استمع إلى الملخص
- **التوازن الجيوسياسي والاقتصادي**: تسعى دول الخليج لتحقيق توازن في علاقاتها مع القوى العالمية مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا، مع التركيز على نقل التكنولوجيا لتحقيق تنمية مستدامة.
- **فرص جديدة من الحرب التجارية**: تفتح الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين فرصاً لدول الخليج لتوسيع نشاطاتها في التعدين، مع التركيز على المعادن اللازمة لإنتاج السيارات الكهربائية والبطاريات.
بات وقوف سفينة شحن عملاقة محملة بآلاف الأطنان من المعادن مشهداً مألوفًا في موانئ دول الخليج العربي مؤخراً، وجسّد تحولاً واضحاً في استثمار دول مجلس التعاون مبالغ كبيرة في تطوير قطاع التعدين لديها مستفيدة في ذلك من ثروات النفط والغاز، وسط توقعات بتعزيز مكانتها في سوق التعدين العالمي، مستفيدة قي ذلك من الحرب التجارية الدائرة بين الولايات المتحدة والصين.
وشهدت استثمارات دول الخليج في قطاع التعدين قفزة بنسبة 215% خلال العامين الماضيين، مع توقعات بمضاعفة هذه الاستثمارات 7 مرات بحلول عام 2030، وفقًا لدراسة أجرتها شركة "ديلويت" للاستشارات أخيراً. وكانت دراسة نشرتها مؤسسة "راند" الأميركية للأبحاث في ديسمبر/كانون الأول الماضي، قد أشارت إلى أن دول الخليج تسعى للاستفادة من التناقضات الجيوسياسية والاقتصادية القائمة في العالم، متخذة من التجربة التركية في إقامة علاقات متوازنة مع القوى العالمية نموذجاً لاستراتيجياتها المستقبلية في مجال الطاقة والتعدين.
وفي هذا الإطار، يشير الخبير في الاقتصاد الدولي، رائد المصري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى تعاظم طموح دول الخليج في مجال التعدين مؤخرا، مع توسع ملحوظ في الاستثمارات، لافتا إلى أن استثمارات قطر الضخمة على سبيل المثال جرت بالتعاون مع بنك التنمية الأميركي. ومن شأن هذا التعاون أن يحشد استثمارات كبيرة لتقليص النفوذ الصيني في هذا القطاع، بحسب المصري، الذي نوه إلى أن خطط التعدين في الخليج تحظى بدعم استثماري أيضا من السعودية والإمارات.
وتتماشى هذه الخطط مع استراتيجيات انتقال الطاقة إقليمياً ودولياً، مع التركيز على التعاون مع الولايات المتحدة كأساس لهذه الاستثمارات، بحسب المصري. لافتا إلى أن الولايات المتحدة تعول على قطاع التعدين في الخليج العربي لإضعاف النفوذ والهيمنة الصينية التي استحوذت على حصة كبيرة من هذا السوق. وفي هذا الإطار، تسعى واشنطن إلى إقناع الأطراف الكبرى في المنطقة على مستوى الطاقة، خاصة السعودية وقطر والإمارات، بضخ استثمارات ضخمة وتوسيع نشاطاتها في هذا المجال.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن هذه الخطط تتوافق مع رغبة الدول الخليجية في حجز موقع مهم لها في سوق التعدين العالمي، منوها إلى أن الاستثمارات القطرية والسعودية حفّزت السعي العالمي نحو توفير المعادن اللازمة لإنتاج السيارات الكهربائية والبطاريات والليثيوم وغيرها.
ويؤكد المصري أن هذا النمو والازدهار في قطاع التعدين يمنح دول الخليج مكانة اقتصادية وتجارية مهمة، كما يتيح لهذه الدول الاستفادة من الصراع الأميركي الصيني على هذه الموارد، مع إمكانية مضاعفة الاستثمارات بحوالي سبع مرات.
ويرى المصري أن الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، المرشحة للتصاعد مع احتمال عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، قد تفسح المجال أمام دول الخليج لتوسيع نشاطاتها والاستفادة من ضخ الاستثمارات على المستوى العالمي، مؤكدا أن محاولات الولايات المتحدة لتقليص الاستحواذ الصيني على عمليات تعدين العناصر الأرضية ستفتح مساحة كبيرة لدول الخليج للاستفادة من هذا الوضع.
بدوره، يرى الخبير الاقتصادي مصطفى يوسف، أن دول الخليج يمكنها الاستفادة من التناقضات الجيوسياسية والاقتصادية القائمة في العالم كاستراتيجية فعالة للتنمية والتقدم، لكن مع الحفاظ على توازنات في العلاقات التجارية والاقتصادية مع مختلف الدول. ويلفت إلى أن الشركات الصينية في مجال التعدين تعد من أفضل الشركات في العالم حالياً، ومن مصلحة دول الخليج التعاون مع الصين وروسيا، محذرا من الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة، وهو ما أدى إلى تبعية وضعف في الموقف الاستراتيجي لدول الخليج في العقود الماضية.
وفي مجال نقل التكنولوجيا، يشدد يوسف على أهمية الاتفاق مع شركات التعدين والشركاء التجاريين على نقل المعرفة، ويستشهد بنجاح تركيا في استخراج الغاز باستخدام شركات تركية بالكامل، بعد أن تمكنت من نقل التكنولوجيا وتدريب كوادرها الوطنية.
ويلفت إلى أهمية الاستفادة من الصراعات والخلافات بين الولايات المتحدة والصين وروسيا على المستويين التجاري والجيوسياسي، مشيرا إلى مبادرات مثل "أوبك+" و"بريكس+" كأمثلة على كيفية تحقيق التوازن مع القوى العالمية الأخرى.
وفي مجال التصنيع، يسلط يوسف الضوء على تجربة المغرب في إنشاء مصنع للبطاريات الكهربائية بالتعاون مع شركة صينية رائدة، ويؤكد على أهمية استخدام الخامات المحلية واكتساب التكنولوجيا الصينية، مع الحرص على نقل المعرفة وتدريب الكوادر المحلية. ويشدد على ضرورة تحقيق دول الخليج تنمية حقيقية مستدامة ومستمرة.