حياته تشبه شخصية "المليونير المتشرد" في الفيلم الهندي الشهير، فلا يحمل أي شهادات جامعية، ولا تعود أصوله إلى أسرة ثرية، كذلك تعرّض في حياته لمواقف عصيبة وصلت إلى حد الاختطاف والقتل، لكنه نجا من كل ذلك بأعجوبة ليصبح ثالث أثرياء العالم.
إنه غوتام أداني، رئيس مجموعة "أداني" الهندية العاملة في مجالات الطاقة وتشغيل الموانئ والتجارة، والذي بات يتجاوز أباطرة المال في العالم، واحداً تلو الآخر، منذ بداية العام الجاري تحديداً، فمن الترتيب الرابع عشر في قائمة بلومبيرغ لأغنى الأشخاص في العالم، إلى الترتيب الثالث حالياً.
وفق مؤشر بلومبيرغ للمليارديرات، الصادر أمس الثلاثاء، وصلت ثروة أداني إلى 130 مليار دولار، ليحلّ بعد الفرنسي برنارد أرنو، البالغة ثروته 157 مليار دولار، الذي جاء في الترتيب الثاني، والأميركي إيلون ماسك في الترتيب الأول بـ170 مليار دولار.
زيادة سريعة في الثروة
ويبدو الفارق بين "أداني" و"أرنو" وكذلك "ماسك" ليس بالقليل، لكن الزيادات السريعة في ثروته خلال الأشهر الماضية تشير إلى إمكانية تخطيه العملاقين الفرنسي والأميركي اللذين سيطرا على صدارة قائمة أثرياء العالم لفترات طويلة.
فبعد ثلاثة أشهر فقط من دخوله نادي أصحاب الثروات فوق المائة مليار دولار مطلع هذا العام، أضاف الملياردير الهندي إلى ثروته أكثر من 16 مليار دولار أخرى، ليتخطى بيل غيتس، مؤسس عملاق تطبيقات الحاسب الآلي مايكروسوفت آنذاك.
واستمر في الزحف نحو مراكز أخرى أكثر لطالما كان ينظر إليها على أنها أكثر تحصيناً، ليفاجئ عالم المال في سبتمبر/أيلول الماضي، بإزاحة "جيف بيزوس" مؤسس عملاق التجارة الإلكترونية الأميركية "أمازون"، ويدفعه نحو الترتيب الرابع الذي لا يزال قابعاً فيه بثورة تبلغ 116 مليار دولار.
وهذه المرة الأولى التي يصل فيها شخص من آسيا إلى هذه المرتبة المرتفعة في مؤشر الثروات، الذي يهيمن عليه رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا في الولايات المتحدة.
قبل إزاحة أباطرة المال الأميركيين الواحد تلو الآخر، تفوّق أداني على الهندي موكيش أمباني، لأول مرة كأغنى شخص آسيوي في فبراير/ شباط الماضي، بعد أن تخطت ثروته 100 مليار دولار.
استفاد أداني كثيراً من ارتفاع سعر سهم مجموعته بقوة، خلال العامين الأخيرين، ليتفوق على أداء أسهم أباطرة المال في وول ستريت، إذ أضاف إلى ثروته نحو 58 مليار دولار منذ بداية 2023 فقط.
يدرس حالياً افتتاح مكتب عائلي في الخارج لإدارة ثروته الكبيرة، وفقاً لأشخاص مطلعين على المناقشات، وفق بلومبيرغ. وبحسب مصادر، فإن عائلة أداني تُجري حالياً محادثات مع مستشارين وخبراء ضرائب حول خطط افتتاح المكتب العائلي، مشيرة إلى أنه لم يتحدد بعد موقع المكتب، وقد يتغير بناءً على المشورة التي يتلقاها أداني ومدى توافر الموارد.
لم يكمل تعليمه الجامعي
وأداني لم يكمل تعليمه الجامعي، فقد ترك الكلية لتجربة حظه في صناعة الماس في مومباي في أوائل الثمانينيات قبل أن يتجه إلى الفحم والموانئ. وتوسّعت مجموعته منذ ذلك الحين لتشمل كل شيء من المطارات إلى مراكز البيانات والإسمنت ووسائل الإعلام والطاقة الخضراء، مع التركيز على المجالات التي يعتبرها رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، حاسمة لتحقيق الأهداف الاقتصادية طويلة الأجل للهند.
أسس "مجموعة أداني" عام 1988، لتصبح خلال السنوات الأخيرة ضمن أكبر الشركات الهندية وأهمها، بحجم مبيعات سنوية يتجاوز 20 مليار دولار، يأتي أغلبها من الخدمات اللوجستية، والأعمال الزراعية، وقطاع الطاقة، الذي تُعَدّ الشركة أكبر منتج خاص فيه، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية. وتعدّ المجموعة حالياً أكبر مطور ومشغل للموانئ في الهند.
وفي عام 2015، صُنِّفَت "أداني" على أنها الشركة صاحبة العلامة التجارية الأكثر ثقة في الهند، ويعمل فيها حالياً أكثر من ثلاثة وعشرين ألف عامل وموظف في خمسين دولة.
وُلد أداني في مدينة أحمد آباد بولاية غوجارات الهندية، وكان له سبعة من الإخوة، واشتغل أبوه بتجارة المنسوجات، حتى تمكن من إدخاله كلية التجارة في جامعة غوجارات، إلا أن الشاب المتعطش للعمل لم يمكث فيها أكثر من عامين، ليخرج إلى معترك الحياة، لكن بعيداً عن مهنة أبيه التي رآها غير مشبعة لطموحاته.
حياة مليئة بالأحداث الدرامية
استفاد أداني كثيراً من تداعيات جائحة كورونا. فبعد شهور قليلة من ظهور الوباء وانتشاره في جميع أنحاء المعمورة، وبينما كانت أغلب شركات العالم خاضعة لإغلاق كبير لمنع انتشار الوباء، فاز بأكبر مناقصة في العالم من شركة الطاقة الشمسية الهندية بقيمة ستة مليارات دولار، قبل أن يتمكن في سبتمبر/ أيلول من العام نفسه من الاستحواذ على 74% من مطار مومباي الدولي، ثاني أكبر مطارات الهند بعد مطار دلهي.
وتُعَدّ حياة الملياردير الهندي البالغ من العمر 60 عاماً، مليئة بالأحداث الدرامية. ففي عام 1998 تعرض لعملية اختطاف، إثر هجوم إرهابي على فندق تاج محل في مومباي خلال وجوده في الفندق.
وبسؤاله عن الواقعة، بدا الملياردير الهندي غير راغبٍ في التحدث عن تفاصيلها، أو ذكر الأسباب التي دعت الخاطفين إلى الإفراج عنه، قبل أن يُقبَض عليهم، ثم يُفرَج عنهم، بعد المحاكمة.
وخلال الحادث، وبينما كان البعض يختبئ تحت الأرائك، جلس أداني على إحداها غير مبالٍ بالرصاص المتطاير على بعد أقل من مائة قدم، وفق ما أدلى به لوسائل إعلام هندية.