غضب عمالي ضد نتنياهو... خسائر الإضراب تفاقم أوجاع الاقتصاد الإسرائيلي

03 سبتمبر 2024
بعض الخدمات في مطار بن غوريون توقفت وتعطلت الحافلات والقطار الخفيف (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **الإضراب العام وتأثيره**: شهد الاقتصاد الإسرائيلي إغلاقاً واسعاً يوم الاثنين بسبب إضراب عام دعا إليه اتحاد نقابات العمال، مما أدى إلى تعطيل خدمات حيوية وخسائر تقدر بـ 5.8 مليارات شيكل.

- **الأزمة الاقتصادية وتداعيات الحرب**: يعاني الاقتصاد الإسرائيلي من عجز قياسي وتراجع في الاستثمارات بنسبة 17%، مع تزايد تكاليف الحرب على غزة. الحكومة حاولت إلغاء الإضراب عبر المحكمة، لكن العديد من القطاعات شاركت فيه.

- **التحديات المالية والمستقبل الاقتصادي**: تواجه إسرائيل عجزاً بنسبة 8.1% وزيادة في الإنفاق الحكومي بنسبة 32.8%. لم تقدم الحكومة موازنة لعام 2025، مما يزيد من عدم اليقين الاقتصادي، وسط تحذيرات من مؤسسات مالية كبرى.

خيم الإغلاق على الاقتصاد الإسرائيلي، أمس الاثنين، مع مشاركة قطاعات فاعلة في إضراب عام دعا إليه اتحاد نقابات العمال (الهستدروت) الذي يمثل مئات الآلاف من العاملين في عدة قطاعات اقتصادية، للضغط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للموافقة على اتفاق مع المقاومة الفلسطينية، لاستعادة المحتجزين وإنهاء الحرب على قطاع غزة المستمرة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي.

وتعطلت الكثير من الخدمات العامة في مناطق عدة، ما تسبب في خسائر قدرتها صحيفة يديعوت أحرونوت 5.8 مليارات شيكل (نحو 1.6 مليار دولار)، وهو ما أثار فزع وزراء في حكومة الاحتلال حذروا قبل الإضراب من تداعيات كبيرة على الاقتصاد الذي يعاني بالأساس من كلفة الحرب الباهظة.

وشاركت مجموعات أعمال في الإضراب، منها رابطة المصنعين الإسرائيليين وقطاع التكنولوجيا المتقدمة، وهو من أهم القطاعات الاقتصادية في إسرائيل، وتوقفت بعض الخدمات في مطار بن غوريون، وتعطلت خدمات الحافلات والقطار الخفيف في العديد من المناطق، وأضرب العاملون في ميناء حيفا الرئيسي، وأضربت البنوك كلياً، كما دخلت المستشفيات في إضراب جزئي.

جاء الإضراب ليكشف عن مأزق الاقتصاد الإسرائيلي الذي يعاني من عجز قياسي، وتضرر موارد الدولة وسط تراجع الكثير من الأنشطة الاقتصادية وتهاوي الاستثمارات بنسبة 17% على أساس سنوي في الربع الثاني من العام الجاري مقارنة بالربع المقابل من العام الماضي.

والإضراب الذي دعا إليه اتحاد نقابات العمال (الهستدروت) الذي يمثل مئات الآلاف من العاملين، هو أول إجراء عمالي واسع النطاق، ويمثل أحد أكبر تعبيرات الغضب العام إزاء مماطلة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في التوصل إلى صفقة مع المقاومة الفلسطينية لإنهاء الحرب واستعادة المحتجزين.

ولدى المقاومة حالياً 101 محتجز من 253 احتجزتهم خلال عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، على بلدات ومعسكرات إسرائيلية متاخمة للحدود مع قطاع غزة، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص بحسب إحصاءات إسرائيلية، فيما شن جيش الاحتلال عدواناً مدمراً على غزة أسفر عن مقتل أكثر من 40600 فلسطيني بحسب وزارة الصحة في غزة.

لجأت الحكومة الإسرائيلية إلى المحكمة من أجل إلغاء الإضراب، لكن شركات كبرى وقطاعات حيوية تفاعلت مع دعوة اتحاد نقابات العمال، متجاهلة تحذيرات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش من عواقب اقتصادية كبيرة من شأنها أن تسبب أضراراً اقتصادية في زمن الحرب، كما تجاهل المشاركون تهديده بعدم صرف أجر العمال المتجاوبين مع الإضراب.

وقال سموتريتش، الأحد: "أمرت مشرف الرواتب بتمرير توجيه واضح تم نشره بالفعل، بأنه لن يتم دفع أجر الموظف الذي لا يأتي للعمل غدا (الاثنين)". وأضاف: "لن يُسمح لرؤساء الهستدروت بقلب البلاد رأسا على عقب واستخدام العمال سلاحا لتعزيز رأيهم السياسي". وتابع وفق ما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت: "بدلا من مد يد العون لتعزيز الاقتصاد ودعم الشركات وجنود الاحتياط، يحقق (اتحاد نقابات العمال) حلم (رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يحيى) السنوار".

وانضم إلى الإضراب، بحسب صحيفة "غلوبس" الاقتصادية الإسرائيلية، كل من جمعية المصنعين، جمعية المزارعين، جمعية بناة الأرض (المقاولين)، التجار وصناع الألماس والفنادق والسينما وشركات التأمين وشركات الأمن وشركات التنظيف والجمعية الوطنية للتجارة وشركات النقل والمنظمات المستقلة ورابطة الغرف التجارية.

كما انضم إلى الإضراب منتدى الأعمال، الذي يوظف معظم العمال غير المنتمين إلى النقابات. يضم المنتدى حوالي 200 من أكبر الشركات في إسرائيل، بما في ذلك بعض كبار الأسماء في القطاع الخاص. واكتسب المنتدى شعبية في السنوات الأخيرة، وأصبح محط اهتمام الجمهور خلال الاحتجاج على الإصلاح القانوني في عام 2023، عندما تم إغلاق الاقتصاد جزئياً مع اتحاد نقابات العمال، وكان خلالها أحد العوامل في عرقلة التشريع في ذلك الوقت.

ودعا رئيس اتحاد نقابات العمال رنون بار ديفيد، إلى الإضراب العام، أمس، بعد العثور على جثث ستة محتجزين في نفق بجنوب غزة، تقول حماس إن سببه القصف الإسرائيلي، فيما تنفض الحكومة الإسرائيلية يديها من المسؤولية وتحمّلها للحركة، بينما تسبب الأمر في صدمة كبيرة في إسرائيل، دفعت ما لا يقل عن نصف مليون شخص إلى النزول إلى الشوارع في القدس المحتلة وتل أبيب للاحتجاج، الأحد الماضي. ويأتي الإضراب بعد أشهر من احتجاجات عائلات تمثل بعض المحتجزين ليؤكد وجود انقسامات عميقة في إسرائيل حول النهج الذي يتبناه نتنياهو في مفاوضات وقف إطلاق النار.

يأتي الإضراب وسط مؤشرات سلبية للاقتصاد الإسرائيلي بفعل التكاليف الباهظة لاستمرار الحرب وتداعياتها على مختلف القطاعات، كما أنه يكسر حالة التعايش الذي بدأت فيه بعض القطاعات مع ظروف الحرب وهو ما يقلق حكومة نتنياهو ويزعج صناع السياسات المالية والنقدية. فقد استمر العجز في إسرائيل في الاتساع في يوليو/ تموز الماضي، حيث بلغ 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي على مدى الأشهر الاثني عشر الماضية، أو 155.2 مليار شيكل، وفقاً للبيانات الصادرة عن وزارة المالية في أغسطس/آب الماضي، وذلك ارتفاعاً من 7.6% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية يونيو/ حزيران الماضي، و7.2% في نهاية مايو/ أيار. ومنذ بداية عام 2024، بلغ إجمالي العجز في إسرائيل 72 مليار شيكل مقارنة بفائض قدره ستة مليارات شيكل في الأشهر السبعة الأولى من عام 2023.

بلغ الإنفاق الحكومي منذ بداية العام أكثر من 352 مليار شيكل حتى نهاية يوليو/تموز الماضي، بزيادة قدرها 32.8% مقارنة بالفترة المقابلة من العام الماضي. ويعود السبب الرئيسي للزيادة في العجز إلى الإنفاق المرتفع على الدفاع والوزارات المدنية بسبب الحرب. ومع ذلك، حتى مع استبعاد نفقات الحرب، فإنّ الزيادة في الإنفاق الحكومي تبلغ حوالي 8.7%. وذلك على النقيض من ارتفاع بنحو 3.1% فقط في إيرادات الدولة، والتي بلغت منذ بداية العام نحو 278 مليار شيكل، مقارنة بـ269 مليار شيكل في الأشهر السبعة الأولى من عام 2023.

وتقدر وزارة المالية الإسرائيلية أنّ العجز في إسرائيل سيصل إلى ذروته بحلول سبتمبر/ أيلول، ثم يبدأ في التراجع بعد ذلك. وتعتقد إدارة الموازنة بوزارة المالية أن العجز سيتجه نحو الانخفاض إلى الهدف البالغ 6.6%، والذي تم على أساسه إقرار الموازنة العامة للاحتلال للعام الجاري في مارس/ آذار الماضي.

ولم تتجه الحكومة الإسرائيلية حتى الآن نحو إعداد موازنة لعام 2025، حيث لم يقدم نتنياهو، ووزير المالية، أي تفسيرات حول التأخير في صياغة إطار مالي لموازنة عام 2025، حسب ما نقلت مؤخرا وكالة "بلومبيرغ" الأميركية. وعبرت مؤسسات مالية كبرى عن شكوكها حول قدرة الدولة على إدارة تحدياتها المالية وتحقيق نمو اقتصادي مستدام. وأصدر كل من "سيتي بنك" و"جيه بي مورغان" تقارير مؤخراً تحذر من بيانات الاقتصاد الكلي الأخيرة والمخاطر المستقبلية المحتملة حسب ما نقلته عنهم صحيفة "غلوبس".

وانكمش اقتصاد إسرائيل في الربع الثاني من العام الحالي، وفق بيانات مكتب الإحصاء المركزي. فقد تباطأ النمو في الربع الثاني من العام إلى 1.2% على أساس سنوي مقارنة بالربع السابق. أما على أساس نصيب الفرد (مع الأخذ في الاعتبار الزيادة السكانية)، انخفض الناتج المحلي الإجمالي في الواقع بمعدل سنوي بلغ 0.4%. وتحاول حكومة نتنياهو "التهرب من المسؤولية عن الاقتصاد وتعطيل تقدم موازنة 2025"، وهو ما قد يؤدي إلى "أزمة اقتصادية طويلة الأمد"، وفق تقرير لصحيفة "هآرتس".

ووسط القلق من العجز وعدم اليقين الجيوسياسي، أبقى بنك إسرائيل (المركزي) نهاية اغسطس/آب الماضي، على سعر الفائدة عند 4.5%. وهذه هي المرة الخامسة على التوالي التي يترك فيها البنك سعر الفائدة دون تغيير، بعد أن خفضه من 4.75% في يناير/ كانون الثاني. وأبدى بنك إسرائيل قلقه إزاء اتساع العجز، وعدم وجود موازنة لعام 2025، وعدم اليقين الجيوسياسي وضغوط التضخم، وقد قام بمراجعة توقعاته للتضخم لعام 2024 نحو الأعلى إلى 3.8%، ولم يعد يرى أنه سيهبط إلى أقل من 3%، وهو الحد الأقصى للنطاق المستهدف السنوي.

المساهمون