لم يتمكّن القضاء اللبناني من تبليغ حاكم البنك المركزي رياض سلامة وفق الأصول القانونية اللازمة بوجوب مثوله أمام القضاء الفرنسي في جلسة الاستجواب المقرّرة له في باريس يوم غدٍ الثلاثاء، وذلك لعدم العثور عليه أو من يجوز أصولاً أن يتبلّغ عنه.
وأوضح مصدرٌ قضائي رفيع مطلع على التحقيقات الأوروبية مع سلامة، لـ"العربي الجديد"، أن "التبليغ الذي يقوم به القضاء اللبناني يأتي في إطار مساعدة قضائية للقضاء الأوروبي، وتحديداً الفرنسي".
وأشار إلى أن "القاضية الفرنسية أود بوروسي أرسلت إلى الجانب اللبناني وثيقة تبليغ لتوقيعها من قبل المطلوب إبلاغه وإعادتها، وقد حوّلها قاضي التحقيق في بيروت شربل أبو سمرا إلى مخفر ميناء الحصن، كما هو لازم عند تحويل التبليغات، وقد تلقى القاضي أبو سمرا كتابياً من الضابط الأمني المسؤول، أنهم أرسلوا دوريات أمنية 3 مرات لتبليغ سلامة الوثيقة ولم يجدوه، سواء هو أو من يصحّ تبليغه قانوناً".
ولفت المصدر إلى أن "القاضي أبو سمرا أرسل هذا الكتاب إلى القاضية الفرنسية، ولها أن تأخذ التدبير الذي تريده، وقد تعتبر الكتاب بمثابة تبليغ أو لا، القرار عندها"، مشيراً إلى أن "وسائل إعلام نقلت كلاماً غير دقيق اليوم حول مسألة التبليغ، ولا أساس له من الصحة، فالقاضي أبو سمرا ليس هو من ذهب يبحث عن سلامة ولم يجده".
كذلك، أشار المصدر القضائي إلى أن "القاضية الفرنسية عندما كانت في بيروت تستجوب سلامة، في مارس/آذار الماضي، قالت له شفهياً إن لديه جلسة في باريس، وسألت القاضي أبو سمرا، حول ما إذا كان هذا الكلام يعد تبليغاً، فكان أن ردّ عليها بالقول، إن مكتبي لا يعد محل إقامة لسلامة، وتالياً ليس المكان الممكن تبليغه أصولاً فيه، واقتنعت وقتها بالإجابة وقانونيتها".
وكان سلامة حاول التمسّك كذلك بقرار منع السفر الصادر بحقه عن النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون، لعدم حضور جلسة الاستجواب التي حددتها له القاضية الفرنسية في 16 مايو/أيار الجاري، لكن الأخيرة أصدرت قراراً برفع الحظر، وهو ما كانت أكدته في وقتٍ سابقٍ لـ"العربي الجديد".
ويحاول سلامة أيضاً من خلال وكلائه القانونيين الذين لم يحضروا معه التحقيقات الأوروبية لحظة استجوابه بأن يتنصّل من الجلسة الفرنسية، وكذلك التحقيقات الأوروبية، علماً أنه في المقابل يتمرّد على التحقيقات المحلية وسبق أن رفض المثول مرات عدة أمام القضاء اللبناني في دعاوى كثيرة متصلة بالجرائم المالية والفساد المالي المصرفي.
وفي سياق التحقيق المحلي، حدّدت قاضي التحقيق في جبل لبنان أرليت تابت يوم 13 يونيو/حزيران المقبل موعداً لجلسة مخصصة لاستجواب حاكم البنك المركزي رياض سلامة، وذلك في شكوى محامي تحالف متحدون، وهي الدعوى القضائية الأولى من نوعها ضد سلامة بجرم ضرب العملة الوطنية، وما نتج عنه من أضرار ومآسٍ مالية واقتصادية، وفق ما أعلن متحدون في بيان.
وتقدم المحامي عن "متحدون"، رامي علّيق، أساساً بالدعوى بتاريخ 10 يوليو/تموز 2020، وأحيلت أمام قاضي التحقيق في جبل لبنان زياد مكنّا الذي قرّر الهجرة من لبنان، تبعاً للبيان، وكانت محكمة التمييز قد ردّت طعون المدعى عليه سلامة، باستثناء ما يتعلق ببعض مواد قانون النقد والتسليف حصراً، الأمر الذي لم يؤثر في مسار التحقيق لانطباق مواد أخرى مماثلة من قانون العقوبات على وقائع الشكوى.
وأمل محامو "متحدون" تبعاً لما "يتعرض له المودعون والشعب اللبناني عامة من إبادة جرمية موصوفة متمادية ومتفاقمة كل يوم، من أن تأخذ العدالة مجراها بحق المدعى عليه، ولا سيما بعد تغيّبه عن حضور التحقيق لأربع جلسات متتالية رغم إبلاغه أصولاً، ورغم رفض القاضية تابت معذرة موكله المحامي شوقي قازان".
تجدر الإشارة إلى أن القضاء الفرنسي كان وجّه قبل أسابيع لائحة اتهامات لمدير بنك الموارد مروان خير الدين، الذي كان ضمن المشمولين أيضاً بالتحقيقات الأوروبية في لبنان، وشملت اللائحة، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، تأليف عصابة إجرامية للمساعدة في اختلاس الأموال العامة من قبل موظف عمومي، إشارة على الأرجح إلى رياض سلامة، على حساب الدولة اللبنانية.
كما شملت لائحة الاتهامات إساءة الأمانة، وتقديم الرشى للمسؤولين الفرنسيين الرسميين، وقد جاءت الاتهامات على خلفية التحقيقات التي تجريها السلطة القضائية في فرنسا في مصادر ثروة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والشبهات التي تدور حول قيامه بعمليات اختلاس كبيرة من المصرف المركزي.
وفي 22 إبريل/ نيسان الماضي، عاد مروان خير الدين إلى بيروت آتياً من باريس، مع وضعه تحت المراقبة القضائية الأوروبية، بعد توجيه اتهام رسمي إليه في القضية المتفرعة عن ملف التحقيق بأصول وثروة سلامة، وشركة فوري التي يملكها شقيقه رجا.