فرنسا تحمي مصالحها الاقتصادية في أفريقيا بدعم الجنرالات

04 مايو 2021
ماكرون في عاصمة تشاد بعد وفاة إدريس ديبي (Getty)
+ الخط -

أثارت مقولة الزعيم الأفريقي عمر بونغو رئيس دولة الغابون في العام 1996 الشهيرة، "أفريقيا بدون فرنسا مثل سيارة بدون سائق وفرنسا بدون أفريقيا كسيارة بدون وقود"، الكثير من السخرية من جيل الشباب الجديد الذي يحارب من أجل بناء "أفريقيا حديثة"، وسط الصراع الدولي الجاري على موارد القارة الأفريقية بين كل من فرنسا والصين وروسيا.

وبونغو، من الزعماء الذين صنعتهم فرنسا لحماية مصالحها في القارة الأفريقية. وحكم بونغو الغابون منذ استقلالها ولفترة أربعة عقود حتى وفاته في العام 2009. ووجهت له تهم عديدة بالفساد، خاصة بعد اكتشاف النفط في الغابون، وهو بالتالي من الرؤساء الأفارقة الذين روجوا لفوائد الاستعمار الأوروبي الجديد في القارة السمراء مقابل دعمه للبقاء في الحكم.

لكن بونغو ليس وحده في ذلك، فالرئيس التشادي السابق إدريس ديبي الذي قتل في إبريل/ نيسان الماضي من الرؤساء الذين اعتمدوا على الدعم العسكري الفرنسي المباشر للبقاء في الحكم لمدة ثلاثة عقود ومنذ العام 1990. وتدخلت فرنسا بالسلاح الجوي قبل عامين لحماية حكمه. وقد أثارت الضربات الجوية التي نفذت ضد المتمردين التشاديين حينها العديد من الأسئلة حول الدور الفرنسي في أفريقيا الذي يواصل حماية نظم الجنرالات والفساد المالي والاقتصادي في أفريقيا.

وعلى الرغم من ذلك تتباين وجهات النظر بشأن الدور الفرنسي بين الخبراء والمحليين، والذي تراوح بين مبررات حماية الاستقرار السياسي ومحاصرة والإرهاب، وبين عودة الاستعمار غير المباشر عبر بوابة "الاستعمار الاقتصادي" واستغلال موارد القارة المعدنية والنفطية. لكن المؤكد أن فرنسا لديها مصالح اقتصادية مباشرة في تشاد التي باتت دولة نفطية باحتياطات تقدر بنحو 1.5 مليار برميل، وبيع الحكومة التشادية صفقات أسلحة، وربما تدخر علاقاتها مع حكومة كاكا ديبي للفوز بصفقات تنقيب عن المعادن والنفط في المستقبل، خاصة وأن هنالك مثلثا غنيا باليورانيوم بين ليبيا وتشاد والسودان.

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وغالباً ما تبرر الحكومة الفرنسية تدخلها في أفريقيا بحجة حماية الاستقرار ومنع الإرهاب، لكن يلاحظ خبراء أن مناطق النفوذ الفرنسي في أفريقيا، أي ما يطلق عليه "منطقة النفوذ الفرانكفوني"، أكثر المناطق فقراً واضطراباً في أفريقيا، خاصة دول جنوب الصحراء التي باتت من بؤر الإرهاب في القارة الأفريقية، وتحترف تجارة التهريب والمخدرات والاتجار بالبشر وتضم جماعات متطرفة مثل جماعة بوكو حرام.

ويرى خبراء فرنسيون يعارضون سياسة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أفريقيا، أن فرنسا لم تعمل طوال العقود الماضية التي تلت نهاية الاستعمار المباشر على تنمية القارة عبر الاستثمار وخلق الوظائف وتنمية الموارد، وإنما استمرت في تعزيز نفوذها الأفريقي عبر التدخل العسكري المباشر وحماية القادة الفاسدين، وهو ما أدى إلى تزايد النفوذ الصيني في القارة.

في هذا الشأن قال الخبير بمعهد العلاقات الدولية الفرنسي، فرانسوا غولم، إن "فرنسا نشطة وناجحة في إرسال القوات العسكرية إلى أفريقيا، ولكنها ليست ناجحة في إرسال مستثمرين". والشركات الفرنسية لديها مصالح واسعة في أفريقيا وتستغل بشراهة المعادن والنفط والغاز، وباتت في الآونة الأخيرة تتمدد خارج دول النفوذ الفرنسي. ومن بين الاستثمارات الكبرى التي وقعتها الشركات الفرنسية أخيراً في أفريقيا، توقيع شركة توتال عقداً لاستثمار 50 مليار دولار في مشاريع الغاز المسال في موزمبيق، كما وقعت توتال كذلك صفقة أمنية لحماية حقول الطاقة بموزمبيق.

وحسب تقرير بصحيفة " فاينانشيال تايمز"، وقعت شركات فرنسية كذلك صفقات بقيمة ملياري دولار للمواصلات في كينيا، وصفقة إنشاء مصفاة في نيجيريا. وهذه الدول التي كسبتها الشركات الفرنسية لم تكن ضمن النفوذ الفرنسي في السابق.

ولكن رغم ذلك يشير تقرير حكومي فرنسي إلى أن حصة فرنسا من السوق الأفريقي تراجعت إلى النصف بين عامي 2000 و2017، بسبب دخول الصين وشركاتها كمستثمر رئيسي في قطاع النفط والتعدين، وكذلك دخول الشركات الدفاعية الروسية وتوقيع صفقات أسلحة على حساب الشركات الفرنسية. وحسب التقرير بلغت الصادرات الفرنسية للدول الأفريقية نحو 28 مليار دولار في العام 2019.

ويرى محللون أن فرنسا تخدم المصالح الاقتصادية لشركاتها للسيطرة على قطاعات المعادن والنفط بالدول الأفريقية تحت غطاء محاربة الإرهاب وحماية الاستقرار السياسي، ولكن ذلك قد يضر بمصالح أوروبا الاقتصادية في المستقبل، لأنه ببساطة يرفع من حصة المنافسين في السوق الأفريقي، حيث تتنامى حصة التجارة والتملك المباشر للأراضي والمناجم من قبل الشركات الصينية. وتسعى ألمانيا لقيادة أوروبا نحو اتفاقية شراكة تجارية شاملة مع أفريقيا.

وألمانيا تريد شراكة تؤمن لها السوق الأفريقي المتنامي عبر التصنيع والتسويق والتحديث، على عكس فرنسا.  من هذا المنطلق تواجه حكومة إيمانويل ماكرون انتقادات جمة على دور الوصاية، ودعم وحماية الجنرالات الذين يصعدون للسلطة بالانقلابات ويحكمون بقوة السلاح، وبالتالي يقفون عائقاً أمام فرص التحول الحقيقي في أفريقيا.

وتنتقد بعض دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها إيطاليا، بشدة الدور السياسي الفرنسي في أفريقيا بحجة أن الحكومة الفرنسية تخدم مصالحها على حساب تنمية دول القارة الأفريقية، وتبعاً لذلك يتزايد الفقر والاضطرابات وتتزايد موجات الهجرة الأفريقية المكثفة على سواحل أوروبا.

المساهمون