يوم 15 فبراير/ شباط الجاري عيّن الرئيس التونسي قيس سعيد، أستاذ الاقتصاد فتحي زهير النوري (69 عاما)، محافظا جديدا للبنك المركزي، ليكون المحافظ رقم 14 الذي يتولى مؤسسة الإصدار المالي منذ إنشائها عام 1958.
عاد النوري إلى البنك المركزي التونسي من بوابة أوسع بعد أن سبق أن شغل عضوية مجلس إدارته، لكن تعيينه يتزامن مع ظرف اقتصادي ومالي صعب تمر به تونس بسبب هبوط مؤشرات النمو إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات مقابل ارتفاع مؤشرات البطالة والتضخم ودخول قطاعات واسعة في مرحلة الركود.
والمحافظ الجديد القادم من الأوساط الجامعية له دراية واسعة بالشأن المالي والتخطيط الاقتصادي والقطاعي، حيث سبق أن شغل عضوية المجلس الاقتصادي والاجتماعي ومجلس التحاليل الاقتصادية، كما عمل مستشاراً لدى هيئة السوق المالية وعضواً للجنة السوق المالية لدى البنك المركزي التونسي، ومستشاراً لدى منظمة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية.
ويعرف النوري بدفاعه الشديد عن استقلالية البنك المركزي التونسي وتأييده لسياسات الجهاز المصرفي والبنوك، حيث يرفض وصفها بالكارتلات المالية.
وطالما أبدى النوري في تصريحاته الإعلامية تمسكا باستقلالية البنك المركزي، معتبرا أن التمويل المباشر للخزينة من قبل المركزي قد يؤدي إلى انهيار جهود كبح التضخم.
ويرى المحافظ الجديد أن البنك المركزي ليس مطالبا بتمويل فشل السلطات التي لم تجد الحلول الجريئة لإخراج اقتصاد البلاد من نفق العجز والتداين المفرط.
كذلك يرفض النوري اتهامات المنظمات المدنية للقطاع المصرفي بتكوين "كارتيل" لتحقيق أرباح عالية على حساب المودعين، مشددا على أن القطاع البنكي يعمل ضمن سياسات محكمة يضع قواعدها البنك المركزي التونسي وهو يقوم بدور وطني في تمويل العملاء أفرادا كانوا أو مستثمرين.
كما يقرّ محافظ البنك المركزي التونسي الجديد بارتفاع سعر الفائدة في تونس مقارنة بمحيطها المغاربي والمتوسطي، معتبرا أن السياسة النقدية التي اعتمدها المحافظ السابق مروان العباسي نجحت في كبح التضخم الذي أخذ منحى تنازليا لكنها تسببت في المقابل بانكماش الاستثمار وتراجع الإقبال على الاقتراض نظرا للكلفة العالية للقروض.
وقبل التحاقه بمهامه الجديدة قدّم النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" رؤيته للإصلاح الاقتصادي وعلاقة بلاده بصندوق النقد الدولي حيث رأى أن من الضروري اجتماع سلطات تونس مع صندوق النقد الدولي، واطلع بالتدقيق على محتوى الملف وتغيير مدة الإصلاح على أن يقع تمديد فترة تنفيذ هذه الخطة إلى غاية 2030 مع توفير الإمكانات المالية اللازمة لتنفيذها.
طالما أبدى النوري في تصريحاته الإعلامية تمسكا باستقلالية البنك المركزي، معتبرا أن التمويل المباشر للخزينة من قبل المركزي قد يؤدي إلى انهيار جهود كبح التضخم
كما طالب النوري ببعث صندوق وطني للإصلاح يقع تمويل جزء منه من طرف الدولة التونسية والجزء الأكبر من طرف مانحين دوليين ممن يدعون إلى الاقتراب من حقيقة الأسعار في ما يخص المواد المشمولة برفع الدعم.
ويرى رئيس لجنة المالية في البرلمان عصام شوشان أن المحافظ الجديد مطالب بإنجاز ثلاث مهمات في آن واحد وهي السيطرة على التضخم، والحفاظ على قيمة الدينار إلى جانب حسن التصرف في رصيد النقد الأجنبي. وقال شوشان في تصريح لـ"العربي الجديد": هي مهمات صعبة ولكنها ممكنة لتجاوز هذه الفترة الحساسة.
ولكن البرلمان ذاته الذي يطالب المحافظ الجديد بحسن إدارة رصيد العملة صادق مؤخرا على قانون استثنائي منح بمقتضاه الحكومة حق الحصول على تمويلات مباشرة لفائدة الموازنة بقيمة 7 مليارات دينار أي ما يزيد عن 2.25 مليارات دولار تسدد بعد 10 سنوات دون فوائد.
ولطالما حاول المحافظ السابق مروان العباسي صد محاولات الاقتراض المباشر من البنك المركزي والنأي بالقرارات المالية عن التدخل السياسي، متعللا بتطبيق بنود القانون الأساسي للبنك المركزي المصادق عليه عام 2016 ليغادر المؤسسة تاركا أكثر من 26 مليار دينار من الموجودات من العملة الصعبة.
لكنه رضخ لسياسة الأمر الواقع أياما قبل مغادرته بفتح المجال لقرار استثنائي أجاز حصول الحكومة على مبلغ قياسي من التمويل المباشر من البنك المركزي ليترك للنوري الباب مواربا لمحاولات اقتراض جديدة في ظل تواصل الوضع المالي الصعب للبلاد.
فهل سيقفل النوري الباب نهائيا ويصد محاولات المساس باستقلالية البنك المركزي؟ أم سيفتح الباب على مصرعيه لشهوات السلطة بتمويل عجزها المالي من رصيد لا يزال يوفر 119 يوما من واردات الحاجيات الأساسية للبلاد؟