نعم، فلسطين ستتألم اقتصادياً وستنزف مالياً ومعيشياً وربما بشدة بسبب العدوان الإسرائيلي البربري على أراضيها ومقدساتها وشعبها، خاصة سكان قطاع غزة المحاصر منذ سنوات، كما حدث في حروب واعتداءات سابقة.
فالحروب التي يشنها الاحتلال من وقت لآخر على الأراضي الفلسطينية عادة ما تخلف وراءها زيادة في معدلات الفقر والبطالة وتضخم في أسعار السلع والخدمات، وخسائر اقتصادية فادحة نتيجة الدمار الذي يحدثه العدوان والضربات الصاروخية المركزة لمواقع الإنتاج، وهدم البنية التحتية، وتدمير محطات توليد الكهرباء والمياه والطرق والجسور والبنوك والمباني السكنية والمستشفيات والمدارس، وإغلاق المعابر، خاصة معبري بيت حانون/ إيرز وكرم أبو سالم التجاري، الواقعين شمالي وجنوبي القطاع.
كما يتم أيضا تطبيق الاحتلال إجراءات تضييق الحصار المفروض منذ سنوات على قطاع غزة، وفرْض طوق بحري شامل كما يحدث حالياً، واستهداف الحركة التجارية بهدف الضغط على المستهلك وزيادة الأسعار وإرباك الأسواق.
قوات الاحتلال تستهدف تدمير البنية التحتية الفلسطينية من مصانع ومحطات توليد كهرباء ومياه وطرق وكباري للضغط على المقاومة
كما تستهدف ضربات الاحتلال الغاشمة وبشكل مباشر المؤسسات والمنشآت الاقتصادية الفلسطينية، مثل المصانع والمحال التجارية والقطاع المالي والشركات وتدميرها كلياً، كما جرى في حروب شنها على القطاع خلال السنوات الماضية ومنها حرب العام 2014.
كما يفرض الاحتلال في أوقات الحرب إجراءات عقابية جماعية بحق الفلسطينيين للضغط على حماس والجهاد الإسلامي وغيرهما من فصائل المقاومة، مثل التضييق على الواردات والحركة التجارية، ومحاولة احداث شلل في الخدمات العامة من كهرباء وماء وغاز، ومنع عمال غزة ورام الله وغيرها من المدن الفلسطينية من التوجه لمقار عملهم داخل فلسطين 48، وإغلاق البحر المتوسط أمام الصيادين، وهو ما يعني تضرر أكثر من 4 آلاف صياد وتعطلهم عن العمل، وتضرر 1500 عامل آخرين يعملون في قطاع الصيد ويعيلون نحو 50 ألف أسرة.
هذه وغيرها عينات من الخسائر المادية والاقتصادية التي تتكبدها فلسطين وشعبها جراء الحروب والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة وأخرها الحرب الحالية على قطاع غزة كما يحدث حالياً، والعدوان الواسع الذي ارتكبته قوات الاحتلال، على المسجد الأقصى في مدينة القدس.
لكن فلسطين لن تتألم وحدها، بل ربما ستتألم دولة الاحتلال الإسرائيلي أكثر منها، فالحرب الشرسة التي تشنها قوات الاحتلال والرد عليها من قبل صواريخ المقاومة الفلسطينية التي تتدفق على الأراضي المحتلة يعقبها مباشرة هروب الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية من داخل إسرائيل كما حدث في حروب سابقة، أبرزها حرب العام 2014، وهروب السياح الأجانب الذين يشكلون موردا مهما للنقد الأجنبي، خاصة مع إغلاق المطارات والمنافذ البرية والبحرية، وتراجع قيمة العملة المحلية (الشيكل)، وانخفاض الأسهم المتداولة في البورصة.
كما أن استهداف رشقات المقاومة الصاروخية الفلسطينية لقطاعات حساسة داخل دولة الاحتلال مثل المطارات ومنصات رئيسية لإنتاج الغاز الطبيعي وأنابيب لنقل الوقود يؤثر بشكل مباشر على مفاصل الاقتصاد الإسرائيلي، وكذا على خطط الحكومة الإسرائيلية جذب استثمارات عربية وأجنبية لضخها في هذه القطاعات.
إسرائيل ليست واحة آمنة كما تزعم، أو أنها المكان الأفضل للاستثمار كما تدًعي، وأن بها مخاطر عالية لا تشجع على تدفق رؤوس الأموال الخارجية ونمو أنشطة التجارة والنقل والسياحة
كما تعيد حروب الاحتلال على قطاع غزة تذكير المستثمرين الأجانب بأن إسرائيل ليست واحة آمنة كما تزعم وتروج دوماً، أو أنها المكان الأفضل للاستثمار كما تدًعي، وأن بها مخاطر سياسية وأمنية عالية لا تشجع على تدفق رؤوس الأموال الخارجية ونمو أنشطة التجارة والنقل والسياحة، وبالتالي لن تصلح لأن تكون فرصة استثمار جذابة للمستثمرين على المدى البعيد والمتوسط، خاصة مع استمرار الاحتلال وأجواء الحروب والتوتر واستهداف تل أبيب وغيرها من قبل صواريخ المقاومة الفلسطينية.
كما أن كلفة الحرب على غزة تضغط بشدة على الميزانية الإسرائيلية ومركزها المالي الذي يعاني أصلا من عجز حاد بسبب تراجع الإيرادات العامة، خاصة من قطاعات الضرائب والسياحة والاستثمارات المباشرة والصادرات، كما تضررت في العام 2020 وبشدة من تأثيرات تفشي وخسائر كورونا على القطاعات والأنشطة الاقتصادية.
وقد تتضرر مشروعات التطبيع الممولة بأموال خليجية بشدة، خاصة إذا ما اختفى بنيامين نتنياهو من المشهد السياسي وبدأت إجراءات محاكمته بتهمة الفساد، وامتدت الحرب الحالية بعض الوقت.