يعاني الكثير من المواطنين في مناطق سيطرة النظام السوري من عدم القدرة على الحصول على الدواء، إما لارتفاع أسعاره أو لعدم توفره في الصيدليات، في الوقت الذي حذر فيه المجلس العلمي للصناعات الدوائية من توقف الإنتاج بسبب ارتفاع التكاليف.
لم تستطع أم أحمد مستو (51 عاما)، شراء وصفة الطبيب كاملة بالرغم من إحساسها بالإعياء الشديد، بسبب ارتفاع سعر الأدوية الموصوفة لها، موضحة في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قيمة الفحص الطبي بلغت 8 آلاف ليرة وثمن الدواء نحو 24 ألفاً، بينما راتب زوجي التقاعدي 55 ألف ليرة، لذا لم أستطع تدبير قيمة الأدوية كلها، فقمت بشراء جزء منها، ووضعت الوصفة الطبية في إحدى الجمعيات الخيرية التي تقدم مساعدة لتأمين الدواء على أمل أن تؤمن ما تبقى منها، لكن مرت على الأمر عدة أيام ولم تتصل الجمعية بي".
وأضافت "ارتفعت أسعار الأدوية منذ بداية العام بشكل لافت، فالسعر الرسمي شيء والسعر الحقيقي في السوق شيء آخر، وبالنهاية لا يستطيع المواطن سوى التسليم بالأمر الواقع لأن المشكلة ليست في الصيدلي بل في الشركات ومستودعات بيع الأدوية".
من جانبه، يشعر أبو مهند أيوب (40 عاما)، بالصدمة جراء أسعار الدواء المرتفعة، قائلا في حديث مع "العربي الجديد": "لم تعد أسعار الأدوية منطقية بالنسبة للراتب الشهري، فأن أدفع ثمن الوصفة الطبية لطفلين مصابين بالرشح وبعض الاحتقان في الأذن 17 ألف ليرة، هناك أمر غير منطقي، وراتبي في الدولة لا يصل إلى 50 ألف ليرة، ولولا أن لدي أخوين لاجئين في أوروبا ما كان من الممكن لنا أن نحصل على العلاج بل ما كنا لنتمكن من الحصول على الخبز".
وأضاف "والدتي مريضة غدة أيضا، وعليها تناول دواء يومي وإلا ستتعرض لكثير من المضاعفات التي قد تهدد حياتها، والمشكلة أن هذه الأدوية وغيرها من أدوية الأمراض المزمنة لم تعد متوفرة بشكل دائم، فتجد جميع أفراد العائلة قد حفظوا أسماء الأدوية وعياراتها، ودائما ما نسأل كل صيدلية نمر من أمامها، كما نوصي البعض منها بأن تخبرنا في حال توفرت، وبعض الأحيان ندفع مبالغ إضافية للحصول عليها كنوع من التعويض عن هذه الخدمة".
وتابع "عندما كان الراتب في سورية عام 2011 يعادل نحو 400 دولار في المتوسط، كان الموظف مديونا بشكل دائم وعاجزا عن تأمين أبسط احتياجاته، فتجده يعمل في عدة وظائف ليؤمن نحو ألف دولار ليعيش بالحد الأدنى، أما اليوم فراتب الموظف نحو 17 دولارا، في وقت زاد النظام الرسوم والضرائب بشكل كبير وانهارت القيمة الشرائية لليرة، فتخيلوا كيف يمكن أن يعيش".
وبينما يشكو المواطنون من الارتفاع الحاد لأسعار الدواء، طالب المجلس العلمي للصناعات الدوائية بضرورة تدخل وزارة الصحة التابعة للنظام من أجل زيادة أسعار العديد من الأصناف الدوائية، محذرا من توقف المعامل (المصانع) بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية وسعر الصرف، وفق ما نقلت صحف محلية عن اجتماع للمجلس قبل أيام.
وبحسب المجلس، فإن المعامل تعاني من ارتفاع أسعار المواد الأولية لدى دول المنشأ، وارتفاع أجور الشحن 3 أضعاف وأسعار الطاقة، في حين تساءل أصحاب المعامل لماذا تم التدخل برفع أسعار العديد من المواد والسلع بشكل كبير؟ ولم يحدث أي تدخل بتعديل أسعار الدواء بشكل ينصف عملية الإنتاج، وينصف المواطن في نهاية المطاف، ما يساهم في استمرار إنتاج الأصناف الدوائية ووجودها في الصيدليات، ويمنع دخول الدواء المهرب الذي يباع بأسعار مضاعفة.
خسائر الاقتصاد منذ بداية الحرب في 2011 وحتى 2021 تقدر بأكثر من 530 مليار دولار، ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسورية عام 2010. لكن تقارير دولية أشارت إلى وصول الخسائر إلى 1.2 تريليون دولار
وأضحى الدعم الصحي، وخاصة الأدوية وإجراء العمليات الجراحية، من أولويات الكثير من الجمعيات الخيرية والمبادرات المجتمعية الإغاثية، إلا أن نقص الإمكانات مقارنة مع الاحتياجات وتردي القطاع الصحي العام وتراجع خدماته وعدم توفر الأدوية للمرضى تتسبب في معاناة غالبية المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر مع الانهيار الاقتصادي الذي تشهده سورية منذ عام 2011.
وبخلاف ارتفاع فاتورة الدواء بشكل حاد، يعاني السوريون من ارتفاع أسعار السلع، حيث ارتفعت تكاليف معيشة الأسرة المؤلفة من خمسة أشخاص، بحسب تقرير لمركز "قاسيون" للدراسات، من العاصمة دمشق، في إبريل/ نيسان الماضي، من 773 ألف ليرة، مطلع العام الجاري، إلى مليون وأربعين ألف ليرة.
ويبيّن مركز قاسيون (مستقل)، من العاصمة السورية، أن أسعار سلة إنفاق الأسرة السورية المكونة من ثماني حاجات أساسية (غذاء، سكن، صحة، تعليم، لباس، أثاث، نقل واتصالات)، ارتفعت بسبب ارتفاع أسعار الغذاء والمشتقات النفطية وتراجع سعر صرف الليرة.
وتراجعت قيمة العملة السورية من 2900 ليرة مقابل الدولار الواحد في نهاية عام 2020 إلى 3200 ليرة حالياً، وفق سعر الصرف في السوق الموازية.
وكان رئيس مجموعة عمل اقتصاد سورية أسامة القاضي قد توقع، في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، أن تزداد معاناة السوريين المعيشية خلال الفترة المقبلة مع عودة تهاوي سعر صرف الليرة "التي فقدت جميع محددات قوتها، وعجز نظام بشار الأسد عن الإيفاء بأي وعد قطعه لناخبيه".
وكان تقرير صادر حديثا عن "نقابة عمال المصارف" في دمشق قد قدر قيمة خسائر الاقتصاد منذ بداية الحرب في 2011 وحتى 2021 بأكثر من 530 مليار دولار، أي ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي لسورية عام 2010. لكن تقارير دولية أشارت إلى وصول الخسائر إلى 1.2 تريليون دولار.