بعدما استأثرت جانيت يلين، مرشحة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن لوزارة الخزانة، بالاهتمام عقب اختيارها للمنصب الرفيع، قفز إلى بؤرة الضوء اسم جديد، هو اسم الاقتصادي روجر فرغسون، الذي تشير التكهنات إلى اختياره رئيساً لمجلس المستشارين الاقتصاديين، وهو المنصب الذي يسمح له بوضع كل آرائه في أذن الرئيس الأميركي مباشرة، لتكون بصمته واضحة على أغلب السياسات الاقتصادية خلال السنوات الأربع القادمة.
وبعدما قلل لاري كادلو، المستشار الاقتصادي الحالي والصديق الوفي للرئيس المغادر للبيت الأبيض دونالد ترامب، كثيراً من أهمية المنصب، حين استسلم لرغباته ورغبات من حوله، فلم يقل إلا ما أحب ترامب سماعه، ولم يكن مستشاراً، وإنما كان أقرب إلى المتحدث الرسمي باسمه في ما يخص القضايا الاقتصادية، يتوقع الكثيرون أن يعيد فرغسون الهيبة لهذا المنصب.
ويشغل فرغسون حالياً منصب الرئيس التنفيذي لاتحاد التأمين والمعاشات التابع لصناديق أسهم التقاعد بالكلية الأميركية، وكان يخطط للتقاعد بحلول شهر مارس/ آذار القادم.
والاتحاد هو أكبر المؤسسات الأميركية المعنية بتقديم الخدمات المالية للأغراض الأكاديمية والبحثية والطبية والثقافية والحكومية، وتقدم خدماتها لأكثر من 5 ملايين عامل ومتقاعد ينتسبون لنحو 15 ألف جامعة ومعهد، وتشمل أصولها، التي تتجاوز 1.2 تريليون دولار، استثمارات في أكثر من 50 دولة حول العالم.
واشتهر فرغسون، الذي سيكون أول أميركي من أصل أفريقي يشغل المنصب، حين اختاره الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون عضواً بمجلس إدارة بنك الاحتياط الفيدرالي عام 1997، ليصبح نائباً لرئيسه، ثم تشاء الظروف أن يكون العضو الوحيد من مجلس إدارة البنك الموجود في واشنطن وقت وقوع هجوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول الإرهابي عام 2001.
ولما كان آلان غرينسبان، رئيس البنك وقتها، خارج البلاد، فقد فوض كامل الصلاحيات لنائبه، الذي لم يكن وقتها قد بلغ الخمسين من عمره، ليباشر وضع وتنفيذ "خطة الحرب" التي اضطر البنك المركزي الأكبر في العالم إلى اللجوء إليها لتجنب حدوث انهيار تام في أسواق المال والأوراق المالية، في الولايات المتحدة والعالم بأسره.
واستقال فرغسون من عضوية مجلس إدارة البنك الفيدرالي عام 2006، وعمل مستشاراً اقتصادياً للرئيس السابق باراك أوباما خلال حملته الانتخابية لفترته الأولى، مشاركاً في المجلس الاستشاري الاقتصادي خلال الفترة الانتقالية، وكان بايدن وقتها نائباً للرئيس الأميركي. وفي عام 2013، طُرح اسم فرغسون مرشحاً لرئاسة البنك الفيدرالي خلفاً لبن برنانكي، الذي فضل عدم الترشح لفترة إضافية، قبل أن يذهب المنصب إلى جانيت يلين، وهو على ما يبدو نفسه ما حدث في ما يخص منصب وزير الخزانة في إدارة الرئيس المنتخب أخيراً جو بايدن.
وأمضى فرغسون، الحاصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفارد العريقة، بالإضافة إلى العديد من الدرجات الفخرية من أكثر من عشر جامعات في الولايات المتحدة، ما يزيد على اثني عشر عاماً في اتحاد التأمين والمعاشات، وقاد سفينته بسلام خلال الأزمة المالية العالمية في 2008، وهو العام نفسه الذي عُين فيه رئيساً للاتحاد في بدايته، قادماً من الشركة السويسرية لإعادة التأمين، ليصل بقيمة الأصول التي يديرها الاتحاد إلى ما يقرب من ثلاثة أضعاف ما كانت عليه وقت توليه المنصب.
وخلال تلك الفترة، ألقى فرغسون بثقله لإجراء تعديلات جوهرية على نظام التأمين والمعاشات الخاص بالعمال الأميركيين، الأمر الذي سهل للملايين منهم الوصول إلى أوعية التقاعد الإدخارية ذات الامتيازات الضريبية بعد إقراره أواخر العام الماضي.
واعتُبِر ترشيح فرغسون للمنصب الأقرب اقتصادياً للرئيس الأميركي بمثابة رسالة طمأنة لشركات التكنولوجيا الكبرى، التي تتوقع التعرض للكثير من المصاعب بعد وصول ممثل الحزب الديمقراطي فعلياً إلى البيت الأبيض، حيث يشغل المرشح لرئاسة مجلس المستشارين الاقتصاديين مقعداً في مجلس إدارة شركة ألفابيت، الشركة الأم لمحرك البحث الشهير غوغل، إضافة إلى رئاسته للاتحاد، وعضوية مجلس إدارة شركة جنرال ميلز، التي تبيع منتجاتها الغذائية في العديد من دول العالم.
ولم يخذل الرئيس الأميركي المنتخب مؤيديه الذين تمنوا وتوقعوا أن تشهد إدارته تنوعاً كبيراً، حيث اختار أول سيدة لمنصب وزير الخزانة، وأول وزير للأمن الداخلي من أصول لاتينية، وها هو يرشح أول اقتصادي من أصل أفريقي لأحد أهم المناصب في الإدارة الأميركية.
ويتخذ فرغسون، الذي ولد في العاصمة الأميركية واشنطن لأبٍ يمتهن رسم الخرائط للجيش الأميركي وأم تعمل مدرّسة بإحدى المدارس الحكومية، من أندرو بريمر، أول عضو مجلس إدارة بالبنك الفيدرالي (البنك المركزي) من أصل أفريقي، مثلاً أعلى، ويعتبره أهم الذين ألهموه في مشواره الوظيفي على مدى ما يقرب من نصف قرن.