مع جمود معدلات التضخم في جميع أنحاء العالم، يتدافع السياسيون بحثاً عن طرق للحفاظ على الغذاء في متناول الجميع، حيث يحتج الناس بشكل متزايد على ارتفاع تكاليف المعيشة.
وتمثلت إحدى الاستجابات السريعة في فرض حظر على تصدير المواد الغذائية بهدف حماية الأسعار والإمدادات المحلية، حيث يحاول عدد متزايد من الحكومات في الدول النامية أن يُظهر للجمهور المتوتر أنه ستتم تلبية احتياجاتهم.
بالنسبة لأصحاب الأعمال، فإن التكلفة المرتفعة لمكونات الطهي، من الزيت إلى الدجاج، دفعتهم إلى رفع الأسعار. وبالنسبة للمستهلكين، كان ذلك يعني دفع المزيد مقابل نفس الطعام أو أقل جودة أو كبح عادات معينة تماماً.
في لبنان، حيث أدى الفساد المستشري والمأزق السياسي إلى شل الاقتصاد، يزود برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بشكل متزايد الناس بالمساعدات النقدية لشراء الطعام، لا سيما بعد انفجار مدمر في مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020 دمّر أهراءات الحبوب الضخمة، فيما يحد انقطاع التيار الكهربائي المستمر وأسعار الوقود المرتفعة لاشتراكات المولدات، مما يمكن للناس شراؤه لأنهم لا يستطيعون الاعتماد على المجمدات والثلاجات لتخزين المواد سريعة التلف.
تقول تريسي صليبا، وهي أم عازبة لطفلين وصاحبة عمل في بيروت، إنها كانت تنفق نحو رُبع أرباحها على الطعام. وفي هذه الأيام، يذهب نصف دخلها لإطعام أسرتها حيث تفقد العملة قوتها وسط ارتفاع الأسعار. وتقول: "أنا لا أشتري (بقالة) مثلما اعتدت.. إنني أحصل فقط على العناصر والطعام الضروريين، يوماً بعد يوم".
وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 14% تقريباً هذا العام في الأسواق الناشئة، وبنسبة تزيد عن 7% في الاقتصادات المتقدمة، وفقاً لشركة "كابيتال إيكونوميكس"، علماً أنه في البلدان التي ينفق فيها الناس ما لا يقل عن ثلث دخلهم أو أكثر على الغذاء، يمكن أن تؤدي أي زيادة حادة في الأسعار إلى أزمة.
في هذا الإطار، تتوقع "كابيتال" أن الأسر في الأسواق المتقدمة ستنفق 7 مليارات دولار إضافية شهرياً على الأغذية والمشروبات هذا العام وجزء كبير من العام المقبل بسبب التضخم.
أما الشعور بالألم فهو على درجات متفاوتة، مع وجود 2.3 مليار شخص يعانون من الجوع الشديد أو المتوسط العام الماضي، وفقاً لتقرير عالمي صادر عن برنامج الأغذية العالمي و4 وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة.
وشكلت أسعار المواد الغذائية نحو 60% من ارتفاع التضخم العام الماضي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، باستثناء دول الخليج المنتجة للنفط، فيما الوضع مريع بشكل خاص بالنسبة للسودان، حيث من المتوقع أن يصل التضخم إلى 245% هذا العام، وإيران حيث ارتفعت أسعار الدجاج والبيض والحليب بنسبة 300% في مايو/ أيار، مما أثار الذعر واحتجاجات متفرقة.
وفي الصومال، لا يستطيع 2.7 مليون شخص تلبية احتياجاتهم الغذائية اليومية، وحيث يموت الأطفال بسبب سوء التغذية. في مايو/ أيار، بلغ سعر كيلوغرام (2.2 رطل) السكر حوالي 72 سنتا في العاصمة مقديشو، وبعد شهر وصل سعره إلى 1.28 دولار.
قالت أصلي عبد القادر، وهي ربة منزل صومالية وأم لأربعة أطفال: "في منزلي، أقدّم الشاي مع السكر 3 مرات في اليوم، لكن من الآن فصاعداً، يجب أن أقوم بتقليله بشكل كبير بحيث لا أقدّم السكر إلا للضيوف".
ويستعد الناس هناك لتكاليف أعلى بعدما أعلنت الهند أنها ستحد من صادرات السكر هذا العام. حتى لو لم يقلل ذلك من صادرات السكر الهندية مقارنة بالسنوات السابقة، فإن أخبار التقييد كانت كافية لإثارة التكهنات بين التجار مثل أحمد فرح في مقديشو. وقال: "من المتوقع أن ترتفع تكلفة السكر لأن الصومال يعتمد بشدة على السكر الأبيض الذي يصدر من الهند وبعض السكريات البنية من البرازيل".
وتعتبر قيود تصدير المواد الغذائية التي تهدف إلى حماية الإمدادات المحلية ووضع حد للتضخم أحد أسباب ارتفاع تكلفة المواد الغذائية.
وكانت أسعار المواد الغذائية في ارتفاع مطرد في جميع أنحاء العالم بسبب الجفاف، وقضايا سلسلة التوريد، وارتفاع تكاليف الطاقة والأسمدة. وتقول منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة إن أسعار السلع الغذائية ارتفعت بنسبة 23% العام الماضي.
وأدت الحرب الروسية في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار القمح وزيوت الطهي، مما أدى إلى أزمة غذاء عالمية. كان هناك تقدم كبير هذا الأسبوع لإنشاء ممرات آمنة لشحنات البحر الأسود، لكن الموانئ الأوكرانية مُنعت من تصدير هذه السلع الرئيسية لعدة أشهر وسيستغرق الأمر وقتا لتحريكها مرة أخرى إلى البلدان المعرضة للخطر في جميع أنحاء العالم.
وثمة قلق من أن تأثير كل هذه العوامل سيؤدي إلى لجوء المزيد من الدول إلى حظر تصدير المواد الغذائية، وهو أمر محسوس عالميا. وعندما منعت إندونيسيا تصدير زيت النخيل لمدة شهر في أبريل/نيسان، ارتفعت أسعار زيت النخيل بنسبة 200% على الأقل. ويقول محللون إن حظر تصدير المواد الغذائية قصير النظر لأن له تأثير الدومينو في رفع الأسعار.
وفي هذا السياق، يقول ديفيد لابورد، الذي يُنسب إليه الفضل في إنشاء أداة تعقب سياسة تجارة المواد الغذائية في معهد بحوث السياسات الغذائية: "في العالم الذي ستكون فيه الشخص الوحيد الذي يفعل ذلك، يمكن أن يكون ذلك منطقيا. لكن في عالم حيث يمكن لدول أخرى أيضا القيام بذلك، فهذا بعيد كل البعد عن أن يكون فكرة جيدة"، مضيفا أن الحظر "سياسة أنانية للغاية، لأنك تحاول أن تتحسن من خلال جعل الأمور أسوأ بالنسبة للآخرين".
ثم أن قائمة قيود تصدير الأغذية التي يتتبعها لابورد منذ جائحة كورونا طويلة وتتغير باستمرار. ومن الأمثلة على ذلك تأثير القيود التي تفرضها كازاخستان على الحبوب والنفط على الأسعار في أوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان وأفغانستان. وكذلك أيضا قيود الكاميرون على تصدير الأرز في تشاد، والقيود التونسية على الفواكه والخضروات إلى ليبيا.
(أسوشييتد برس، العربي الجديد)