد فقط، بل يهدف إلى حماية البيئة والصحة العمومية من الأضرار التي يخلفها الوقود".

ولفت المتحدث ذاته في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "الجزائر حالياً لم توقف استيراد الوقود نهائياً، بل لا تزال تستورد نوع "الديزل" في انتظار تحقيق الاكتفاء الذاتي أيضاً من هذه المادة مع مطلع 2023، ليرتفع ما يتم اقتصاده سنوياً من وراء توقيف استيراد الوقود إلى 2.4 مليار دولار، كانت تخصص سنوياً في الموازنة العامة للبلاد".

ورغم الأرقام الإنتاجية الكبيرة وما كلفته من إنفاق حكومي على المنشآت النفطية، إلا أن مشاهد الطوابير الطويلة لا تزال موجودة أمام محطات الوقود، خاصة في الولايات الجنوبية والولايات الحدودية، ما بات يؤرق الجهات الرسمية التي عجزت عن وضع مخطط توزيع يطوي هذا الملف ويحل أزمة النقص الحاصلة.

وفي السياق، أكد الخبير الاقتصادي ووزير الطاقة الأسبق عبد المجيد عطار أن "إشكالية الطوابير أمام محطات الوقود مقسمة إلى قسمين، الأول ظرفي يتعلق بالمناسبات والأعياد الدينية والوطنية حين يتضاعف الطلب على الوقود قبيل العطل الرسمية العامة، أما القسم الثاني فهو دائم ويتركز في الولايات الحدودية، خاصة الغربية، وفي الجنوب".

وأضاف في حديث مع "العربي الجديد" أنه "في الحقيقة هناك مشكل توزيع لمادة الوقود، إذ إن الجزائر هي بلد بحجم قارة، لكن لا يمكن أن نجد تفسيراً منطقياً لظاهرة أن الولايات الجنوبية التي يخرج من باطنها النفط ينتظر سكانها لساعات لتعبئة خزانات سياراتهم". وأضاف نفس المتحدث أن "مشكل الوقود في الولايات الحدودية يعود إلى التهريب إلى دول الجوار، وهو الأمر الذي يكلف الخزينة العمومية أموالا طائلة بسبب سعره المدعوم".

المساهمون